عمان- إبراهيم السواعير - بعيداً عن الملمح الصوفيّ الظاهر وراء استعارات الشاعر عبد الله رضوان؛ في ما يشعرنه من لغةٍ، وما يرمي إليه من تفرّدٍ في المقامات الثلاثة: حبيبي، والمليحة، وعمان؛ التي جمع شتيتها الديوان الأخير مقام الرضوان؛... فإنّ الشاعر بما يحمله المقام من ثبات و سموًّ في المكان والعاطفة؛ و.. ما يزال يسعى لتأكيد خصوصيةٍ يسعى إليها ؛ مع مقاصد غير هيّنة؛ ترمي إلى أحقية ، وترسيخ جملة حقوق ، ينفرد بها الأنا ، الذي يقترب من معشوقته ؛ بما يحمل من مسوّغات هذا الحبّ، الذي، قد، ينكره عليه آخرون. فهو؛ رضوان، الوحيد- ربما- الذي يقدر على جنباتها تدليلاً، ويهيل القرنفل والهيل على سفوح الأنثى الضامئة، وهو الذي يعطيها الحياة بقيثارته؛ التي هي ليست من قريبٍ، أو من بعيدٍ غير أدواته المبررة لهذا العشق، الذي يكتشف به كلّ خيرات الأنثى ، ومكنوناتها الدفينة؛ وهي التي تستمع لوشوشاته، وتألفه، وتتعلق به؛ فهي عكازته و حلمه ... وهي!... ليست سوى عمان .
مقام الرضوان ، الصادر عن دار البيروني، والمتكئ على رسوم التشكيليين: مهنا الدرة، عزيز عمورة، وعبد الرؤوف شمعون، ونصر عبد العزيز، ومحمد رفيق اللحام، ود. صالح أبو شندي، وسعيد حدادين، وبسمة النمري؛ يحيلنا قبيل تدبّر معانيه، إلى تشخيص رضوان حالة باندورا / هبة كلّ الآلهة، وحنق دفس ، وتدبيره للإنسان عقاباً قاسياً شديداً خلق به المرأة ؛ وخلع عليها من الجمال والسحر وحلاوة الصوت، والخطو الرشيق والجاذبية، وصفاتٍ عديدةٍ أخرى، ما هو كفيلٌ لمزيدٍ من عذابات حبّ الاستطلاع لمخلوقه الجديد المرأة ؛ وهو المخلوق الذي فتح العلبة ؛ ونشر بها أرواحاً قضّت مضجع الجنس البشريّ: روماتيزم، عمى، صمم، حقد، كبرياء، غرور، قسوة، وطمع؛.. ومع كلّ هذا، فإن روحاً وحيدة ظلّت في قاع العلبة، اسمها الأمل، وهي كائنٌ صغير ذهبي، يروي كيف أنّ الآلهة تضيء الظلّ الذي غمر الإنسان بشعلةٍ من الشفقة المقدسة. .
في مقام حبيبي ترى العرافة، العجوز، لعبة العاشقين، والوهم الذي يلفهما: رجلٌ نرجسٌ عند حدّ الشتاء؛ بلا خضرةٍ..وبلا شهوةٍ.. وبلا أصدقاء.... وسيّدةٌ فتنةٌ من وصال..وردةٌ مثل فلّ الندى... وأيقونةٍ من دلال.. تسمى خزامى.. إذا خطرت يحضر العطر، أو يصعد الفجر.. أو تنحني لخطاها الظلال. في حين أنّ العاشقة التي تفتح دهشتها، وتنحني لسماءٍ مزنرةٍ بالنديف وبالعاشقين، لا تجد من عاشقها غير إحساسه الغامر بأن السنونو تسابق روحه إلى هدبها، والبروق ليست غير اشتعالٍ له،...
