«الشك».. ظاهرة طبيعية لتمحيص الحقيقة والكذب

«الشك».. ظاهرة طبيعية لتمحيص الحقيقة والكذب

نداء الشناق -  الشك هو عبارة عن تصورات لدى إنسان ؛ واعتقاد الإنسان بشيء غير موجود وإنما تدل عليه إشارات ضعيفة جدا، والشك هو بين الصح أو عدمه على أساس أن هذا القول أو العمل يذهب إلى الصحة أو يذهب إلى الكذب.
والشك هو الذي يضع الإنسان في بعض الأقاويل والأفعال على مفرق الطرق لاحتمال السير الصحيح أو السير الخاطئ وقد ثبت في الشريعة والقانون أن الشك لا يؤدي إلى اليقين وهذه قاعدة صحيحة لان الشك يحتمل تأويل الانسياب نحو الخط الصحيح أو الانسياب نحو الخط الخاطئ وكل قول أو فعل! يحتمل التأويل يؤدي إلى الشك ولا يؤدي إلى اليقين لان اليقين هو القول أو الفعل القاطع الذي لا يحتمل الشك، والشك أيضا هو الظن بالقول أو الفعل وربما يؤدي هذا الظن إلى الإثم حيث إن بعض الظن إثم، وبعض الظن لا يصل إلى درجة الإثم الا أن الظن هو ظاهرة صحيحة لتمحيص الصح من الكذب و تمحيص الحق من الباطل، فالظن الذي يؤدي إلى الشك هو علم النطق بحق وحقيق حيث أن الشك يتخذ بالوصول إلى الحقيقة أو عدمها باستقراء صحيح و تمحيص سليم و هو أساس النظرية السببية في القانون تربط الفعل بالنتيجة لوجود علاقة السببية بينهما والمنطق الصحيح هو من نتيجة كلام فلسفي يؤدي إلى وقائع ترتبط بالنتائج مدعومة بأسبابها الموجبة لفعل وقول أو بالعمل أو الامتناع عن عمل.
وفي هذا السياق يتحدث لنا الشيخ يوسف محمود ملكاوي نائب رئيس منتدى الوسطية للفكر والثقافة / اربد عن الظن (الشك) ،حيث يقول ان الاخلاق في الاسلام تنقسم الى قسمين: اخلاق محمودة حث الاسلام عليها وأمر بها منها: «الصدق، والاخلاص، التواضع»، واخلاق مذمومة نهى الاسلام عنها وأمر بالابتعاد عنها: «الغش، الخيانة، سوء الظن...». ومن الملاحظ في المجتمع افرادا وجماعات ومؤسسات ان هناك مرضا يجب محاربته بكل ما نملك من قوة وفهم للاسلام وعلم الا وهو سوء الظن بالاخرين لذلك نجد ان الله حذرنا من هذا الخلق السيئ قائلا سبحانه وتعالى: «يا ايها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم..». سورة الحجرات الاية 12.
والظن : هو ما تركن اليه النفس ويميل اليه القلب.
وسبب تحريم سوء الظن ان اسرار القلوب لا يعلمها الا علام الغيوب. فليس للمسلم ان يعتقد في غيره سوءا الا اذا انكشف له بعيان له يقبل التأويل ويجب الاحتياط والتورع بأن نظن بالناس سوءا اذ لا داعية تدعو المسلم للمشي وراء ظن السوء او صرف الذهن فيه بل من مقتضى الايمان ظن المؤمنين بأنفسهم الخير والحسن قال تعالى: «... ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا افك مبين». والناظر في واقع المجتمع يرى ان سوء الظن اصبح امرا معتادا بين الكبير والصغير. اصبح يمارسه جميع افراد المجتمع فنجد الزوج يظن بزوجته سوءا ونجد الزوجة تظن بزوجها وكذلك نجد الخاطب يظن سوءا بمخطوبته وهي تظن سوءا ونجد المدير يظن سوءا بالموظفين وكذلك يظن الموظفون سوءا بالمدير. ونجد الاب يظن سوءا بابنته وابنه وكذلك الابناء يظنون بآبائهم وامهاتهم سوءا ونجد الكثير من المسلمين يظنون سوءا بغيرهم وهذا مناف لاخلاق الاسلام يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الكعبة: «ما اطيبك واطيب ريحك ما اعظمك واعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن اعظم عند الله تعالى حرمة منك ماله ودمه وان يظن به الا خيرا».
