كان يوحنا المعمدان يعيش في براري الاردن حياة بسيطة ومتواضعة ويلبس ثيابا من وبر الابل وطعامه الجراد والعسل. ورسالته كانت عبارة عن دعوة الى التوبة والندامة عن الخطايا وتغير النفس وذلك لكي يمهد لميلاد ومجيء السيد المسيح. وفي عيد الغطاس عمد يوحنا المعمدان السيد المسيح في نهر الاردن في موقع المغطس.لذلك اصبح هو عيد المعمودية التي بها يتوب الانسان عن خطاياه القديمة ويصبح انسانا جديدا. والرمز الى هذه التوبة يكون من خلال تغطيس المتعمد في الماء وخروجه منه، وقد استخدم الماء بشكل خاص لانه يرمز الى الاغتسال والنقاوة والطهارة. ويتزامن عيد الغطاس مع بداية السنة الجديدة التي ابتدأ فيها المسيح التبشير بالملكوت والحياة الابدية التي بدأت بالتوبة، وقد اطلق النبي اشعيا على السنة الجديدة اسم «السنة المقبولة للرب» (اشعيا 61:2). ولذلك نطلب من الله تعالى ان ينعم علينا فيه بالخير والبركة والرضى ونتخلص فيه من كل ما يكدر حياتنا، نتمنى ان يكون هذا اليوم هو الحد الفاصل ما بين ما قد فات ومضى وما بين ما هو آت، ومستقبل، فنترك الماضي وسيئاته ونبدأ من جديد، وان يكون هذا اليوم هو يوم خلاص «انها الآن ساعة لنستيقظ من النوم، فان خلاصنا الآن اقرب مما كان حين آمنا» (رؤيا 13: 11: 12). عيد الغطاس لا يعني فقط الذهاب برحلة حج الى موقع المغطس والصلاة والاحتفال الخارجي بل هو ان نذهب ونسير الى العمق الى داخلنا، ونتعرف بهذه الرحلة الى ذواتنا ونغسلها بمياه والتوبة والغفران لكي يصبح الكل جديدا، ونلبس الانسان الروحي الجديد كما نرنم في صلوات عيد الغطاس:«انتم الذين في المسيح اعتمدتم المسيح قد لبستم هللويا». وكل انسان لو دخل الى نفسه، يجد ان كل ما مضى يحتاج الى غسل وتجديد، فالمضمون الروحي للمعمودية هو الغسل، كما قال حنانيا لشاول «قم واعتمد واغسل خطاياك» (اعمال الرسل: 22: 16). والمعمودية هي سر قائم بذاته من اسرار الكنيسة السبعة لا يبطل، ولا يفتر، وهي كفعل روحي لا سلطان للزمن عليه. لذلك نستوحي من الغطاس الذي هو عيد التوبة قوة جديدة ومفهوما جديدا نحيا به. ونتوجه للشباب ونردد تكفي السنون التي ضاعت من اجمل سنوات عمرك بالخطايا في التيه والضلال والخطيئة. ونطلب الى الله ان يعوضنا عن السنين التي رأينا فيها المساوىء والصعوبات بأيام سعيدة وهادئة ومطمئنة. الخضوع لله تعالى والطاعة تجعلنا نترك الانسان القديم ونتجدد ونتطهر من كل ما يفسد الروح والجسد، وكما حل الروح القدس يوم المعمودية على السيد المسيح كذلك يحل على المؤمن لقدسه. ولا بد من ان نتذكر ان اساس الحياة المسيحية هو الطاعة والتواضع على حسب قول السيد المسيح في انجيل متى «تعلموا مني لاني وديع ومتواضع القلب» (متى 11:19) وقد برهن على ذلك بشكل عملي عندما غسل ارجل التلاميذ في ليلة العشاء الاخير معهم. في عيد الغطاس نتذكر يوم معموديتنا وخلاصنا فهو وقت مقبول للتوبة والخلاص من الشر والسير نحو الخير «الان يوم خلاص..» (2ك 6:2). وفي هذا اليوم يدخل المؤمن الى اعماق نفسه ويسأل ماذا صنعت الخطيئة فيّ؟ هل انا ميت بالخطيئة والشهوات التي تسيطر عليّ؟ ان موت المسيح وقيامته كسر اطواق الخطيئة وحطم سلاسل سلطتها. وان الموت الذي في داخلك يهرب من امام الحياة، والظلمة ستهرب من النور، لان الحياة اقوى من الموت وكلمة الله حية وفعالة في النفوس. مناسبة الحج الى المغطس هي مناسبة للتوبة والرجوع الى الله، هي لحظات ندعو فيها ونصلي لكي يزول الشر من العالم. لا يزال صدى صوت يوحنا المعمدان يتردد في البراري وعلى ضفاف نهر الاردن المقدس ويدعو الى التوبة والرجوع الى الله والابتعاد عن الشر. لا يزال صوت المعمدان يرتفع ويصرخ بوجه حضارة الموت والظلم والتدمير والقتل والبؤس والفقر ويدعو الى حضارة المحبة وملكوت السلام والعدل والمساواة.