و..وتستمر الحوارية بين خزامى والعاشق بوساطة سيدة الوصف العرافة ، عبر طقوس الفرح، والبهجة، ودلائل الحياة، والرقص، والدندنات، والدموع، والحزن الذي يشرق، والوحدة التي تغلّف الآن بوحشةٍ لا حدود لها؛ وطائر الرعد الذي يتأخر على لسان العاشق، والروح التي ما عاد فيها أي معنىً للوصل!
ويبدو أنّ رضوان، وبرغم فرحه بلهفة اللقاء، والاتحاد بـ الأنثى ، المعشوقة العاشقة، فإنّ اللحظة لم تكتمل، بعد: أما آن لي أن أضمّ حنيني...!... حبيباً يناغشني جيده... ثمّ أحلو له... فنطيب معاشاً..
ويحنو عليّ...فأحنو.... أما آن!! ... ولعل كل هاتيك الأمانيّ في المقامات الثلاثة لم تتبلور، بعد، أيضاً؛ وباتخاذ مقام حبيبي أنموذجا، نقيس الآخرينِ به؛ نلمح ما يدلل صدق ما ذهبنا إليه: تأخرتَ يا طائر الرعدِ!..ما عاد في الروح وصل...ستبكي خزامى!...ستبكي على نبض قلبٍ يدقّ جنوناً إلى سمرةٍ وذبول!... ثم يبكي على دمعها الطير والورد والعشب والسهل يبكي!... وتبكي على حزنها ناهدات الحقول!! .... أما آن أن نلتقي عاشقينِ؛ نعود إلى جنسنا واحداً مفرداً!!... نكون معاً...
وتعود الحياةُ إلى فجرها.. جسداً واحداً... أما كان؟؟!! .
ومع أنّ العرافة ، التي تلعب دور الوسيط بين رضوان ومعشوقته عمان ؛ ففضلاً عن تأثير الأرواح الشريرة المحيطة، فإنّها هي الأخرى قد لا تبشر بخير عميم: أما قلتُ،..كلُّ شيءٍ بميعاده، تعود الأزاهير، والحقل، والظلُّ، والشمس، والغيم!...تعود الحياة لدورتها كلّ عامٍ، سوى العاشقين!!... حيارى!..بلا عودةٍ أو ضفاف!..تضلّ الحياة ويمضون!...ذكرى بلا فرحةٍ أو زفاف!! ...في حين أنّ الأنثى تظلّ على حالها: ما من أحدٍ يكتشف شهوتها، ... يصطخب الموج في داخلي... شهوةً وامتلاء!!..من يرتوي من حليبي؟!!.. ومن ذا سيرعى سهوبي؟؟.1. أنا امرأةٌ جسدٌ؛ فتنةٌ!..لم أكن باندورا ولا... أنا الخصبُ والعشب!..جنون المحبين! .
وما تزال العاشقة تبحث في نهاية المقام: يا صبايا عمون ...خزامى أنا!.. أدور دروب المدينة ضارعةً: هل رأيتن يوماً حبيبي!..طلق لوزٍ تمايل عشقاً حبيبي!.. وعينان برّاقتان!..فمٌ شهوةٌ!..جسدٌ فائرٌ..نبع ماءٍ على رأس عينٍ حبيبي!..1.خطوُهُ واثقٌ...كحصانٍ عفيٍّ حبيبي!!...سمرةٌ من شموس يبوس ، ومن سحرها!.. وفتون هواها!..حبيبي!...أنا لحبيبي!! .
المقامات الثلاثة؛ الصادرة تباعاً الأعوام: 2003، 2004، 2005، تشكل خصوصية صاحبها؛ فهل يستطيع رضوان تجاوز المحيط، والظفر بما في المحيط؟!..سؤالٌ- ربما- يكشف عنه مقامٌ رابع؛ وقد صدر للشاعر، من قبل، أما أنا فلا أخلع الوطن ، و خطوط على لافتة الوطن ، و يجيئون..يمضون، وتظلّ الحياة ، و ذئب الخطيئة .
الفــرح الغـائب فـي مقام الرضوان
12:00 16-5-2007
آخر تعديل :
الأربعاء