نجيب محفوظ مسرحيا.. أعمال طليعية تحتفي ب «العبث» .. بقلم : حسن ناجي

تاريخ النشر : الجمعة 12:00 8-9-2006
No Image

عرف نجيب محفوظ عربيا وعالميا بالروائي، والقاص، وكاتب السيناريو المبدع. وقد توج محفوظ هذا الابداع بالحصول على جائزة نوبل للآداب ليكون بذلك أول كاتب عربي يحصل على هذه الجائزة العالمية التي تدور حولها علامات استفهام، وما يهمنا ان محفوظ قد استحق هذه الجائزة عن جدارة، وان كثيرا من المبدعين العرب الراحلين والمستمرين في العطاء الادبي يستحقون مثل هذه الجائزة.

 

بدأ نجيب محفوظ رحلته الابداعية مترجما عن الانجليزية وذلك في العام 1932 لكتاب مصر القديمة، ولم يعد بعدها للترجمة، بل لم يفكر بها أبدا، وانتهج خطا خاصا به في مسيرته الابداعية التي استمرت اربعة وسبعين عاما من العطاء المتميز.
قدم محفوظ أولى باكورة ابداعه الادبي تحت عنوان همس الجنون، وهو عبارة عن مجموعة قصصية، ثم توالت الروايات التاريخية والاجتماعية، ليعود الى القصة القصيرة بعد أربعة وعشرين عاما بإصدار مجموعته القصصية دنيا الله في العام 1962، ونلاحظ انه بعد مرور سبع وثلاثين سنة من ولادة ابداعاته، خاض محفوظ تجربة الكتابة المسرحية في مجموعته القصصية تحت المظلة.
نجيب محفوظ تاريخ كتابي وابداعي نقل نبض الشارع المصري بكل تفاصيله وعالج قضايا اجتماعية مستمدة من مجتمع مدينة القاهرة بكل أحيائها الشعبية والاستقراطية، ولم يلتفت كثيرا الى الريف، بل استمد جميع حكاياته من المدينة. جاء بالريف الى المدينة متمثلا بشخوصه ونماذجه ليعالج قضاياه ويبين الفوارق الطبقية بين فئات المجتمع، فأبطاله هم من الطبقتين العليا والسفلى وتتراوح بينهما الطبقة المنتفعة والتي تحاول التخلص من ملامح السفلى لترسم بصمات العليا عليها فبقيت دون ملامح، انها الطبقة الوسطى التي أخذت عنده حيزا لا بأس به كان بحاجته لامكانية التواصل بين الطبقتين.
لقد تناولت الدراسات الادبية والرسائل الجامعية والمؤتمرات العربية والعالمية نجيب محفوظ روائيا وقاصا، حتى انه ليس من السهل احصاء عدد الكتب والدراسات التي تناولت ادبه، ولكن اللافت للنظر ان قراءة نجيب محفوظ مسرحيا كانت قليلة جدا، حتى ان المسرحيين العرب والمصريين خصوصا لم يلتفتوا كثيرا الى مسرحياته ولم يحاولوا الاقتراب منها لتنفيذها على خشبة المسرح، وعلى العكس من ذلك فإنهم تسابقوا وبلهفة على جميع مسرحيات توفيق الحكيم القاص والروائي والذي عاش بالفترة نفسها التي عاش بها محفوظ، وتحولت كثير من مسرحيات الحكيم الى افلام سينمائية وحلقات تلفزيونية اضافة الى عرضها على خشبة المسرح.
والمتتبع للحركة المسرحية يجد ان المسرحيين قدموا اعمالا قصصية او روائية لنجيب محفوظ على خشبة المسرح خلال احدى عشرة سنة من 1958 وحتى 1969 كانت اولها زقاق المدق وآخرها تحت المظلة، وجميع هذه المسرحيات لم يقم محفوظ بمسرحتها عن قصصه ورواياته، بل قام مسرحيون بإعداد المسرحية عن اعماله الادبية، ونلاحظ ان المسرح الحر قدم خمس مسرحيات من مجموع ثماني مسرحيات نفذت لصالح المسرح.
من هنا نلاحظ ان المسرحيين قد انتبهوا الى روايات محفوظ وقصصه وأعدوها للمسرح، بينما لم يفكر واحد منهم بتنفيذ مسرحية واحدة مما كتبها محفوظ بنفسه، اما لماذا ترك محفوظ الفرصة أمام غيره ليقوم بمسرحة رواياته فهذا أمر غير مستغرب لأنه رغم كتاباته لسيناريوهات عشرات الافلام، لم يفكر ولم يحاول كتابة سيناريو لرواية واحدة من رواياته التي صورت سينمائيا، بل ترك المجال لغيره لكتابة السيناريو.
