الاستنساخ البشري بين الحقيقة والخيال؟

الاستنساخ البشري بين الحقيقة والخيال؟

لم يصل التطور العلمي والتكنولوجي الى ما نشاهده اليوم إلا بالمثابرة والبحوث العلمية وجميع ما نشاهده اليوم في هذا المجال كان يوما من الأيام من محض الخيال، ومن المؤمل أن تصبح فكرة الاستنساخ البشري يوما ما واقعا يحل الكثير من المشكلات العالقة التي لم يتوصل الطب إلى حلها. فما هو الاستنساخ وما أنواعه واستخداماته وأهدافه؟.

الاستنساخ

عملية تكوين كائن حي باستخدام خلايا جسمية غير الحيوان المنوي والبويضة، وهذا الكائن المتكون يكون مطابقا من حيث الجينات للحيوان المأخوذة منه الخلية الجسمية.
وتتم هذه العملية بالخطوات التالية:-.
* تؤخذ خلية جسمية من الكائن الحي الأول من أي مكان من الجسم ويتم تفريغ هذه الخلية وفصل النواة المحتوية على المادة الجينية الكاملة أي 46 كروموسوما.
* يتم إدخال النواة من الكائن رقم 1 داخل البويضة المفرغة من النواة للكائن رقم 2. وبعد تعريضها لشحنات كهربائية يحدث انقسام في نواة الخلية ليتكون جنين جديد يكون نسخة طبق الأصل عن الكائن رقم 1 من ناحية التكوين الجيني، لكن من الخطأ الاعتقاد بان هذا التشابه هو100% إذ أن هناك مادة جينية موجودة في الميتوكندريا الموجودة في بويضة الحيوان رقم 2 (وهي المسؤولة عن انتاج الطاقة في الخلية) والتي قد تغير من تركيبة الكائن الجديد وتحدث اختلافا بسيطا فيه.

كيف بدأت عمليات الاستنساخ؟

يعود تاريخ بدء هذه العمليات إلى خمسينيات القرن الماضي حيث تم استنساخ أول كائن حي وهي صغار الضفادع.
أما أول حيوان لبون تم استنساخه فهي النعجة الشهيرة دولي والتي أحدثت ثورة في عالم الاستنساخ وتم ذلك بأخذ خلية من ثدي نعجة وجمعها ببويضة منزوعة النواة من نعجة أخرى وكان الناتج النعجة دولي التي هي نسخة طبق الأصل عن النعجة الأولى.
وتوالت التجارب والأبحاث في هذا المجال لاستنساخ عدة أنواع من الحيوانات حيث نجحت هذه التجارب في استنساخ حيوانات مثل القطط والفئران وبعض أنواع الخنازير وكذلك الخرفان والأرانب.
وهذه التجارب لم تنتقل بعد إلى الإنسان وذلك بسبب القيود التي فرضتها الحكومات على هذه الأبحاث ولم يثبت لحد الآن ما يدل على نجاح هذه الأبحاث على الجنس البشري حتى ما تم نشره بخصوص نجاح إحدى المؤسسات في إنتاج جنين بشري لم تثبت صحته ولم تعط كل تفاصيل الأمر حيث يعتبر من ناحية علمية مشكوكا في صحته.

هل توجد تطبيقات للاستنساخ؟

نعم فهناك الاستنساخ المستخدم في عالم النبات والذي تقدمت أبحاثه وأنتجت العديد من الأنواع النباتية النادرة بهذه الطريقة.
وهناك طرق محورة للاستنساخ هي ما يسمى بالاستنساخ العلاجي أو النسيجي ويتم ذلك بأخذ خلية جذعية من النسيج المراد استنساخه ودمجها مع بويضة منزوعة النواة ليتكون منها الجنين ثم تؤخذ الخلايا الجذعية التي تكون مسئولة عن تكوين نسيج معين من الجسم مثل الجلد أو البنكرياس أو الخلايا التناسلية (خلايا الخصيتين أو المبيض) وتتم زراعة هذه الخلايا في كائن حي آخر لتبدأ بالتكاثر وتكوين النسيج المراد استخراجه بهذه الطريقة، وهذه العمليات في طور البحث ولم يثبت نجاحها على الإنسان بينما نجحت هذه التجارب مع الفئران حيث تمت زراعة خلايا جذعية داخل خصيتي الفئران ونتجت عنها حيوانات منوية ومن الممكن في حالة نجاح هذه الأبحاث أن يتم علاج العديد من الحالات المستعصية مثل الأورام السرطانية وأمراض القلب والأمراض العصبية ويستفيد منها كذلك المرضى الذين تعرضوا للعلاج الكيميائي وفقدوا الأمل بالإنجاب بصورة طبيعية.
هناك استخدامات أخرى للاستنساخ وهو ما يسمى الاستنساخ الجيني لمادة الوراثة DNA حيث يتم فصل الجزء المراد استخدامه وزرعه في بعض أنواع البكتيريا القابلة للانقسام السريع ودمجه مع DNA .

