قيل في الاخبار ان الولايات المتحدة ستقدم لاسرائيل ثلاثة الاف قنبلة ذكية وتحديدا من النوع الذي اثبت نجاعته في حربي العراق « التدمير والتحرير» وفي طرابلس الغرب في حرب « التأديب» وقد اصابت القنابل الذكية اهدافها بمنتهى الدقة ، اما اسرائيل فقد استخدمت هذا النوع من القنابل قبل اكثر من عشرين سنة في تدمير بيروت عام 1982 مع الاخذ بعين الاعتبار الفارق اللوجستي بين ذكاء القنابل الاميركية التي اعتمدت على الاقمار الاصطناعية لتصيب الملاجىء والمجمعات الصناعية في العراق والاسرائيلية التي اعتمدت على الجواسيس في ادخال هذه القنابل عبر نوافذ مكاتب الفصائل الفلسطينية ، ولازالت اسرائيل تستخدم هذا النوع من «الذكاء» في تصفية قادة التنظيمات الفلسطينية في الاراضي المحتلة هذه الايام ولكن مع اختلاف الحجم والقدرات التدميرية ويسمي الفلسطينيون هذه القنابل صواريخ ربما لانها لا تسقط كما القنابل فوق المنازل وانما تنطلق من منصات معلقة بالطائرات المقاتلة وتندفع ذاتيا باتجاه الاهداف المتحركة والثابتة « البيوت والسيارات والمقاعد المتحركة» والسؤال الذي يطرح نفسه الان لماذا تعلن الولايات المتحدة عن انها ستسلم اسرائيل هذا الكم الهائل من القنابل الذكية مع انها سلمتها مثيلاتها منذ ربع قرن عندما كانت اسرائيل تخطط لدخول بيروت وطرد المنظمات الفلسطينية من هناك ، وما اهمية الاعلان عن تسلح اسرائيل بقنابل ذكية الان والعالم كله يعلم ان لدى اسرائيل صواريخ اكثر ذكاء وقدرة على الوصول الى اهدافها في اي بلد عربي تخطط الولايات المتحدة لتدميره لاعادة بنائه؟
القضية من الناحية الفنية تتعلق بالمخزون الحربي الاميركي في منطقة الخليج وفي الفائض من هذه القنابل ومن غيرها من المعدات العسكرية وملابس وتجهيزات الجنود في مستودعات الجيش الاميركي. فكانت الملابس وبعض التجهيزات غير الفاعلة في القتال من نصيب بعض الجيوش العربية الحليفة اما القنابل الذكية فمن نصيب جيش الدفاع الاسرائيلي ، ومن الناحية العسكرية فان الادارة الاميركية ترى ان من الاهمية بمكان اعادة تأكيد وجود اسرائيل اعلاميا وفعليا في دائرة التفوق المطلق عسكريا على جميع دول المنطقة وخاصة ايران التي ينتظرها شتاء ساخن قد يشمل تنفيذ الضربة المنتظرة لمشروعها النووي وتريد واشنطن بشدة ولغايات ضمان النتائج ترك الايرانيين في متاهة التوقعات بانتظار ضربة غير معروفة المصدر. ففي الوقت الذي يدور فيه الحديث عن تسخين للجبهة الاميركية الايرانية سياسيا في المنابر الدولية وعسكريا من خلال العراق يعلن في اسرائيل عن صفقة متوقعة لتزويد سلاح الجو الاسرائيلي بقنابل ذكية تكفي لتدمير قدرات اعداء اسرائيل ،ويفهم العالم ضمنا ان المقصود ايران كهدف جاهز وربما دول عربية في المستقبل فهذه القنابل مخصصة لتدمير اهداف شبيهة بالاهداف المطلوب تدميرها في ايران والمعدة سلفا بواسطة الاقمار الاصطناعية الاميركية وفي هذه الحالة فان الاميركيين يتركون للايرانيين فرصة ضئيلة لكسب معركة ضد الهجوم المتوقع في اية لحظة ولكنه مجهول المصدر والاتجاه وقد لا تستخدم فيه الطائرات اصلا ولا القنابل الذكية من النوع الذي تحدثت عنه الصفقة لكن الاعلان عن الصفقة ينطوي على هدف اضافي قد يكون ثانويا لكنه مهم في هذه المرحلة وهو رفع معنويات الاسرائيليين وتقديم دعم في موعده لرئيس الوزراء المأزوم بعلاقاته مع واشنطن بسبب رضوخه لبعض الافكار الاميركية فيما يخص قضايا الانسحابات من غزة والتزام الصمت - ولو مؤقتا - على قضية الدولة الفلسطينية التي يتحدث عنها بوش على استحياء بين الفينة والاخرى، واذا ما تغلب منطق الضرب على منطق التفاهم وهذا ما يتوقعه العالم وقررت اسرائيل تنفيذ طلب واشنطن بضرب ايران فان تل ابيب على عكس حليفتها لا تبث صور مقاتلاتها وهي تستعد للاقلاع من قواعدها لتنفيذ ضربة ما ، بل تعتمد على السرية والمباغتة في تنفيذ ضربات من هذا النمط فقد نجحت في تدمير المفاعل العراقي باستخدام قنابل ذكية قبل ان تستخدم الولايات المتحدة ذكاء قنابلها في المنطقة ، ونجحت كذلك في تدمير مقر منظمة التحرير في تونس وفي عمليات عسكرية مباغتة كثيرا اعتمد في تنفيذها على المتعاونين بالدرجة الاولى وعلى مساعدة الحليف الاميركي الذي وضع تحت تصرف المقاتلات الاسرائيلية افضل تقنيات الاستطلاع وتحديد الاهداف تمهيدا لقصفها من قبل المقاتلات الاسرائيلية الاميركية الصنع وبقنابل اميركية ايضا .
لقد اشتبكت الادارة الاميركية مع الكونجرس مؤخرا بسبب صفقة صواريخ كان الاردن سيستلمها وهي عبارة عن صواريخ دفاعية قد تنفعنا في حماية مدننا اذا ما تطايرت الصواريخ من فوقنا في اي نزاع محتمل بين ايران واسرائيل ومع ذلك لم توافق جهات اميركية كثيرة على الصفقة ، وفي دول عربية حليفة اخرى مثل مصر والسعودية وغيرهما لا توجد قنابل اميركية ذكية ولا صواريخ دفاعية متطورة كفيلة بصد الطائرات الاسرائيلية اذا ما خرقت اجواءها فالعرب حلفاء من جانب واحد لهم القمح ولاسرائيل ادوات القتل والتدمير فعلى فرض ان الولايات المتحدة لا تقصد ايران بصفقة القنابل الذكية لاسرائيل فمن تقصد اذن ، واي مجمعات صناعية ستدمر قنابلها الذكية هذه المرة ، هل يوجد لاسرائيل غير العرب اهدافا لاي سلاح تتزود به وما دام الامر كذلك فان الحلفاء على الاقل يملكون حق الحصول على تفسير وربما ضمانات بالا تدمر قنابل الحليف الذكية كل ما بنوه طوال سنوات الكد والتعب.