البخور واستخداماته عبر العصور

البخور واستخداماته عبر العصور

لا أحد يعرف على وجه التحديد متى استخدم البخور، والثابت أنه قبل بداية تدوين التاريخ، وعن طريق الصدفة البحتة تم إكتشافه عندما سقطت أخشاب بعض النباتات أو إفرازات بعض الأشجار على النار فانطلقت منها عبيرا فوّاحا، فأخذ الإنسان القديم يحرقه في الكهوف لطرد الأرواح الشريرة، ولتعطير الجو في هذه الأماكن شبه المغلقة.
وقد استخدم البخور عند الفراعنة منذ ما يزيد على أربعة آلاف عام، فقد عثر عليه في مقبرة ( توت عنخ آمون ) بطيبة.
ولكن ما هو البخور؟ البخور هو صمغ يستخرج من بعض الأشجار العطرية، يساعد إحتراقه في إنتشار رائحته الطيبة.
وفي العلم الحديث، يُعرف البخور بأنه خليط من الأصماغ والبلاسم التي تتصف بروائحها اللطيفة، ويصنع عادة على شكل مسحوق أو أعواد.
ويستورد البخور عادة من الهند التي تكثر فيها أشجار العود الطيبة الرائحة، وقديماً ذكر المؤرخون أن الإغريق كانوا يجلبون البخور من جنوب الجزيرة العربية دون تحديد المكان، وُيحكى أن الإمبراطور ( أغسطس ) أرسل حملة سنة ( 24 ) قبل الميلاد للكشف عن مصدره ولكنها باءت بالفشل.
ويختلف التركيب الداخلي لشجرة العود عن بقيّة الأشجار، وذلك أنها تفرز في لحائها مادة تقوم بجذب نوع من الطفيليات التي تتغذى على الإفرازات التي تفرزها أشجار العود في لحائها الداخلي، ومن ثم تقوم هذه الطفيليات بإخراج فضلاتها مكونة خشب العود.
ويشار إلى أن تجارا عربا بدأوا بتنظيم حملات توعية بيئية فردية لدى القرويين في المناطق النائية التي تمثل مصدرا للعود بتايلاند من خلال توزيع مطبوعات وكتيبات للحفاظ على الأشجار الحية للعود وعدم الإحتطاب الجائر لها.
* أنواع البخور: أنواع البخور كثيرة، وقد أشتقت أغلب أسمائه من أسماء الأشجار التي تستخرج منها، مثل:- شجر المر المكاوي، الشجر الحبشي، شجر الجاوي، شجر الصندل.
ومن أنواعه:- 1 ـ خشب الصندل: وهو من الأخشاب التي شاع إستعمالها بكثرة في العصور الوسطى، وكان يرد ضمن تجارة الشرق، وكانت أسواق ( سيراف ) على الخليج العربي تزخر بأنواعها الممتازة التي كانت السفن العمانية تجلبها من جزر المحيط الهندي والهند الصينية، ويتميز خشب الصندل بإحتوائه على عطر طبيعي نفاذ.
وتذكر المصادر العربية ثلاثة أنواع له، هي:- الخشب الأحمر والأبيض والليموني، ويفضل الأوروبيون النوع الأحمر، في حين يفضل الشرقيون النوع الليموني لأن عطره فواح، حتى أن الهنود إلى عهد قريب كانوا يحرقون جثث موتاهم بهذا النوع من الخشب خاصة إن كان الميت من أهل الثراء والسعة.
2 ـ اللادن: وهو عبارة عن عصارة شجرة لونها بني داكن، يستخلص بعد إحداث شقوق في لحاء الشجرة، وتقدر جودته بدرجة نقائه وصفاء لونه، وتعد جزيرة ( كريت ) في البحر الأبيض المتوسط موطن أفضل أنواعه.
3 ـ المصطكي: ويحصل عليه بعد جرح جذع شجرة تكثر زراعتها في بعض جزر البحر الأبيض المتوسط، غير أن المادة التي تسيل من الشجرة وتتجمد بصورة طبيعية دون تدخل الإنسان تعد من أفضل أنواعه.
4 ـ اللبان الجاوي: ويسميه بعضهم عسل اللّبان، وقد ارتبط إسمه بجزيرة جاوة في أندونيسيا، وهو أيضا من منتجات سومطرة ومنطقة الهند الصينية، ويؤخذ من شجرة خاصة بعد شق جذعها، فيسيل منها ويحمل في أوان نظيفة، ويعتبر من أفضل أنواع البخور، وقد كان في يوم من الأيام منتجا نفيسا حتى أن أمراء مصر وملوكها كانوا يتهادون به.
5 ـ اللبان العُماني: كان بمثابة البترول حاليا للدول المنتجة له، وقد حاول الأوروبيون قديما أن يصلوا إلى مراكز إنتاجه ولكن دون جدوى، وظل مصدر اللّبان العماني مجهولا لهم حتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي حين عثر الطبيب ( إتسن جي كارتر ) بالصدفة على مركز إنتاجه في ظفار جنوب عمان.
وقد كان اللبان العماني يصدّر عن طريق البحر إلى الموانئ الهندية والإفريقية، كما كانت القوافل تنقله برا الى موانئ البحر الأبيض المتوسط وأوروبا.
6 ـ خشب العود: خشب العود له أصناف كثيرة ومميزات وأساليب خاصة للتعرف على جودته، ولكن هناك عدة طرق تميز العود الجيد مهما إختلفت أصنافه، فالعود الجيد يكون شديد المرارة عند تذوقه، وتزداد جودته بزيادة مرارته.
والعود بصفة عامة يكون ذا لون واحد هو لونه من الداخل ومن الخارج، فإذا إختلف اللون فهذا يعني أن العود مصبوغ ولا يجب أن تطلق علية كلمة عود.
