ديوان المظالم في الدولة الاسلامية

ديوان المظالم في الدولة الاسلامية

يكثر الحديث في هذه الايام عن نية الحكومة الاردنية تأسيس ديوان للمظالم وهذا يدل على ان الدولة الاردنية ملتزمة بالنهج الديمقراطي وتخطو على طريقه خطوات عملية.

وبهذه المناسبة رغبت ان اقدم لمحة موجزة وعامة عن ديوان المظالم في الدولة الاسلامية لتكون ثقافة عامة تنفع القارىء.

في بداية تشكل الدولة الاسلامية لم يكن هناك فصل بين ما يسمى بالسلطة التنفيذية والقضاء، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان القاضي الاعلى وكذلك خليفته من بعده، والولاة يباشرون السلطة عنه ولما تشعبت مرافق الدولة ومصالحها ظهر منصب القضاء كمنصب اداري منفصل عن بقية ادارات الدولة، لقد ظل تعيين القضاة منوطا بالخليفة وحتى في اسوأ عهود الدولة الاسلامية، وكان هذا المنصب يعكس هيبة الشريعة والسلطات الديني المتمثل في شخص الخليفة.

وقد روى المؤرخون عن عدل القضاة ونزاهتهم وتعففهم البالغ حد الامتناع عن قبول التكليف بالقضاء واحتمال الاذى والعذاب بسبب رفضهم لهذا المنصب.

كان منصب المظالم من المناطق القضائية الهامة في الدولة الاسلامية ويتولى صاحبها النظر في قضايا الظلم والتعدي والفساد التي يرتكبها كبار رجال الدولة وفي احكام القضاء التي لا يتفق فيها المتخاصمان وعرفها ابن خلدون بانها «وظيفة ممتزجة من سطوة السلطنة ونصفة القضاء، وتحتاج الى علو يد وعظيم رهبة تقمع المظالم من الخصمين وتزجر المعتدي..».

فكان الغرض الاساس من انشاء ديوان المظالم هو التصدي لتعدي اصحاب النفوذ والجاه، وتوسعت اعمال هذا الديوان مع توسع الدولة الاسلامية وتطور حياتها الاقتصادية والاجتماعية فأصبح يعرف بديوان المظالم ويسمى رئيسه (صاحب المظالم).

وترد الاشارة الى وجود مثل هذا النظام في العصر الجاهلي، فقد اجتمعت قبيلة قريش فتحالفوا على رد المظالم بمكة، وان لا يظلم احد الا منعوه واخذوا للمظلوم حقه، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يومئذ معهم قبل النبوة وهو ابن خمس وعشرين سنة فعقدوا حلف الفضول لانصاف المظلوم من الظالم، والحكم بين المتخاصمين.

وكانت محكمة المظالم بمثابة محكمة الاستئناف في الوقت الحالي، تعرض عليها القضايا اذا عجز القاضي عن تنفيذ حكمه في قضية رجل من علية القوم، او اذا لجأ اليها المتقاضي اذا اعتقد ان القاضي لم يحكم بالعدل.

وكانت محكمة المظالم تنعقد تحت رئاسة الخليفة احيانا او الوالي او من ينوب عن احدهما، ويعين صاحب المضالم يوما يقصده المتظلمون اذا كان من الموظفين ليتفرغ لاعماله الاخرى، اما اذا انفرد بالمظالم نظر فيها طيلة ايام الاسبوع.

ويتكون مجلس المظالم من:

* الحماة والاعوان: للتغلب على كل من تحدثه نفسه بالالتجاء الى القوة او العنف او الفرار اثناء القضاء.

* القضاة والحكام: ليردوا الحقوق الى اصحابها بعد الاحاطة بما يجري بين الخصوم وما يصدر من الاحكام.

* الفقهاء: ليرجع اليهم عندما يشكل على صاحب المظالم مسألة من المسائل الشرعية.

* الكتّاب: لتدوين ما يحصل اثناء الجسة من اقوال الخصوم.

* الشهود: الذين يشهدون بأن ما اصدره القاضي لا ينافي الحق والعدل والشريعة الاسلامية.

* الترجمان: لنقل اقوال الاعاجم اذا كان في بلد يكثر فيه من لا يحسنون العربية.

وكانت اختصاصات من ينظر في المظالم واسعة تشمل كما يذكر مؤلف كتاب «الاحكام السلطانية».

1 - النظر في القضايا التي يقيمها الافراد والجماعات على الولاة اذا انحرفوا عن طريق العدل والانصاف، وعمال الخراج اذا اشتطوا في جمع الضرائب وكتاب الدواوين اذا حادوا عن اثبات اموال المسلمين بنقص او زيادة.

2 - النظر في تظلم المرتزقة اذا نقصت ارزاقهم او تأخر ميعاد دفعها اليهم.

3 - تنفيذ ما يعجز القاضي والمحتسب عن تنفيذه من الاحكام.

4 - مراعاة اقامة العبادات كالحج والاعياد والجمع والجهاد.