تنحو هوليوود في السنوات الأخيرة نحو إضفاء المزيد من العمق على أفلامها، لذلك تقوم باستقطاب مخرجين أوروبيين أو اقتباس أفلام ناجحة سبق إنتاجها في أنحاء مختلفة من العالم، كما حدث في فيلم «سماء الفانيليا Vanilla Sky لـ توم كروز المأخوذ عن الفيلم الإسباني افتح عينيك Open Your Eyes»، ومن ثم الاستعانة بمخرج هذا الفيلم وكاتبه «أليخاندرو أمينابار» لكتابة سيناريو سماء الفانيليا، ومن ثم لكتابة وإخراج فيلم «الآخرون The Others» لـ نيكول كيدمان، أعتقد أن هذه الاستعانة تشير إلى بعض النضوب الذي اعترى السينما الهوليوودية على صعيد النص، ويعود كذلك إلى العقلية الأميركية القائمة أساسا على العولمة، وقولبة الأفكار الخلاقة في العالم في الإطار الأميركي، حيث الدولة نفسها خليط من كافة الأصول.
هذا ما نراه هنا في فيلم «منزل البحيرة» The Lake House، من إنتاج «وورنر بروذرز» حيث بنيت قصة الفيلم على فيلم كوري أنتج عام 2000 بعنوان «إل ماري» للمخرج «هيون سيونج لي»، واستقطب لمهمة إخراجه هوليووديا المخرج الأرجنتيني المولد «أليخاندرو أجريستي»، الفيلم رومانسي غرائبي، يروي قصة ذكية الفكرة عن علاقة حب تنشأ بين شخصين يفصل بينهما عامان من الزمن، حيث يعيش المهندس المعماري «أليكس وايلر» (كيانو ريفز) في عام 2004 في منزل البحيرة الذي بناه والده، فيما انتقلت الطبيبة «كيت فورستر» (ساندرا بولوك) التي تعيش في العام 2006 من نفس منزل البحيرة مؤخرا بعد أن أقامت فيه لفترة، ولكنها عادت وأرسلت رسالة إلى المالك الجديد المفترض ليرسل لها أية رسائل تصلها على عنوانها القديم، ولكن الرسالة تصل بشكل غريب إلى المالك القديم للمنزل قبل ذلك بعامين، ويتبادل الاثنان الرسائل ليكتشفا بسرعة فارق الزمن قبل أن يقعا في الحب.
«منزل البحيرة» دراما إنسانية، عن الحب والزمن، وتحمل عمقا أبعد من السطحية الهوليوودية التي تناولته، رغم محاولة المخرج (الذكي برأيي) اللعب على هذا العمق والهروب من فخ التجارية من خلال بناء الأحداث والتي كان لا بد بحكم الفكرة- أن تأتي بعيدة عن المنطق التقليدي، لعب الفيلم على المفارقة التي قد تنشأ من اختلاف الزمن، ومن كون أي شيء تفعله في الماضي سيؤثر نتيجة في المستقبل، وعلى كون الذكريات هي ما صنعناه في ماضينا، يبحث «أليكس وايلر» طوال الفيلم عن أي شيء يربطه بـ «كيت فورستر» من خلال ماضيها، ويحاول أن يصنع لها ذكريات خاصة معه، وتحاول هي بدورها أن تبحث عن إشارات تركها لها، في مشاهد إنسانية تتناول برأيي تعلق الإنسان بالأمل وحاجته الحقيقية ككائن إلى «الحب».
ومن خلال كل هذا يحاول المخرج أن يرينا بأن هذا العالم أصغر مما نعتقد، وبأنه قائم على نفس منظومة المشاعر على اختلاف البشر وتنوعهم، ونقرأ جليا أثر هذه العلاقة بين الحبيبين برغم المسافة بينهما والتي تأتي هنا زمانية لا مكانية، على علاقاتهما بعائلتيهما، وخصوصا علاقة أليكس بوالده ومثله الأعلى.
والرابط بين الاثنين هو منزل البحيرة، والكلب، منزل البحيرة الزجاجي بما يمثله من أفق مفتوح، وعالم بعيد عن ضوضاء المدينة قريب من دفء النفس الإنسانية، والكلب الذي يرمز دائما للوفاء، والألفة، والود، هذا المنزل الأنيق الذي صممه الوالد لزوجته، أي والدة «أليكس» المتوفاة، كرمز آخر للحب في زمن مختلف، وللوفاء لماض جميل.
كذلك لا يمكننا أن ننسى طريقة تناول الفيلم لعلاقة الزمن بالقدر، وتناول الفيلم لفكرة الموت وعلاقته بخيارات الناس والخطوات التي يقومون بها باتجاهه، واضطر الفيلم هنا إلى التعامل مع هذا الموضوع بعبثية ربما يراها المخرج نفس عبثية الواقع، وأراها عبثية جاءت فقط لضمان نهاية يريدها المخرج ولا غنى له عنها.
إيقاع الفيلم جاء مناسبا لقصته، وجاءت الكاميرا بسيطة دون استعراض وحتى أقل بكثير من المعتاد في سينما هوليوود، حيث تولاها مدير التصوير الكندي غير الشهير والذي عمل كثيرا للتلفزيون «آلار كيفيلو »، وساهمت موسيقى «راتشيل بورتمان موكفز التي سبق وقدمت موسيقى فيلم ابتسامة الموناليزا في تأكيد هذا الإيقاع، المونتاج مر بلا مشاكل واستطاع بسلاسة التنقل بنا بين الزمنين دون أن نشعر وبحرفية ومن خلال تعاون المونتير الذي اعتاد أن يتعامل معه المخرج في أفلامه السابقة « أليخاندرو برودرسون» و«لينزي كلينجمان»، فكانت النتيجة مرضية للغاية.
لم يخل الفيلم كما قلت من بعض تجارية هوليوود، ولكنه جاء كذلك أعمق مما اعتدناه منها، وقريبا من أفلام جميلة قدمتها السينما الأميركية عبر تاريخها، وعلى الرغم من كونه فيلما رومانسيا يحكي قصة حب ولكنني رأيته ينزع للإنسان، ويعود بنا إلى سينما الرومانسية التي غابت طويلا بمعناها المجرد، ويتعامل بذكاء بل لأقل بخبث مع عنصري الزمان والمكان، ولا أعيب عليه كما يرى بعض النقاد غياب المنطق فالسينما لا تتطلب المنطق دائما، بل هي بعينها فتنة الخيال.
«منزل البحيرة».. رومانسية غرائبية تنزع لحقيقة الإنسان
12:00 21-10-2006
آخر تعديل :
السبت