وقد يكون مبررا عزوف النقاد والمسرحيين عن الالتفات لمسرحيات محفوظ والاندفاع نحو مسرح الحكيم وأرى ذلك في ثلاث نقاط:
أ- لم يمثل ابداع محفوظ المسرحي ظاهرة أدبية كما هي عند الحكيم او عند ممدوح عدوان مثلا.
ب- لم يفكر محفوظ في اصدار كتاب خاص بما كتبه للمسرح، بل أودع مسرحياته القصيرة وذات المشهد الواحد ضمن مجموعاته القصصية وكأنه اراد لهذه المسرحيات ان تكون قصة حوارية ذات ابعاد درامية.
ج- لم يكتب محفوظ المسرح من اجل المسرح، وبالتالي لم يسع لأن تكون مسرحياته لوحات درامية على خشبة المسرح، ولهذا جاءت مسرحياته جميعها من فصل واحد وان تعددت المشاهد داخله.
لكن هذه المبررات لا تمنع النقاد ولا المسرحيين من الالتفات إلى هذه المسرحيات التي لم تتجاوز العشر والتي وردت ضمن مجموعاته القصصية التالية:
1- تحت المظلة، الطبعة الاولى، 1969 (خمس مسرحيات).
2- الجريمة، الطبعة الاولى، 1973 (مسرحية واحدة).
3- الشيطان يعظ، الطبعة الاولى، 1979 (مسرحيتان).
من الملاحظ لقارئ المسرحيات الواردة ضمن هذه المجموعات الثلاث وحسب صدورها زمنيا ما يلي:
1- في المجموعة الاولى تحت المظلة وهي المسرحيات الأولى التي كتبها نجيب محفوظ نجده قد نوه في الفهرس الى وجود هذه المسرحيات ووضعها تحت عنوان منفصل (مسرحيات من فصل واحد)، وهذا الأمر لم يتبعه في المجموعتين اللاحقتين وكأنه أراد التنبيه الى ولادة هذه التجربة.
2- في المجموعة القصصية الثانية _الجريمة- أدخل محفوظ مسرحية واحدة لهذه المجموعة القصصية وقد حرص على ان تكون أول الكتاب وجاء اسمها في فهرس الكتاب دون الاشارة الى انها مسرحية.
3- في المجموعة القصصية الثالثة «الشيطان يعظ» وضع نجيب محفوظ مسرحيتين في نهاية قصص المجموعة وكأنه نفض يديه من القدرة على شد انتباه النقاد والمسرحيين لما يكتبه مسرحيا.
4- المسرحيات الست التي جاءت ضمن مجموعتيه القصصيتين الاولى والثانية كانت جميعها ذات شخوص مجهولة الهوية والملامح ولم تحمل اسما ذا دلالة، فالشخوص مثلا: الفتى، الفتاة، الشاب، الرجل، الصديق، الاحمر. اما في المسرحيتين الأخيرتين في مجموعته القصصية الثالثة، فقد كانت الشخوص فيهما محددة الملامح واضحة الأسماء، حتى ان المسرحية الاخيرة اتكأت على حكاية من ألف ليلة وليلة أدخل اليها شخصيات من التاريخ، مثل موسى بن نصير القائد العربي المشهور.
ونستطيع القول ان مسرحيات محفوظ في المجموعتين الاولى والثانية تمثل المسرح الطليعي، وهو ما عرف في اوروبا في الاربعينيات بمسرح العبث، ومفهوم العبث هو موقف الكاتب المبدع مما يجده في الوجود من عبث، وليس كتابهة العبث نفسه، وقد ادرك المسرحيون المصريون هذه المعادلة كما يقول شفيق مقار في مقاله اللامعقول والعبث، وقد أطلقوا على هذا النموذج من المسرحيات المسرح الطليعي، فطابع المأساة المتولدة من ادراك العبث تواجهه سخرية من خلال الاحداث وتتابعها .. انها رحلة مسرحية للبحث عن معنى جديد يواجه الإنسان من خلاله احساسه بالعزلة عن مجتمع هو في الاساس جزء منه، وبذلك يكون المسرح الطليعي صورة من صور التمرد على القديم وعلى الراهن معا بمنظور جديد وقيم جديدة ثم اعادة تقديم القديم بعد تقييم ما بقي منه صالحا.
