حسين الشرعة
يا يمه شديلي مخداتي..
وطلعت من البيت وما ودعت خياتي .. ومابين شد المخدة واللحاف والوهد ، تتجمل الام والاخت ساعة وداع العريس ..
تعب تلك الليالي والسهرات الجميلة واعداد الاقمشة والصوف ، بين غسل ونثر في الشمس يختال العريس ، فما يحتاجة في البيت من فراش جرى تجهيزه ..
..الصورة اليوم ومنذ سنوات اختلفت ، اذ ورد المهن في المدينة مهنة المنجد.
من يقف امام منجد يعمل على شد لحاف، يود ان لا يغادره حتى ينهي عمله ؛ حركاته الرشيقة والسريعة ، وتنقل كلتا يديه من اعلى الى اسفل ومن اسفل الى اعلى مع الابرة التي يستخدمها ببراعة وخفة ، وحركته الزاحفة الى الامام تجذب المشاهد بقوة وتثير فيه الشغف .
حرفة تحاكي التراث ،ما زالت على قلة العاملين بها تجاهد الاندثار ، بالرغم من انتشار غرف النوم الحديثة والارائك التي احتلت مكان الفرشات الارضية التي كانت تشكل معظم اثاث المنزل ، وتوافر الاثاث الجاهز كالاسفنج والسبرنغ .
يعمل المنجد على تصنيع الفرشات واللحف والمخدات من الصوف او القطن، بعد معاملته بآلات وادوات المهنة .
الصوف مادة طبيعية ، يجلب الدفء ويصلح لاعداد مستلزمات البيت من امتعة وفرش .
اما القطن فهو اكثر ملاءمة من الصوف لخلوه من الرائحة التي تثير تحسس الجهاز التنفسي، لدى الذين يعانون منه بالاضافة الى ان فرشات القطن لا تؤثر كالصوف او الاسفنج على آلام الظهر لصلابتها ، ويعتقد ان السبب في تفضيل الناس الصوف على القطن ربما يعود لوفرة هذه المادة سابقا تبعا لكثرة الثروة الحيوانية وعدم توفر القطن انذاك.
عندما يبدأ المنجد عمله يكون الصوف او القطن نظيفا فيتم نفشها بواسطة الندافة ثم يعمل على طرقها بواسطة المطرق وهو من عصا غالبا ما تؤخذ من اغصان شجر الرمان او قضيب معدني ، وتفيد عملية الطرق في تجانس المادة وليونتها ليسهل توزيعها بالاضافة الى تساقط الاوساخ الصلبة العالقة .
ويستخدم صوف الغنم او القطن لتصنيع الفرشات في حين يستعمل صوف الخراف التي لا تتجاوز اعمارها ستة اشهر والذي يسمى قصب بكسر القاف والصاد في تجهيز اللحف .
وتستوعب الفرشة ما بين( 12-15) كغم من المادة المراد تصنيعها منها وهي تتكون من القالب وهو قطعة من القماش الجاف يخاط على شكل كيس بالطول والعرض المرغوبين وتتم عملية حشوها بالصوف او القطن من الاسفل الى الاعلى وهي منبسطة على ارضية مستوية .
تستخدم العصا اللينة الخفيفة لتحريك الصوف من مكان لآخر لتخفيف السماكة او زيادتها وفق الحاجة ، لتعذر استخدام اليدين في هذه الحالة لتأثير الثقل على مستوى الصوف مما قد يجعله غير متساو فتظهر مع اقل الاستخدام نتوءات تجعل المنجد يعيد التنجيد بعد وقت قصير .
تخاط فتحة الفرشة وبعدها تتم عملية التضريب وهي الخياطة بشكل طولي وعرضي باستخدام الابرة الطويلة والخيوط القوية بمساعدة الكشتبان وهو اداة معدنية تشبه وعاء صغيرا على حجم انملة الاصبع خشن من الخارج يساعد في غرز الابرة ويحمي الاصبع من وخز الابر والقصد من عملية التضريب تثبيت الصوف او القطن مع القماش بحيث لا يتحرك مع كثرة الاستعمال ،وتحشى الفرشة بالوجه وهو على شكل قالب وبنفس مقاساته غير انه من قماش لين وملون يضفي على الفراش منظرا جميلا.
اما اللحاف الذي تتراوح حشوته ما بين( 4-5 )كغم فيتألف من المنجدة وهي قطعة قماش بطول وعرض مناسبين ، يتم توزيع القصب او القطن عليها ثم تغطيتها بالصينية، وهي قطعة قماش اخرى بلون مختلف وبقياس اقل من سابقتها تخطان مع بعضهما بعد تسوية الحشوة .
تبدأ عملية التضريب وهي ذات الطريقة التي تستخدم في الفرشة الا انها تختلف في اللحاف بحيث يتم استعمال ابرة صغيرة وتكون الغرز متقاربة جدا طولا وعرضا وبعد الانتهاء من التضريب يغطى بالملحفة وهي الثوب الخارجي ويخاط على حجم اللحاف من قماش رقيق وباللون الذي يوافق ذوق الزبون.
وللمنجدين اخلاقهم التي تعتبر من عرف اهل الكار فعملهم لا يقتصر على تواجدهم في محلاتهم بل ربما تطلب الامر ان يعمل احدهم في بيوت الزبائن،مما يوجب ان يتخلق باخلاق رفيعة تحفظ حرمات اهل البيت وتكسبه احترامهم مثلما يجب على المنجد ان يتصف بالامانة وقلة الكلام الا فيما يتعلق بالعمل .
..والمنجد الحاذق يستوعب جميع حاجات البيت من فرش ويعمل على اعادة تدويرها في أي وقت .