الهلال على رؤوس القباب ومآذن المساجد.. الميقات والرمز

الهلال على رؤوس القباب ومآذن المساجد.. الميقات والرمز

غازي انعيم* -  لهلال رمضان في حياة المسلمين حضور يستعدون له قبل ولادته، ويسعدون باستقباله، ويحيون رمضان صوما وقياما وتراحما وقرآنا، ويودعونه بفيض من الزكاة والإحسان والمودة.
من أجل ذلك رفع المسلمون الهلال على رؤوس القباب ومآذن المساجد، واتخذوه رمزا إسلاميا في أعلام دولهم، وعلى صورته صنعوا الحلي لأهليهم، والخناجر والسيوف للدفاع عن أنفسهم.. هو أنشودة على لسان الأمراء وصاحب للساهر والساري.
والهلال صديق حيث يكون له في القرآن كرامته « يسألونك عن الأهلة، قل: هي مواقيت للناس والحج » ( البقرة: 189 ) والآية تذكر رباطين من الدين والدنيا: والتوقيت العام، وأداء مناسك الحج، من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال « اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام، ربي وربك الله.. ( أحرجه الترمذي عن طلحة بن عبد الله ).
وجاء في كتاب التراتيب الإدارية للسيد عبد الحي الكتاني ( الفاسي ) قوله: ترجم في « الإصابة » لسعد بن مالك الأزدي فنقل عن ابن يونس، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وعقد له راية على قومه، سوداء وفيها هلال أبيض، كما أن المسلمين نقشوا رسم الهلال على نقودهم في أيام سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ووجد الهلال على عملات، يرجح أن تكون قد سكت للخليفة الأموي عبد الملك في دمشق (695 م )، كذلك وجد الهلال على عملات أموية أخرى وعملات عباسية، وكذلك وجد الهلال يحيط برأس الحكام على العملات مثل عملات أتابك الموصل وسنجار، ووجد ضمن عناصر الرنك الموجود على العملة في عصر السلطان برقوق، والسلطان فرج بن برقوق في مصر.
كذلك أستعمل بأحد عناصر تزيين الخيول الملكية ـ عادة ساسانية ـ وأقدم الأمثلة المعروفة على ذلك الذي وجد بالقاهرة يحمل اسم الخليفة الفاطمي الظاهر لدين الله، وقد استمر استعمال الهلال لنفس الغرض في العصر السلجوقي والعصر العثماني.
واستعمل الهلال كعنصر زخرفي في تجليد الكتب، ورسم على أطراف السجاجيد السلجوقية، وعلى بعض الخانات بالأناضول، وعلى الأواني الفضية الملبسة بالنحاس، والأواني البرونزية، والتي ترجع إلى القرن ( 13 م )، وقد أفاد أحد الكتاب الصينيين ) Chauju Kua - ( بأن المظلة التي كانت تحمل فوق الخليفة العباسي بالعراق كان يتوجها هلال. وطبقا لما أورده المؤرخون فقد وضع هلال على أعلى قبة الإمام الشافعي بمصر (1211 م )، كما وجد هلال فوق مئذنة جامع أحمد بن طولون في مصر
( 876 ـ 879 م ).
وقد عرفت الدولة الإسلامية الهلال في ألويتها، كما عرفته الدولة البيزنطية، وكان من شعاراتها القومية، والمعول عليه أن العثمانيين لم يجدوا حرجا في النسج على منوال من سبقهم من الأمم، ومن الثابت أن السلطان محمد الأول المشهور بلقب « أبو الفتوح » عندما استولى على القسطنطينية سنة ( 1453 م )، وجد البيزنطيين يتخذون من الهلال شعارا لهم، فلم ير بأسا من اعتماده هو بدوره شعارا لدولته الناشئة، فأمر بأن يجعل في العلم العثماني إلى جانب بعض الآيات القرآنية التي كانت تزينه، ومنذ ذلك الحين، أصبح الهلال شعارا للإمبراطورية العثمانية، وأصل اعتماد الهلال أن فيلبس المقدوني والد الإسكندر الأكبر لما هجم بمعسكره على بيزنطة ـ القسطنطينية ـ في بعض الليالي دافع أهلها عنها وطردوه، وصادف ذلك وقت السحر، فتفاءلوا به واتخذوا رسم الهلال في عملهم تذكيرا للحادثة.
ومنذ ذلك الحين، أصبح الهلال شعارا للإمبراطورية العثمانية، ومن بعدها الجمهورية التركية، والهلال لم يوضع فقط فوق القباب والمآذن والمنابر في المساجد، بل كان يرفع كذلك فوق جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المباني ذات الصفة العمومية والرسمية، فمثلا رفع الهلال لأول مرة فوق المؤسسات الإنسانية للخدمات الصحية والطبية الإسلامية سنة 1876 م، وذلك أثناء الحرب بين الدولة العثمانية وبلاد الصرب، وأصبح الهلال الأحمر شعار لتلك المؤسسات في جميع الدول العربية والإسلامية، وذلك مقابل « الصليب الأحمر » الذي اتخذته سويسرا، لمثل هذا الغرض ومن ثم قلدتها سائر الدول في أوروبا سنة 1864م.
على أن هذا الرمز الذي عممه العثمانيون على الإسلام والمسلمين يوم زينوا به راياتهم وألويتهم استعمل فيما بعد في غير الأغراض التي انطلق منها أول مرة، يقول جودت باشا في تاريخه: « ... وهذه الألوية والرايات ذات الهلال الأسود والأخضر التي كانت في القديم مخصوصة بالخلفاء، قد انتقلت إلى مشايخ الطرق الصوفية وإلى الجوامع والتكايا، وكانت تنشر أمام جنائز الأكابر وترفع في أيام عاشوراء وما ماثلها من الأيام المشهورة ».
وأخيرا يرجح سبب استعمال الهلال في العمارة الإسلامية إلى أن التوقيت الإسلامي يعتمد على الأشهر القمرية، وإلى أن الهلال عندما يظهر في أول الشهر العربي ينير الأرض مبددا الظلام الذي سادها عندما كان القمر في المحاق، وقد يكون استعمال الهلال تعبيرا عن ظهور الإسلام الذي بدد ظلام الجاهلية وحطم الشرك بالله، كما أن وجود الهلال في مبنى ذي أهمية إسلامية عظيمة مثل قبة الصخرة يجعله يصبح ضمن المفهوم العام الإسلامي.
* تشكيلي اردني