الوسائل التخديرية المستخدمة في القبالة، لها علاقة بتاريخ التخدير بالذات. ففي عام 1848، استخدمت وسيلة بدائية للتخفيف من ألم الولادة، وذلك بتخضيب محرمة جيب على شكل مخروطي، بمقدار ملعقة قهوة من سائل ''الكلوروفورم'' بحيث توضع المحرمة امام الفم والمنخرين. واستعملت هذه الطريقة اثناء عملية الوضع التي خضعت لها الملكة فكتوريا. وقد تم التخدير باعطاء الملكة القليل من الكلوروفورم عند كل عملية انقباض، حيث شعرت الملكة بارتياح تام.
التطورات المستمرة في علم العقاقير، ادت الى ازدياد وسائل التخدير وتنوعها، وملاءمتها مع الحالات الخاصة.
وفي عام 1881 ادخل اول اكسيد النتروجين في التوليد حيث استعمل في بعض الحالات كمزيج ثابت مع الاكسجين. وفي عام 1928 استعمل في التخدير مزيج مستخرج من الأفيون والاتروبينتين. اما في عام 1939 فقد انتشر استعمال مزيل مركب للألم والتشنج، هو ''البتيدين''، الذي لا يزال يستعمل حتى الان. والبتيدين دواء ذو فعالية شديدة انما ليس دون اخطار، اذ ان النعاس يؤدي الى صعوبة في ضبط الاسترخاء او التنفس، خصوصا وإن البتيدين يخترق المشيمة وقد يسبب ضعفاً في تنفس الوليد. وهكذا، ينبغي تجنب الحقن بهذا المستحضر قبل وقت قصير من الولادة.
هناك ادوية مختلفة، مخففة للقلق عند الولادة، يتم استعمالها، وخصوصاً مشتقات ''الديازيبام'' التي لها احياناً نتائج مهمة في تأثيرها على الالم المتعلق بالفسيولوجيا العصبية.
ولازالة الالم يتم احياناً تحويل الادوية المخدرة الى محلول يحقن في المسالك الناقلة للحس. وهذا النوع من التخدير الموضعي يؤدي الى ديمومة الوعي، ويستعمل في عمليات شق الفرج بهدف تسهيل خروج رأس الجنين.
وهناك البنج العام القصير، حيث يحقن بعض اطباء التوليد، خاصة في مرحلة اخراج رأس الطفل اثناء الدفع، مادة مخدرة في الوريد دفعة واحدة، فتخدر الجسم كله مدة قصيرة لا تتعدى العشر دقائق، فلا تعود المرأة تشعر خلالها بوجع او احساس. وهذا النوع من التخدير لا يؤثر على الجنين ولا يخدره.
ومن انواع التخدير المستحبة من قبل المولّدة، حقن المادة المخدرة في سلسلة الظهر. اذ يوجد في السلسلة الظهرية فراغ، يقع خارج الأم الجافية، يمتد من قاعدة الجمجمة حتى نهاية العمود الفقري، ويحتوي على الاعصاب التي ترتبط بالرحم وعنقه.
اذا حقن مخدر في هذا الفراغ، سيؤدي حتماً الى تخدير الاعصاب وفقدان الحس. وتعطى المادة المخدرة اما دفعة واحدة او على دفعات، ويفضل اعطاؤها عند بداية المخاض او حينما تصبح الانقباضات الرحمية مصدر ألم حقيقي. وتحقن المادة المخدرة في العمود الفقري ما بين الفقرة القطنية الرابعة والفقرة القطنية الثالثة انما دون ان تصل الى الغشاء الذي يحتوي السائل المخي الشوكي والحبل الشوكي.
يتصف هذا النوع من التخدير بميزة خاصة، حيث ان اكثر النسوة المعطى لهن لا يشعرن بألم المخاض.
ومن مضاعفات هذا التخدير، هبوط ضغط الدم بنسبة تقدر بـ 50%، فقدان الحس في الساقين واحيانا ضعف في احدى الساقين او فقدان السيطرة على عملية التبول. وثمة ضرورة تامة في ان يقوم بالعمل التخديري اختصاصي خبير ومتيقظ. وتكون المرأة، إما في وضعية الجلوس، او في وضعية الاستلقاء على جانبها، مع انحناء الظهر نحو الامام. وفي حال اعطاء ابرة الظهر، تتم ولادة الطفل دائما بالملقط الولادي، لأن الحامل لا تستطيع الدفع لاخراج الطفل.
د. سميح خوري
استشاري الامراض النسائية والتوليد وجراحتها