اغنية الثلج

اغنية الثلج

نتلهف للزائر المتلفح بوقار الابيض، نشتاقه شوقنا الى لحظة صفاء ومناجاة داخلية جوانية، نخلو فيها لانفسنا ونخاطب الحقيقة التي كناها ذات صباح بعيد.

يعيدنا الثلج النازل من المدى الفسيح سوسنا ابيض ولؤلؤا لا يقاوم.. اطفالا متحمسين لشقاوة مباغتة، ويحيلنا الى مشاكسين غير راغبين بسماع نصائح الكبار المتعلقة بالتحوط لنزلات البرد المفاجئة، والداعية الى التزام البيوت وحفظ الدروس.. فالركض فوق البساط الابيض الطالع من سحر الفصول وتجليات الطبيعة اغراء لا يقاوم، وتبادل العبث واللعب البريء مع عابري الطريق فرصة للخروج عن المألوف، عندما لا يسأل احد احدا عن سبب لأي شيء، اتفاق ضمني جمعي موروث على الاحتفال بعطاء الشتاء المتشح بأثواب الزفاف، هستيريا طقسية تجعلنا خفيفي الظل، ممكنين وغير متوقعين.

انها اغنية الثلج التي صدحت بها فيروز (تلج.. تلج.. عم بتشتي الدنيا تلج..) والغطاء الذي يختبئ تحته عيوب ما صرناه مرغمين، لأن الاصول تفرض هذا ولا تقبل بذلك، ولان الناس يتناهشونك ان ادرت ظهرك لهم، كما تشتهي طبيعتك، وكما يريد هواك.. وهي اغنية جاءت هذه المرة قريبة من عيد العشاق ويومهم المزدان بالاحمر المشتعل، فالثلج عشق، والورد كذلك والاغنيات.. وفي شباط تنتصر الطبيعة على سكون التوقعات، ورتابة الايام، وتؤسس لنفسها انماطها الخاصة بها، وتتقلب كما تشاء فوق جمر الاشواق، وتجعل من الرعد معزوفة تصافح الخبز فوق المدفأة، وتعانق البرد الصاعد نحو اعالي الجلجلة.

شمس ، وبرد، وغيوم داكنة، وعواصف، وفحيح رياح يشبه صلاة الافاعي في بياتها المتحفز.. هذا هو الشهر المتصابي، حافي القدمين، الخارج من اعراف القبيلة، والمتمرد على شروط المتوالية الازلية للايام والفصول.. اغنية ثلج تتوقف الحياة معها في بلادنا فجأة دون سابق انذار ودون منطق او مبرر مقبول وتتحول الرغبة بالتصالح مع بهاء الاغنية الى طوابير امام الافران ومحطات الوقود، في اشارة مؤسفة على اصرارنا ابقاء الصورة الجامدة الرتيبة لوعينا، والتمسك بتفاصيلها، فيما الشوارع والاشجار ورؤوس الجبال وفيروز يواصلون تراتيل الثلج وطقوس الخصب (تلج.. تلج.. عم بتشتي الدنيا تلج..!).