محمد ناجي عمايرة لا يستطيع اي محلل سياسي ان يتجاهل الربط التلقائي بين اطلاق سراح الجاسوس الاسرائيلي عزام عزام، الذي كان يقضي حكما بالسجن في مصر مدته خمسة عشر عاما، والافراج عن ستة طلاب مصريين كانت سلطات الاحتلال الاسرائيلي قد اعتقلتهم بتهمة دخولهم غير المشروع للأراضي الاسرائيلية والتخطيط لمهاجمة احد مراكز الجيش الاسرائيلي منذ ثلاثة اشهر، فالعمليتان جرتا في وقت واحد، وهما بلا شك متبادلتان. واذا كانت الحكومة المصرية لا ترغب في تسمية ما جرى بأنه «صفقة» بين الجانبين المصري والاسرائيلي فان من طبائع امور كهذه ان يجري فيها تبادل اسرى او معتقلين او حتى جثث جنود او مواطنين في الجانبين، خلال سنوات الحرب العربية - الاسرائيلية الممتدة، وهذا التبادل لا يتم الا اذا كانت هناك مقايضات ومفاوضات الامر الذي يجعل المراقبين يتحدثون عن صفقات، كتلك التي حدثت غير مرة بين المقاومة الوطنية اللبنانية وبين اسرائيل، او بين المقاومة الفلسطينية وبين اسرائيل، بل ان المغفور له الملك الحسين بن طلال كان قد قايض على اطلاق سراح العملاء الأجانب الذين اعتقلوا في الاعتداء المدبر من المخابرات الاسرائيلية على المناضل الفلسطيني خالد مشعل باجبار اسرائيل على تقديم العلاج الذي انقذ خالد مشعل من الموت المحقق لو ان السمّ اخذ مفعوله دون ان يعالج بسرعة. وكنا نعتقد ان مثل هذه الصفقة المصرية - الاسرائيلية يمكن ان تكون اعمق وأقوى مما اعلن عنه، اذ ان ارواح الطلبة الستة وحياتهم غالية، ولكننا نعتقد ان الجاسوس عزام في غاية الأهمية للموساد وكانت اسرائيل مستعدة لتقديم ثمن أغلى للافراج عنه، لهذا نجد ان ما يتردد عن ان هناك توابع لهذه الصفقة لم يعلن عنها، يمكن ان يكون صحيحا، وهو سيصل الى درجة «ضربة معلم» لو ان القيادة المصرية نجحت في ربط اطلاق عزام عزام بالافراج عن مروان البرغوثي او غيره من المعتقلين الفلسطينيين او الاردنيين او اللبنانيين الذين امضوا مددا كبيرة من محكومايتهم في السجون الاسرائيلية، وهذا يجعل هذه الصفقة من نوع «الصفقة المتدحرجة» التي لا يعلن عنها كلها دفعة واحدة وانما على مراحل. ولا نشك ان الافراج عن الجاسوس الاسرائيلي وهو للأسف من اصل عربي فلسطيني، سيساعد في انفراج العلاقات الاسرائيلية ـ المصرية من جهة، وسيجعل مصر اقدر على مساندة مطالب الفلسطينيين من اسرائيل بتوفير الاجواء المناسبة لاجواء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وتسهيل انتقال السلطة والانسحاب الاسرائيلي من غزة وتفكيك المستوطنات تمهيدا لتنفيذ خريطة الطريق ووصولا الى طاولة المفاوضات من اجل التوصل الى حل نهائي تقوم بموجبه الدولة الفلسطينية المستقلة. فهذه الخطوة المصرية وحدها ستجعل مصر اقدر على الضغط على حكومة شارون من خلال الرأي العام الاسرائيلي الذي ظل يتطلع الى انهاء قضية الجاسوس عزام عزام المزمنة خصوصا وانه قضى اكثر من نصف محكوميته في السجون المصرية.