والعود الجيد تتحد عروقه الداخلية بعروقه الخارجية، وكلما ظهر الإتحاد واضحا زادت جودة العود. وهناك طرق كثيرة في تركيب أنواع عديدة من البخور، فمثلا هناك عجينة مكونة من سجا العود والمسك والعنبر،يطحن العود ثم يضاف إليه المسك ودهن الورد والعنبر، ثم تخلط معا وتعجن مع مجموعة العطور، ثم تشكّل على شكل أقراص مستديرة، ولا يقوم بهذه العملية إلا الصانع الماهر، لأن زيادة المقاييس أو نقصانها يمكن أن يعطل التركيبة، ثم تستخدم تلك الأقراص بعد أن تجف.
أما إذا كان لون الدخان ترابيا أو أبيض شديد البياض فإن هذه النوعية من البخور مغشوشة مقلّدة.
أما البخور الذي يسيح على النار فهو عبارة عن سكّر وليس جيدا.
* كيف يُحرق البخور؟ يتم إحراق البخور بإلقائه على فحم مُشتعل في وعاء معدني أو فخاري يطلق عليه المبخرة.
وقد كانت المباخر في أول الأمر مجرد حفرة في قطعة كبيرة من الحجر، ولمّا استلزم الأمر نقلها من مكان إلى آخر، إبتكر الإنسان القديم المبخرة النقالة، وكانت من الطين ، ثم تطورت مع الزمن فأصبحت تصنع من الفخار ثم من المعادن المختلفة كالنحاس الأحمر والبرونز والفضة والذهب.
وقد شاعت زخرفة المباخر في العصور الإسلامية وعمل النقوش عليها، كما كان بعضها يزخرف بالمينا بالفضة والذهب، وكان الشكل المراد يرسم على سطح المبخرة، ثم يحفر موضع الشكل حفرا عميقا ويوضع في هذه الحفر أسلاك من المعدن الثمين ( كالذهب ) ويدق فوقه لتثبيته في مكانه.
ولا تزال المباخر ركنا أساسيا من أركان المستلزمات المنزلية وبخاصة في دول الخليج العربي، حيث يكرم الضيف بتقديم المبخرة التي تحتوي على أطيب أنواع البخور إليه، فضلا عن إستخدامها في تبخير أهل البيت.
* البخور في عالم الإقتصاد والمال: مع ازدياد الطلب على البخور قديما، إزدهرت تجارته، وسافرت سفن المسلمين منذ القدم إلى أقصى أنحاء العالم لجلب أنواعه المختلفة من الصين والهند وبلاد فارس واليمن وعمان والصومال، حتى إزدهرت أسواق البخور في المدن الكبرى مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة، والقاهرة وبغداد ودمشق والقيروان.
كما برع المهرة والحضارمة والعمانيون في زراعة الأشجار التي يحصل منها على بعض أنواع البخور.
وقد شهدت دمشق والقاهرة وبخاصة في عصر المماليك، عمليات إعادة تصدير البخور الى الموانئ الأوروبية.
* الفوائد الطبية للبخور: تشير دراسات الى أن معالجة مرض الروماتيزم بواسطة العقاقير التي يدخل البخور في تركيبها، يؤدي إلى نتائج إيجابية، وبخاصة في تخفيف ألآلام وتقليص الأورام الناجمة عن هذا المرض الذي يعتبر من أوسع الأمراض إنتشارا.
كما لا ينجم عن هذا الاستخدام أي أثر سلبي.
* مخاطر البخور: حذّر باحثون وعلماء من جامعة ( تشينج كونج ) في تايوان، من أن كثرة إستخدام البخور، وحرقه بكميات كبيرة جدا في أماكن مغلقة أو غير جيدة التهوية، قد يؤدي إلى الإصابة بسرطان الرئة، وأشار هؤلاء في مجلة ( نيوسا نيتست) العلمية أنه في بعض الإحتفالات والطقوس يقوم الناس بإحراق ألاف العيدان من البخور لدرجة أنه أحيانا تنعدم الرؤية مما يسبب الضرر لصحة الإنسان.
* إستخدامات البخور: مارس قدامى الإغريق والرومان عادة حرق البخور في الإحتفالات الدينية الخاصة بهم، وكان أباطرة كل من أثينا وروما وبيزنطة يؤدون قسم الولاء عند تقلدهم العرش على شذى البخور، وكانوا يستخدمونه أيضا عند مراسم الدفن، وقيل أن الإمبراطور الروماني ( نيرون ) حرق من بخور اللبان في مناسبة وفاة زوجته الجميلة ( يوبابا ) ما يفوق إنتاج جنوب شبه الجزيرة العربية في عام.
وساد إعتقاد ديني منذ عهد بعيد بأن التعطير بالبخور يلعب دورا في التطهير وطرد الأرواح الشريرة والشفاء من الأمراض والرقى من العين والحسد.
كما شاع إستخدام البخور في أعمال السحر، لكن المواد التي تستخدم في بخور السحر تكون ذات رائحة خبيثة إذا احترقت، وتحفل كتب الشعوذة بذكر هذه المواد.
أما عند المسلمين، فإن البخور يعتبر نوعا من الطيب الذي يستحب التطيب به في المناسبات الدينية، كصلاة الجمعة والعيدين وقبل الذهاب إلى المساجد، وشاع إستخدامه في تعطير المساجد أيضا، وله إستخدامات في تعطير المنازل وحفلات العرس والولائم، حتى أن العديد من شركات العطور وخاصة الفرنسية تستخدمه في صناعة العطور ذات العبق الشرقي.

بدر ناصح عبدالعزيز طه