وليد سليمان - كانت شوارع عمان تنار قديما بالمصابيح الجازية (اللوكسات) معلقة على اعمدة وكان عددها ما بين 30- 40 مصباحا.. وكان هناك موظف من قبل بلدية عمان يسهر من اجل مراقبتها وتجديد الهواء فيها.. وكان اهل عمان في بادئ الامر يستعملون مصابيح الفتيلة والسراج التي كانت تضاء بزيت الزيتون وبعد ذلك بزيت الكاز.. واذا سار الناس في الشوارع اثناء الليل فإنهم يحملون بأيديهم فانوسا كان يعرف باسم الفانوس الالماني «ابو فتيلة».
وهكذا وبعد ذلك بدأ استعمال الكهرباء بعد سنة 1925، عندما اخذت تصل الى عمان محركات على الديزل للمطاحن والسينمات، وبعد ذلك لعيادة الدكتور صبحي ابو غنيمة، وقد بدأ هؤلاء يستعملون المحركات للاضاءة اثناء الليل، ثم اخذوا بالتدريج يمدون الاماكن القريبة منهم بالاضاءة. وفي عام 1938 تأسست «شركة كهرباء عمان» واتفقت مع البلدية لانارة الشوارع.. ثم تحولت وكان من اوائل مؤسسي هذه الشركة الحاج محمد علي بدير مع اخرين.. وحول هذا الموضوع نقرأ على لسان الحاج بدير نفسه ما تحدث به في كتاب ذاكرة الوطن للكاتبة الصحفية تريز حداد: «كنا عندما نزور القاهرة او بغداد او دمشق او بيروت ونعود بعدها الى عمان اشعر وعدد من اصدقائي بالحزن لان عمان غير مضاءة!! لذا فقد بذلنا جهودا كبيرة من اجل ان نرى عمان تتلألأ بالانارة، فقد كانت تضاء جميع بيوت عمان بالكاز كذلك الشوارع.. ولم يكن في عمان سوى ماتور كهرباء واحد في مطحنة اسم صاحبها «اسعد الصابر» في حي المهاجرين.. لذلك فقد استأجرنا ماتور «الصابر» خلال الليل لانارة الشوارع، وفي النهار يعمل عليه في مطحنة الحبوب.
وهكذا بدأ الحاج محمد علي بدير مع شركاء له بتأسيس شركة الكهرباء برأس مال زهيد جدا وهو «2500» دينار!! وحول هذه البداية البسيطة والمعاناة يقول ايضا: وكنا نذهب في جاهات الى اصحاب الحوانيت والمحلات التجارية من اجل ان يساهموا معنا في شراء بعض اسهم الشركة.. ومن الذين ساهموا ايضا بتأسيس شركة الكهرباء هذه دار العجلوني ودار الجندي وغيرهما.
ومما ورد في كتاب «اوراق من دفتر الايام» للمؤرخ الشهير سليمان الموسى قوله: «عرفت الحاج محمد علي بدير ثم زرته بعد ان كان اول المؤازرين واسخاهم في مشروع بناء ضريح الشهيد «سعيد العاص» في قرية الخضر في فلسطين حيث استشهد هذا القائد العربي الفذ في ثورة 1936 على ارض العروبة فلسطين - ويكمل سليمان موسى حديثه عن الحاج بدير قائلا: انه كان رجلا حصيفا ذكي الفؤاد صاحب فضل ومعروف وبامثال هذا الرجل تصبح الحياة اكثر جمالا».
ويذكر الاديب الكبير حسني فريز عندما كان مديرا لدائرة الاستيراد والتصدير: «طالما واجهت المصاعب في التوفيق بين مطالب المستوردين من التجار لذا فقد كنت كثيرا ما استعين بالحاج بدير الذي كان يعمل بذكائه وحضوره القوي ومنطقه السليم على حل الخلافات بالتراضي وبالحسنى».
وعن البدايات فإن الحاج محمد علي بدير وبعد ان انهى دراسته الثانوية في بيروت عاد الى عمان ليعمل في التجارة والاعمال الحرة حيث كان اول عمل له هو افتتاح محل لمواد البناء وكان اسم المحل «ادلبي ملص وبدير» وموقعه في سوق منكو، حيث كان يسمى في ذلك الوقت القديم «في العشرينات» حارة علي فاخر ومن هنا بدأ بدير العمل وانطلق فيما بعد في عالم التجارة الواسع.
وما هي الا سنوات حتى تميز هذا الرجل المبدع والمغامر الاقتصادي وصاحب النظرة المستقبلية المدروسة كشخصية اقتصادية هامة في عالم البناء الوطني الاردني والذي يعم خيره على الجميع.. فقد كرس جهده وماله وحياته في تأسيس العديد من المصانع والشركات والمؤسسات والجمعيات فلم يأخذه زهو الحياة ولا تقاعس يوما عن اداء الواجب للوطن والمواطن.
اما عن الشركات التي ساهم في تأسيسها مع رفاقه فمنها مثلا تلك المؤسسات الاقتصادية الشامخة والقوية مثل: شركة الفوسفات، وشركة الاسمنت، وشركة الرخام والمرمر، وشركات التبغ، وجمعية الثقافة الاسلامية التي انبثقت عنها المدارس العريقة «الكلية العلمية الاسلامية»، وشركة مصفاة البترول، وشركة التأمين الاردنية، وشركة الطيران العربية في العام 1950، اما عن قصب السبق في تأسيس الشركات منفردا فقد كان له ذلك في انه اسس اول منجرة لاعمال الخشب في عمان عام 1930.
وفي العام 1951 يشجعه صديقه «سعيد المفتي» بخوض الانتخابات النيابية حتى جاءت النتائج مفاجئة لسعيد المفتي!! اذ ان الحاج محمد علي بدير حصل على اصوات اعلى من اصوات المفتي وذلك شهادة على صدق ودعم ونزاهة سعيد المفتي رغم ان بدير لم يكن يميل الى عالم السياسة بل كل حبه وعشقه واخلاصه كان لعالم التجارة والاقتصاد. وفي اعوام اخرى يتم انتخابه ولعدة مرات رئيسا لغرفة تجارة عمان وذلك بسبب شخصية هذا الرجل الذكي والمعطاء والجريء في حب الوطن واقتصاده وتطويره نحو الافضل والارقى.. وهذا ما تشهد له به المصانع والشركات والمؤسسات الاردنية بكثير من التقدير، وتشهد له ايضا اروقة الغرف التجارية العربية والعالمية.
وحري بنا هنا ان نتذكر هذه الشخصية الاقتصادية العظيمة لكي تكون لنا نبراسا وهاديا على طريق الانتماء لهذا الوطن الاردني الحبيب ولنقدم له ولاهلنا كل ما نستطيع من جهد وخدمات وعظمة في جميع مناحي حياتنا.. ومن خلال ذلك فإننا نقدم مثالا في الابداع والخير الذي نجني ثماره لنا ولابناء هذا الوطن.
محمد علي بدير.. الاقتصادي المغامر وأبو الكهرباء في عمان
12:00 30-9-2006
آخر تعديل :
السبت