من الذي انتصر في اطول الحروب واكثرها امتدادا وهي الحرب الكلامية بين الصقور والحمائم؟ اذا ما فحصنا نتائج حرب لبنان عند اناس اليمين، فسنستطيع رؤية اعادة كتابة التاريخ بكامل قوتها. تدفع اسرائيل ثمن الايمان بكلام كاذب وانسحابها من لبنان على عجل، واجراء فاسد لاريئيل شارون بازالته مستوطنات غوش قطيف. يقولون ان المستقبل مشبع بالاخطار وتجاه الاخطار يحتاج الى تمسك أعمق بارض اسرائيل، وفهم أننا جيل طرح على كتفيه أمر صهيوني بابادة اعدائنا.
في جميع الحروب الاساسية لقادة اليمين تجاهل فكري وكلامي لوضعنا المعقد في الشرق الاوسط. ليست حرب لبنان هي التي يجب ان تقلق سكان اسرائيل. ان حرب لبنان قد رسمت فقط على نحو مصغر وضع الدولة الجغرا-استراتيجي. ان دولة صغيرة، قوية عسكريا، وديمقراطية او متطورة اقتصاديا، تواجه عالما عربيا مرتابا ومعاديا. انه عالم يشعر ان المدنية الغربية قد صفعته وكذلك وجود اسرائيل في قلبه، ويزيد علينا كبرا باضعاف مضاعفة وهو يضيق الفرق بدافعيته وبايمانه وبقدرته العسكرية.
في الحقيقة أن العالم العربي ليس موحدا، لكن الرأي العام العربي لا ينقسم على حسب التوجه الامريكي و توجه آخر. انه يشعر بشراكة المصير العربي تجاه اسرائيل، بل تجاه التهديد الامريكي. توجد هنا قصة خطرة ترتاب في مستقبل اسرائيل دولة يهودية في قلب عالم عربي معاد.
لم يبرهن قط كما الان على أن الحمائم كانوا صادقين في نهجهم. فهمت الحمائم سوية العقل صورة الوضع الاقليمية. كان سعيهم الى اقامة دولة فلسطينية بجانب اسرائيل كله ثمرة مصلحة اسرائيلية بينه. لقد فهموا أنه من أجل ابعاد المادة المتفجرة الاقليمية، يجب التوصل الى اتفاق سلام مع الفلسطينيين. كان الفرض الاساسي وما يزال ان سلاما كهذا سيفضي الى علاقات دبلوماسية بين اسرائيل ودول الخليج ، ودول المغرب العربي. وربما يدفع الى اتفاق مع سوريا الان. ادركوا أنه من أجل انجاز سلام كهذا، تنبغي العودة الى حدود 1967 واحداث مصالحة في القدس وعدم الموافقة على اية حال على حق العودة. لكن جماعة ضغط المستوطنين والابتزاز العاطفي الذي وجهوه الى الرأي العام عملا عملهما. ادرك ساسة من جميع أطراف القوى السياسية ان اجراء كهذا ضروري ومطلوب، ولكن كيف يمكن فعل ذلك تجاه رأي عام متعجرف وواثق بقدرتنا على ابادة كل تهديد عسكري لنا بالقوة؟ ان نضالنا ضد عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية اضعف بقية الثقة بحل سياسي داخل اسرائيل وجعل فتح غير قادرة على اعطاء الفلسطينيين استقرارا اقتصاديا وان كان سلام. عندما تبوأ وريث عرفات ابو مازن السلطة خافت حكومة اسرائيل من أن تلزم موجة الاعتدال التي أتى بها معه بحل سياسي جذري. وهو حل لم يرده شارون. قمنا بكل ما استطعنا من أجل مضاءلة مكانة ابي مازن. طلبنا اليه مسؤولية شاملة عن كل الاعمال الارهابية، واختزنا عالمين قدرته على اداء عمله. ورفضنا بكل قوة اطلاق الاسرى لتعزيز مكانته، واعتقدنا أن مكانة هشة لابي مازن ومنظمة التحرير ستمكن من خطة الانفصال من غير أن نضطر الى الجلوس للتفاوض في حل دائم ممكن قابل للتطبيق. وعندما صفعنا الواقع تم الانفصال. بعدها وليت حماس السلطة، وعند ذلك طرحت بشدة خطة الانطواء، التي خرج الهواء منها في الحرب الاخيرة.
نحن الان نواجه وضعا أكثر تعقيدا مما كان، لكن من الواضح الى أين يجب أن تمضي دولة اسرائيل. يجب ان يقوم هدفان في أساس كل نظام في المستقبل: الاول، نعش الجيش الاسرائيلي وتقويته استعدادا للمهمات التي قد تواجهه.
والثاني، مبادرات سياسية لا تنقطع؛ ومحاولة لمحاورة القيادة الفلسطينية التي لها مصلحة اقتصادية، واجتماعية وسياسية في الخروج من العزلة والحصار؛ ومبادرات مع سوريا ولبنان تقتضي تحولا في التفكير في الرأي العام في البلاد.
* عضو سابق في الكنيست
هآرتس