مما يسترعي الانتباه، أن قناة «الجزيرة»، قد أبدت اهتماما ملحوظا بالحادث التفجيري الذي وقع امس في أحد المسارح في الدوحة، الذي كان يعرض مسرحية للكاتب وليم شكسبير. اهتمام «الجزيرة» غيرمفاجئ بالطبع، فهي تبدي اهتماما فائقا بمثل هذه الأحداث التي تقع في غير بلد عربي، وكانت على سبيل المثال ، قد اولت اهتماما كبيرا باحداث مماثلة وقعت في المملكة العربية السعودية. كما ان «الجزيرة» انفردت ببث شريط « ابو العدس» الذي نسب لنفسه اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، قبل أن يتحول هذا الشريط إلى مبعث سخرية لدى اللبنانيين ، وقبل أن يتوفى والد الشاب الذي تبين انه كان معتقلا أو مختطفا. والحال ان الاهتمام المبالغ به، وتخصيص حيز واسع لمثل هذه الأحداث ، أسهم في النتيجة في لون من الوان الترويج لهذه الظاهرة ، وها هي دولة قطر الشقيقة ، تدفع ثمن هذا الأداء الإعلامي ، الذي يقوم على النفخ في هذه الظاهرة، وإفساح مجال واسع للفاعلين هنا وهناك للتحدث والخطابة ، ولكأنهم اصحاب وجهات نظر ، وليس مقترفي أعمال إجرامية . وبالطبع فإن المسؤولية على هذا الأداء الإعلامي ، تقع على بعض القائمين على المحطة، وليس على المسؤولين القطريين ، غير انه بات واضحا الان ، خطأ هذه السياسة الإعلامية، التي تبالغ في رصد هذه الظاهرة، وبصورة حماسية ودراماتيكية تلهب المشاعر . ولا شك الان أن هناك خيطا دقيقا ، بين واجب التغطية الإعلامية وكشف الوقائع وإلقاء الأضواء عليها، وبين الاهتمام الواسع والمثير ، والذي تختلط صورته وفحواه كمتابعة مهنية، و بين ما يمكن اعتباره شكلا من اشكال الاحتفاء الضمني بالظاهرة، وخاصة إذا ما اخذنا هذه المتابعة الحثيثة والحارة في سياق أوسع، ويتمثل في ما يرد في عدد من البرامج الأخرى مثل برنامج «منبر الجزيرة» و«الاتجاه المعاكس»، والبرامج الحوارية التي يقدمها الزميل احمد منصور . وليس المقصود بالملاحظة هنا ، سوى الدعوة إلى ضبط الأداء الإعلامي دون تقييده ، والتمتع برؤية سياسية رحبة، لا تضع مثل هذه الأحداث في سياق حراك سياسي ما، ولكأن الفاعلين كما سبقت الإشارة، هم اصحاب اجتهادات وافكار وآراء ، مع قدر من المغالاة والتطرف لديهم! ، فالأمر ليس كذلك أبدا ، إذ أن استهداف المدنيين، وغير العرب وغير المسلمين، كما في «الرسالة» التي يحملها تفجير الدوحة الأخير (استهداف مدرسة بريطانية ومسرحية بريطانية ورواد أجانب) ، إن ذلك كله هو من قبيل النظر والسلوك الإجرامي، الذي يجافي صورة الإسلام والعروبة السمحة، وكما هي عليه منذ اكثر من عشرة قرون ، فنحن جزء من اسرة بشرية كبيرة ، ومن عالم واسع مترامي الأطراف، وبصراحة فإن ما نأخذه ونحتاج إليه من هذا العالم ، هو حتى الآن أكبرمما نعطيه ونوفره ، مما يقتضي ابداء التواضع والانصاف تجاه الآخرين، وكذلك تعزيز جسور التواصل والتفاعل معهم، وليس مناصبتهم العداء ، أو شحن مشاعر المتطرفين منهم ضدنا. ومع ابراز مشاعر التضامن مع الإخوة في قطر الشقيقة ومع ضحايا هذا الحادث والتمني للمصابين بالشفاء العاجل ، فإننا لن نقول للزملاء في «الجزيرة» بان السحر قد انقلب على الساحر، بل إن سياسة التهييج لا تثمر سوى مثل هذا الحصاد المر الذي لا يتمناه المرء لأي بلد عربي او غير عربي.