وليد سليمان - عرف الشيخ (حمزة العربي) بأنه فقيه وامام ومفت وقاض وخطيب وعالم آثار وشاعر و(فنان) بعلم الخط العربي، عالم موسوعي يذكرنا بأسلافنا من العلماء المشهورين الموسوعيين .. هذا مما ذكره الاكاديمي المعروف (تركي المغيض) عند تحقيقه لكتاب مهم للشيخ حمزة العربي (جولة بين الاثار): انه من اصل جزائري، لكن حمزة العربي ولد في المدينة المنورة ودرس في مدينة (معان) عام 1922 وبقي فيها مدة طويلة استغلها بالاضافة الى عمله لتسجيل ملاحظات (مهمة جداً) عن الحياة في معان اجتماعياً وثقافياً ودينياً.
وفي العام 1931 صدرت ارادة الملك المؤسس الشهيد عبدالله بتعيينه خطيباً (للجامع الحسيني الكبير) في عمان، ثم تتابعت المناصب الدينية الرفيعة التي شغلها الشيخ العربي ولكنه مع ذلك بقي خطيباً للجامع الحسيني في عمان الى ان توفاه الله في العام 1962 ودفن بالمقابر الملكية.
د. المغيض اشار الى الشيخ العربي ومجالس الملك عبدالله الاول ويقول: وخدم الشيخ العربي في معية جلالته سنين عديدة، وكان ملازماً له في حله وترحاله وفي مشتاه بغور نمرين وقصر المشتى وفي مصايفه في ربوع الاردن وخلال خدمته هذه وبتكليف من جلالته كان يتولى العربي تدريس حفيده (الملك الحسين بن طلال) والشريف ناصر بن جميل والشريف (الامير) زيد بن شاكر العلوم الدينية واللغة العربية.
وكان الملك عبدالله يثق بالشيخ حمزة ثقة مطلقة ويقدره تقديراً كبيراً ويعرف مقدرته وتقواه وورعه وقد عرض عليه مرة في حكومة (توفيق ابو الهدى) ان يتولى وزارة المعارف الا انه اعتذر لجلالته لرغبته في ان يبقى بجانب جلالته ورشح له (محمد الامين الشنقيطي) والذي كان آنذاك قاضي اربد الشرعي، وقد خصص له جلالته سكناً في القصر واعتذر عن السكن فيه، مما يدل على انه كان زاهداً في الدنيا وعلاقته بالملك علاقة محبة وود واعجاب.
الشيخ حمزة نفسه كتب يقول: ''حياتي هي حياة الهدوء والطمأنينة والبعد عن الناس .. وقد منَّ الله عليّ بدار بالجانب الغربي من (وادي عمان الكبير) فيها حديقة مشتملة على بعض الاشجار: توت ورمان وعنب وحور وصفصاف وبيلسان، وفيها كثير من الزهور: الفل والياسمين والقرنفل والورد بأنواعه، والاعشاب العطرية المرزنجوش والاسفنتين ''الشيبه'' والنعنع وغير ذلك من انواع الرياحين التي لا يكاد يخلو منها بيت (بعمان)، لانها عندهم من متممات الحياة ونزهة العمر، ويقول: وكنت اذا رجعت من صلاة الفجر بقيت بين اهلي وتحت ظلال تلك الاشجار النهار كله في مطالعة كتب اللغة وتصفح كتب الادب والبلاغة ودواوين الشعراء ومراجعة اسفار التفسير والحديث والفقه والسير والشمائل وكتب التاريخ والقصص والاخبار وتراجم الرجال واسماء البلدان، فكنت اشتريها واعتني بتحصيلها وادخرها في خزانتي لاشتغل بها واتردد اليها، وقد كتب ذات مرة على نسخته الخاصة من الكتاب المعروف (الأمالي) للقالي الابيات التالية:.
هذه كتب وهذا - منزلي بين الدفاتر.
بهما اعتاض عمن - قد يريني الود فاتر.؟ وحول الاهتمام الشعري الذي يمارسه الشيخ العربي جاء في المراجع انه في صباح يوم الجمع 19 (ايار) عام 1942 زار الشيخ الامير عبدالله (الملك) فوجده محفوفاً ببطانته، وبعد ان اخذ مكانه قال الامير له: ارتجل بيتاً نساجلك فيه انا ومصطفى وهبي التل (عرار)، فانصرف ذهن العربي الى مدح آل البيت وانشد يقول:.
وما الآل الا آل بيت محمد
هم العز في الدنيا هم الذخر في الاخرى
فقال عرار:
فلا زال فينا سيد منهم به
نلوذ ونقضي في معيته العمرا
فقال الامير عبدالله:
وما الشعر بالاغراء والمدح انما
ارى الشعر في الآداب لست به احرى
فقال الشيخ حمزة:.
اذا لم يكن في مدح آل محمد
قريضي فلا خطت اناملي الشعرا
فقال عرار:.
كما هو في حسن اذا ما رأيته
تعشقته حتماً واحببت مضطرا
فقال الامير:.
لنفسي الوم اليوم ان جئت طالباً
من الشيخ نبغي ان يجيد لي الشعرا
المؤلفات المخطوطة للشيخ حمزة العربي ما بين دواوين شعرية ودراسات ادبية، المطبوع منها في جزءين كان (جولة بين الآثار) لمحققه الدكتور المغيض اذ جاء في مقدمته حول اهمية هذه المخطوطة (المطبوعة عام 2002) ما يلي:.
''لقد اشتغلت في تحقيق ودراسة هذه المخطوطة قرابة السنة والنصف وقد استقر في نفسي ان هذا الكتاب جدير وهام لما يحتويه من معلومات قيمة عن (الآثار في الاردن) ولما يرمز اليه من (ادب الرحلات) او (الادب الجغرافي) وقد اكشفت في الشيخ حمزة العربي (عالم آثار واجتماع) فقد وقف الشيخ امام الابداع الفني في (البتراء) وغيرها من الاثار التي تتوزع في مناطق كثيرة في ربوع الاردن''.
''ولذلك فقد كانت له وقفات شعرية مع الاثار الاردنية املتها عليه قريحته، فخاطب الانسان والمكان بأرق المشاعر واجمل العبارات، ونقرأ له يقول حول ذلك:.
ولقد وقفت على المنازل وقفة
ظلت دموع العين منها تذرف.
فطفقت ارقبها واندب معشراً
كم خلدوا اثراً بها وأُكفكف.