ليس من المستبعد اطلاع نجيب محفوظ على المسرح الاوروبي، خصوصا مسرحيات يوجين اونسكو وصموئيل بيكيت، لأننا نلمح تأثره بهذه المدرسة المسرحية كثيرا، وذلك عند كتابته المسرحيات الست الواردة ضمن المجموعتين (تحت المظلة والجريمة) فأولى الملاحظات على هذه المسرحيات ان أبطالها لم يحملوا اسماء محددة، وهذا الاسلوب اتبعه يونسكو في أكثر مسرحياته دلالة، على أن الموضوع هو البطل، فالمكان والزمان والشخوص هم موظفون من اجل صياغة الحدث، وتتمثل الملاحظة الثانية في الحديث عن يء مجهول دائما، وهو ما اتبعه بيكت في مسرحيته في انتظار غودو، فعند محفوظ المجهول معلن عنه بصفاته أحيانا او سلوكه او ملامحه، وقد يكون المجهول عنده الحدث ذاته. أما الملاحظة الثالثة فهي قصر الجملة الحوارية مما يؤدي الى السرعة في ايقاع الاداء كما عند يونسكو في الممثلة الصلعاء.
واستكمالا لقراءة مسرح نجيب محفوظ نصل الى المسرحيتين الاخيرتين الواردتين في المجموعه القصصية الشيطان يعظ، وهما: الجبل والشيطان يعظ، فهاتان المسرحيتان منتميتان الى مدرسة مختلفة عن المسرحيات الست السابقة، فمسرحية الجبل مسرحية اجتماعية تعالج قضية اجتماعية محددة ملخصها وجود مجموعة من الشباب المتحمس يشكلون اتحادا بينهم معنيا بتنفيذ حكم الاعدام لكل المنتفعين والمرابين والجشعين لتنتهي احلامهم عند اكتشاف أمرهم من قبل خطيبة أحدهم، فيبدأ الصراع بينهم، وبالتالي يموت الكل ولا يبقى سوى أحدهم لينعيهم.
اما المسرحية الثانية فهي تتكئ على احدى قصص ألف ليلة وليلة، مع توظيف الحقيقة والواقع داخل الاسطورة، ويعالج محفوظ قضية اجتماعية سياسية مهمة ليصل بالنهاية إلى ان العدل يحتاج الى قوة الايمان.
الشخوص في المسرحيتين محددة وأسماؤها معروفة، وبعضها من التاريخ العربي. وهاتان المسرحيتان آخر ما كتب نجيب محفوظ وذلك في العام 1979، وعاش بعدها سبعة وعشرين عاما لم يكتب خلالها نصا مسرحيا واحدا وكأنه قد اكتفى بأن يكون الأب الروحي والحقيقي للرواية العربية.
* كاتب مسرحي أردني

.alrai-related-topic { width: 100%; } .alrai-related-topic .wrapper-row { gap: 27px; flex-wrap: nowrap } .alrai-related-topic .item-row { padding-right: 1px; width: 280px; } .alrai-related-topic .item-row .item-info { padding: 15px 15px 28px 16px; border: 1px solid rgba(211, 211, 211, 1); height: 118px; } .alrai-related-topic .item-row .item-info a { color: #000; color: color(display-p3 0 0 0); text-align: right; font-family: Almarai; font-size: 15px; font-style: normal; font-weight: 800; line-height: 25px; text-decoration: none; -webkit-line-clamp: 3; -webkit-box-orient: vertical; display: -webkit-box; overflow: hidden; } @media screen and (max-width:768px) { .alrai-related-topic .wrapper-row { flex-wrap: wrap } .container .row .col-md-9:has(.alrai-related-topic) { width: 100%; } .alrai-related-topic { margin-top: 10px; } .alrai-related-topic .item-row { width: 100%; } }
.alrai-culture-art-widget{border-right:1px solid #d9d9d9;padding-right:11px}.alrai-culture-art-widget .title-widget-1 a{color:color(display-p3 0 .6157 .8745);text-align:right;font-family:Almarai;font-size:24px;font-style:normal;font-weight:800;line-height:39px;text-decoration:none;padding-bottom:5px}.alrai-culture-art-widget .title-widget-1{margin-bottom:26px}.alrai-culture-art-widget .title-widget-1::after{content:"";position:absolute;left:0;right:0;bottom:0;background:linear-gradient(90deg,rgba(0,85,121,.05) 0,#009ddf 100%);z-index:1;height:3px;width:100%}.alrai-culture-art-widget .img-row{width:100%}.alrai-culture-art-widget .img-ratio{padding-bottom:58%}.alrai-culture-art-widget .item-info{padding:23px 0}.alrai-culture-art-widget .item-info a{color:#000;color:color(display-p3 0 0 0);text-align:right;text-decoration:none}.alrai-culture-art-widget .item-row:not(:first-child)>a{display:none}.alrai-culture-art-widget .item-row a{color:#000;color:color(display-p3 0 0 0);text-align:right;text-decoration:none;-webkit-line-clamp:3;-webkit-box-orient:vertical;display:-webkit-box;overflow:hidden}.alrai-culture-art-widget .item-row:not(:last-child){border-bottom:1px solid #d9d9d9}@media screen and (min-width:1200px){#widget_1703 .alrai-culture-art-widget{border-right:0px;padding-right:0}}
