منذ ان تم الغاء عطلة عيد الشجرة ولم يعد ينظر اليه كعيد وطني، تراجع الاهتمام الشعبي بالموضوع على رغم ان ذلك الاهتمام كان شكليا وعابرا وهو اليوم، مع بقاء الاسم والاحتفال ما يزال دعائيا على رغم ما تحفل به الاخبار المصاحبة من «نيات» لزراعة ملايين الاشجار الحرجية والمثمرة وانه - تضيف تلك الانباء المخصصة للصحف ووسائل الاعلام الاخرى - قد تم توزيعها. اكتب هذا الكلام في مناسبتين الاولى انه وقد تم الاحتفال رسميا بعيد الشجرة ولم «يعطل» الناس فان المناسبة مرت كما مرت سابقا ويكاد ان لا يتذكرها احد «وهنا لا ادعو مطلقا للعودة الى اعتبار يوم الشجرة عطلة رسمية» لكني اسعى الى ربطها مع المناسبة الاخرى وهي انني تلقيت كتابا مشجعا من وزير الزراعة شراري الشخانبة يتحدث عن «اعتزام» وزارة الزراعة تنفيذ حملة وطنية للتشجير بمشاركة الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني والشركات والمؤسسات ومختلف شرائح المجتمع. الهدف النبيل الذي يتمثل في الرغبة بزيادة الرقعة الخضراء والاراضي المغطاة بالحراج ما يزال هو الهدف الذي سمعنا عنه وقرأنا وحضرنا ندوات ومحاضرات ومهرجانات منذ نصف قرن بل ان ذاكرتي وذاكرة من هم في جيلي واقل قليلاً تستدعي الحملة التي رفعت شعار الاردن الاخضر في عام 2000 وها قد انتهت الالفية الثانية وشطبنا من الالفية الثالثة اربعة اعوام وما نزال نراوح مكاننا بل ان مساحة الصحراء آخذة في الازدياد بعد ان حولنا سهولنا والمساحات الخضراء الى غابات من الاسمنت والابراج ورحنا نتغنى بالتقدم العمراني والشوارع العريضة فيما تزداد البيئة تلوثا وفيما تتضخم «رئاتنا» بفعل الغازات وثاني اكسيد الكربون الذي يسبح كسحب في سماوات مدننا الكبيرة وكثير من اريافنا القريبة من تلك المدن او تلك الموجودة على ارضها مصانع لا تلتزم المعايير البيئية الدولية او المحلية كتلك التي ابتليت بها بلدة الفحيص. سأضم صوتي وجهدي المتواضع لما ينتوي وزير الزراعة القيام به بعد ان هالني حجم التصحر الذي نحن عليه وفقرنا «الحرجي» الذي يكاد يقربنا من فقرنا «المائي» المعروف وهو اننا احدى افقر عشر دول في العالم في الموارد المائية، فاذا ما علمنا «والاحصائية من وزارة الزراعة» بان الغابات الطبيعية والاصطناعية والاراضي الجرداء المسجلة حراجا تشكل ما نسبته اقل من 1% من المساحة الكلية للمملكة علما «وهذا هو المهم والمفزع في الوقت عينه» بان النسبة العالمية تتراوح ما بين 15 - 25% فاننا بالفعل في كارثة بيئية وجمالية وسياحية او على ابوابها اذا لم نقلب صفحة التصحر ونفتح كتاب التشجير بطريقة علمية وجادة بعيدا عن المظهرية والاحتفالات التي تنتهي بانتهاء المناسبة حتى ان «الشجيرات» القليلة التي تتم زراعتها تموت من العطش والاهمال والاعتداء المباشر من قبلنا جميعا بهذه النسبة او تلك. تحرك وزير الزراعة وطواقم الوزارة يستحق الدعم والمشاركة من قبل الذين استنجدت بهم الوزارة للبدء في برنامجها الطموح الذي اعلم انه لن يكون سهلا بل هو «مجازفة» محفوفة بالمخاطر لعل اهمها ثقافة اللامبالاة التي باتت جزءا من تركيبتنا الاجتماعية والسياسية والحزبية والثقافية بل لن نستغرب اذا ما خرج احدهم ليقول لناهل يصلح العطار ما افسده دهر التصحر لكننا نرد عليه بالقول يكفي شرف المحاولة ونحن مع حملة التشجير. فلنبدأ ولتكن لدينا رزنامتنا ولتكن لدينا خططنا الواضحة بعيدا - وهنا اكرر التحذير - عن الاعلام والمظهرية ولفت الانظار لان غواية الاعلام والاضواء لا تدوم. [email protected]
