صحابة.. وطأوا ثرى الأردن.. عبد الله بن رواحه رضي الله عنه

صحابة.. وطأوا ثرى الأردن.. عبد الله بن رواحه رضي الله عنه

هو عبد الله بن رواحه بن ثعلبه بن امرئ القيس بن ثعلبه ، أبو عمرو الانصاري الخزرجي الشاعر المكنُىّ بأبي محمد ، وأبي رواحه وليس له عقب ، وهو وأبو الدرداء أخوان لأُمه كبشة بنت واقد بن عمرو وهي خزرجية أيضاً ، وهو خال النعمان بن بشير وروى عنه الكثير، وقد شهد بدرا وما بعدها إلى أن استشهد ، وكان أحد النقباء في العقبة، وكان من كتاّب العرب في الجاهلية ومن كتاب الانصار ، بعد الهجرة في المدينة ، ومن الشعراء القلة المخضرمين0
كان عبد الله بن رواحة من شعراء الجاهلية ، كان يناقض شاعر الاوس القبيلة المنافسة لقبيلته وهو قيس بن الخطيم، وأصبح لاحقاً من شعراء الإسلام وشعراء الرسول صلى الله عليه وسلم وهو القائل:-
يا هاشم الخير أن الله فضلكــم على البريــة فضلا ما له غيرُ
أني تَفرستُ فيك الخير أعرفـهُ فراسـة خالفتهم في الذي نظرواُ
ولو سألت أن استنصرت بعضُهُم في حلّ أمرك ما آووا ولا نصروا
فثبت الله ما اتاك من حَسَـــن تثبيت موسى ونَصرا كالذي نصروا
أنت الرسولُ فمن يُحْرَمْ نوافلـهُ والوجه منه فقد أزرى به القدر
ولما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك أقبل بوجهه مستبشرا وقال :- (( وأياكَ فثبّت الله))0
روُي أن ابن رواحة اذا لقي الرجل من أصحابه كان يقول له : تعال نؤمن ساعة فقالها يوما لرجل فغضب الرجل وجاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ألا ترى أبن رواحة يَرغبُ عن ايمانك الى ايمان ساعة 0 فقال صلى الله عليه وسلم :   رحم الله ابن رواحة أنه يُحبّ المجالس التي تتباهى بها الملائكه  0
وقد رُوي أيضا أن ابن رواحة قدم الى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب ، فسمعه يقول (أجلسوا) 00 فجلس مكانه خارج المسجد حتى فرغ الرسول صلى الله عليه وسلم من خُطبته 000 ولما بلغ ذلك الرسول عليه السلام قال : ((زادك الله حرصا على طواعية الله ورسوله))0
وهو ثالث أمير أمّره الرسول صلى الله عليه وسلم على جيش المسلمين في معركة مؤته : ولمّا وصل الجيش الاسلامي ناحيُة معُان علموا بأن الروم قد جمعوا لمواجهتهم جيشاً عظيماً من الروم والمستعربه ، وجرت مشاورات بين قادة الجيش حول السير الى مؤته أو العودة ، وابن رواحة صامت؛ ولمّا استشير قال :   أنا لم نسر لغنائم ، ولكننا خرجنا للّقاء ، ولسنا نقاتلهم بعدد ولاعدة ، والرأي المسير اليهم وهكذا كان 0
وعندما بدأت معركة مؤته واستُشهد زيد بن حارثه ثم جعفر بن ابي طالب ، واستلم ابن رواحة الراية أحّس بنفسه ترددا عن الاقدام للقتال فأنشد :-
أقسمت يا نفسُ لتَنَزّلنه
طَائعة او لتكَرهّنـــه
فطالما قَد كُنت مُطمئنّه
مالي أراك تكرهين الجنّه
ثم اقدم على جيش الروم أقدام قائد شجاع فذّ فقاتل رضي الله عنه وأرضاه حتى استشهد على ثرى مؤته 0
روى ابو الدرداء رضي الله عنه قال : أن كُنّا لنكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر في اليوم الحار ، ما في القوم أحد صائم الا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحه 0
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد استخلفه على المدينة المنورة عندما سار المسملون الى غزوة بدر الموعد ، وهي الغزوة التي تحدئّ بها أبو سفيان وهو على الشرك المسلمين بعد معركة أُحد قائلا للمسلمين : أن موعدكم بدر العام المُقبل غير أن أبا سفيان خرج في جيش المشركين في الموعد لملاقاة المسلمين ولم يبلغوا بدر وعادوا الى مكة دون قتال المسلمين فسمّى أهل مكة جيش ابي سفيان بجيش السويق 0 قائلين لهم : (( خرجتم تشربون السويق))0
عن أنس    رضي الله عنه قال : دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة في عُمرة القضاء وابن رواحة بين يديه يُنشد :
خّلوا بني الكفار عن سبيله
اليوم نَضربكُم على تنزيله
ضربا يُزيلُ الَهَام عن مقَيله
ويُذهلُ الخَليَل عن خليلـه
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا بن رواحة في حرم الله وبين يدي رسول الله تقول الشعر ؟ ! ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم :    خَّل يا عُمرُ ، فهو أسرعُ فيهم من نضح النّبل   0
ولما نزلت الآية الكريمة عن نار جهنم    وأن منكم الا واردها   بكى ابن رواحه وبكت أمراته ، فقال لها : مالك ؟ قالت بكيت لبكائك 0 فقال أني قد علمت أني وارد النار ، وما أدري أناج منها ام لا ؛ ولم ينبئني اني صادر عنها ، فذاك الذي أبكاني 0
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد بعث ابن رواحة رضي الله عنه الى خيبر وجرت بينه وبين اليهود مماحكات فجمع اليهود حُليا من نسائهم فقالوا : هذا لك وخففّ عنا 0 قال : يا معشر يهود ! والله أنكم لمن أبغض خلق الله الّي 0 وما ذاك بحاملي على أن احيف عليكم والرشوه سحت 0
وقد تزوج رجل بإمرأة ابن رواحة فقال لها أتدرين لم تزوجتك ؟ لتخبريني عن صنيع عبد الله في بيته، فذكرت له شيئاً، غير أنها قالت : كان إذا أراد أن يخرج من بيته، صلى ركعتين، وإذا دخل صلى ركعتين. لا يدع ذلك أبدا.
وتذكر كتب السيرة والتاريخ أن عبد الله برواحة قد قال قصيدة طويلة في طريقه إلى موقع معركة مؤتة مخاطباً ناقته جاء فيها :
إذا أديتني وَحَملتِ رحلــي مسيرة أربع بَعْدَ الحســـاء
فشأنك أنعمٌ وخـــلاكِ ذَمٌّ ولا أرجع إلى أهلي ورائــي
وجاء المسلمون وغادروني بأرض الشام مشتهي الثـواء
ولما ودّع المسلمون جيش مؤتة قالوا لهم : صحبكم الله ودفع عنكم وردكم صالحين؛ فأنشد ابن رواحه شعراً منه :
لكنني أسألُ الرحمن مغفــــرة وضربةٌ ذات فرغٍ تقذف الزبــدا
حتى يقال إذا مروا على جدثــي أرشده الله من غازٍ وقد رشــدا
وقبرُ عبد الله بن رواحـة موجودٌ في مؤتة بالأردن وهو اليوم مزارٌ وفيه مسجد.
د. محمود الجبارات