ما الفرق بين الاستنساخ والاخصاب الطبيعي؟

يحدث الاخصاب الطبيعي باتحاد الحيوان المنوي المحتوي على 23 كروموسوما مع البويضة المحتوية على نفس العدد من الكروموسومات أي 23 كروموسوما وبهذا العدد ينتج الجنين المكون من 46 كروموسوما والذي تختلف مادته الجينية عن كلا الأبوين.
أما في الاستنساخ فتكون نواة الخلية من الحيوان الأول والمحتوية على 46 كروموسوما هي المسئولة بالكامل عن المادة الجينية للكائن الجديد ولهذا فهي تسمى استنساخا للخلية الأب إذ أن دور البويضة هنا لا يؤثر على التكوين الجيني لأنها منزوعة النواة ولا تحتوي على الكروموسومات الوراثية.

ماذا عن الاستنساخ البشري؟

لا زالت الابحاث هنا في الوقت الراهن محدودة جدا بسبب القيود التي تفرضها الحكومات على هذه الأبحاث لما لها من مشاكل تهدد الجنس البشري فمعظم التجارب في هذا المجال فاشلة وهي بحاجة إلى تمويل مادي كبير وخبرات عالية المستوى وتشير الاحصاءات أن 90% من التجارب تفشل في تكوين جنين وان أكثر من 100 عملية نقل نواة خلية قد تلزم لتكوين جنين واحد ناجح.
أيضا هناك عوائق أخرى أمام هذه الأبحاث منها أن الحيوانات التي تتكون عن طريق الاستنساخ تعاني من ضعف شديد في جهاز المناعة وكذلك سرعة الإصابة بالأورام وخاصة الخبيثة منها وأمراض أخرى تصيب الجهاز العصبي ويعتقد بوجود مشاكل في القابلية العقلية والتي يصعب إثباتها بالنسبة للحيوانات المستنسخة كذلك وجد بعض الباحثين في اليابان أن الحيوان المستنسخ يعيش بحالة صحية رديئة والكثير من الحيوانات المستنسخة تصاب بالموت المفاجئ.
ويشار الى أن النعجة دولي تم قتلها في شباط عام 2003 بإبرة خاصة بعد إصابتها بسرطان الرئة واعاقة شديد والتهابات في المفاصل بعمر 7 سنوات رغم أن أقرانها قد تصل لعمر 11-12 عاما وبعد تشريحها تبين خلوها من أي مشاكل عدا سرطان الرئة والتهاب المفاصل.
نتيجة لكل ما تقدم ذكره كان من الضروري اتخاذ تدابير شديدة لمنع إجراء هذه التجارب على البشر وتم إصدار قوانين صارمة في معظم دول العالم منها أميركا وأوروبا واليابان لحظر هذه التجارب.

تطبيقات الاستنساخ لعلاج العقم.

- من التطبيقات الحديثة لعمليات الاستنساخ ما يسمى عملية شطر المادة الجينية وذلك بأخذ نواة الخلية الجسمية من الحيوان الأول وشطر مادتها الجينية بطرق خاصة لتصبح محتوية على 23 كروموسوما ودمجها ببويضة الحيوان الثاني لتحتوي الخلية المتكونة على 46 كروموسوما نصفها الأول من الحيوان 1 ونصفها الثاني من الحيوان 2 وهي شبيهة جدا بعملية الإخصاب الطبيعي.
- الطريقة العلاجية الأخرى للعقم هي استخدام الخلايا الجذعية وهنا يكون الهدف الوصول إلى خلية جنسية تشكل الحيوان المنوي أو البويضة من هذه الخلايا الجذعية.
بدأت خطوات هذه البحوث بوضع أنواع متعددة من هذه الخلايا الجذعية ومن ثم تم أخذ المجموعة التي بدأت بالتحول إلى خلايا جنسية وليستمر نمو هذه المجموعة تمت زراعتها في نسيج مأخوذ من الخصية أو المبيض وتم إجراء هذه التجربة على فأر المختبر وبعد 3 شهور بدأ تشكل الحيوان المنوي الفأري. ويستفيد من هذا النوع من التجارب المرضى الذين يتعرضون للعلاج الكيميائي إذ يتم تجميد الخلايا الجذعية للحيوانات المنوية عندهم قبل البدء بالعلاج ومن ثم يتم إعادة زراعتها في الخصية بعد الانتهاء من البرنامج العلاجي.
وكما هو الحال لإنتاج حيوانات منوية فمن الممكن إنتاج البويضات بنفس الطريقة.

د.نجيب ليوس / مستشار امراض النسائية والولادة