.alrai-epaper-widget{margin-top: 20px; max-width:250px}
Tweets by alrai
.alrai-facebook-embed{margin-top: 70px;}
#widget_2097 .alrai-section-last-widget {padding-top:35px;margin-top:0;} .alrai-section-last-widget .row-element .item-row .img-ratio{ display:flex; } /* Horizontal scroll container */ .alrai-section-last-widget .full-col { overflow-x: auto; overflow-y: hidden; -webkit-overflow-scrolling: touch; width: 100%; } /* Flex container - critical changes */ .alrai-section-last-widget .content-wrapper { display: flex; flex-direction: row; flex-wrap: nowrap; /* Prevent wrapping to new line */ align-items: stretch; width: max-content; /* Allow container to expand */ min-width: 100%; } /* Flex items */ .alrai-section-last-widget .item-row { flex: 0 0 auto; width: 200px; /* Fixed width or use min-width */ margin-right: 7px; display: flex; /* Maintain your flex structure */ flex-direction: column; } /* Text handling */ .alrai-section-last-widget .article-title { white-space: nowrap; /* Prevent text wrapping */ overflow: hidden; text-overflow: ellipsis; display: block; } /* Multi-line text truncation */ .alrai-section-last-widget .item-row .item-info a { display: -webkit-box; -webkit-line-clamp: 3; -webkit-box-orient: vertical; overflow: hidden; white-space: normal; /* Allows line breaks for truncation */ } /* Hide scrollbar */ .alrai-section-last-widget .full-col::-webkit-scrollbar { display: none; } @media screen and (min-width:1200px){ .alrai-section-last-widget::after { transform: translateX(0); } } @media screen and (max-width: 768px) { .alrai-section-last-widget .row-element .content-wrapper { flex-direction: row !important; } .alrai-section-last-widget::after{ transform: translateX(100%); right:0; left:0; } }
.death-statistics-marquee .article-title a,.death-statistics-marquee .title-widget-2 a{text-align:right;font-family:Almarai;font-style:normal;font-weight:700;line-height:25px;text-decoration:none}.death-statistics-marquee .breaking-news-wrapper{width:100%;display:flex}.death-statistics-marquee .breaking-news{background-color:#7c0000;padding:22px 17px 24px 18px;color:#fff;text-align:right;font-family:Almarai;font-size:22px;font-weight:700;line-height:25px}.death-statistics-marquee .breaking-news-content{background-color:#b90000;padding:22px 18px 24px 21px;color:#fff;text-align:right;font-family:Almarai;font-size:22px;font-weight:700;line-height:25px;width:100%;position:relative}.full-container .marquee-container-widget:not(.relative-widget) .wrapper-row{position:fixed;width:100%;right:0;bottom:0;z-index:100000}.death-statistics-marquee .marquee-container-widget .title-widget-2{width:75px;background-color:#757575;color:#fff;height:60px;display:flex;align-items:center;justify-content:center}.death-statistics-marquee .title-widget-2 a{color:#fff;color:color(display-p3 1 1 1);font-size:15px;padding:16px 18px 16px 15px;display:block}.death-statistics-marquee .content-row:not(.content-row-full){width:calc(100% - 100px);background-color:#000}.death-statistics-marquee .content-row marquee{direction:ltr}.death-statistics-marquee .content-row .img-item{display:inline-flex;height:60px;align-items:center;vertical-align:top}.death-statistics-marquee .content-row .article-title{height:60px;display:inline-flex;align-items:center;color:#fff;padding:0 15px;direction:rtl}.death-statistics-marquee .article-title a{color:#fff;color:color(display-p3 1 1 1);font-size:17px}.death-statistics-marquee .title-widget-2{width:100px}#widget_1932{position:static;bottom:0;width:100%;z-index:1}