وفي هذا السياق تتحدث المحامية رحاب النمري، فتقول: الشاهد يشهد أمام القاضي على وقائع حضرها وشاهدها أو عملها أو امتنع عن عملها أو عن وقائع قام بها آخرون مدعين أو مدعى عليهم وتمت بحضوره وشاهدها بأم عينه أو كلف بها من أحد طرفي الخصومة أو تكون الشهادة عن قول قيل في حالة وقوع الفعل ولم يشاهد مرتكبه وهو يرتكب ما هو منسوب إليه من فعل أو قول أو يشاهد من وقع عليه الفعل من شخص ويذكر له في الساعة الأولى أو الدقائق الأولى من وقوع الفعل أو القول أن فلانا قام بذلك الفعل أو القول وكان ذلك الفاعل قد شاهده الشاهد، وهذا كله يؤدي أمام القاضي إلى اليقين أو الشك بما شهده الشاهد، فالاستقراء الصحيح لحادث حدث و نتيجة حصلت وربط السبب بينهما الفعل بالنتيجة نصل إلى يقين بما قيل أو ظن يؤدي إلى الشك بالقول أو بالفعل .
ويرى العديد من الشباب أن الشك المتولد لدى الأهل يؤهل الفرد إلى امتثال الكذب الذي يؤدي بهم كما هو معروف إلى الفجور، ويؤكد الشباب أن التربية والتعليم الأسرية والمدرسية والمجتمعية، سواء أكانت منفردة ام مجتمعة، جميعها تؤثر في السلوك البشري، وأن أفضل سلوكيات التعامل التي تولد الثقة المتبادلة بين الفرد ومحيطه هي السلوكيات القائمة على الحرية منذ الصغر وعدم التشكيك بما يفكر أو يقول، بالإضافة إلى عدم التأنيب المفرط الخالي من النصيحة والبعيد عن الأسلوب الحواري اللين والمريح، فسلوكيات التعامل هذه تعزز الاتصال بين الأفراد في المجتمع .
أما الطالب محمد الطورة - جامعة مؤتة، فيقول: الشك له دور واضح في حياتنا اليومية ونحن نقوم بأفعالنا ونقول قولنا في العمل أو في البيت حيث انه والواحد منا في بيته أو في مكتبه يكتب بقلمه ثم يتوقف عن الكتابة لحديث مع شخص ثم يعود للكتابة ويبحث عن القلم فلم يجده في يده اليمنى فيقوم بالبحث عن القلم ، والقلم في النهاية يجده في يده اليسرى وهذا شك بأن القلم ليس بيده وظنه الغالب انبعث اليد التي تكتب هي اليد اليمنى ولا شعوريا وضع القلم بيده اليسرى أثناء الحديث وصار الشك يراوده أين القلم والشك يراوده أيضا انه أعطاه لمن عنده أو أن القلم وقع منه، بعد البحث يجد القلم بيده اليسرى، هذه صورة من صور الشك .
ويقول عبد الناصر علي المراشدة، لغة إنجليزية: يراود الشخص التشكيك في الأعمال اليومية، ونلاحظ ذلك بوضوح في واجباتنا الدينية، حيث ينهض الواحد فينا من فراشه ويقوم بعمل الوضوء لصلاة الفجر وهو يشك انه صلى الفجر أم لا، أو انه صلى العشاء بوضوء المغرب أم لا، وهذا الشك يؤدي به إلى إعادة الوضوء واعادة صلاة الفجر وصلاة العشاء، وفي بعض الحالات يخرج الإنسان من بيته متوضئا متحضرا لصلاة الظهر وبعد الصلاة يشك بأن وضوءه قد فسد وبين الظن من عدمه الذي يؤدي إلى الشك ولا يؤدي إلى اليقين فعندها يعيد الوضوء والصلاة ليصل إلى يقين صحيح . ويقول المراشدة، ان الشك سيف ذو حدين، نافع وضار في آن واحد، والشك يفيد في تفادي الخطأ والقرب من الحقيقة ويضر في أنه يعطي نتائج سلبية تنعكس على الشخص الذي يشك، والشك يؤدي إلى الحقيقة إذا ما استعمل مترافقا مع المنهج العلمي، حيث أن الفرضيات العلمية مشكوك فيها مالم تثبت صحتها عن طريق التجربة والبحث، أضف إلى ذلك أن الشك قد يكون نقمة في العلاقات الاجتماعية، وخصوصا الزوجية حيث غالبا ما تؤدي إلى الطلاق والفشل حيث يكون زائدا في غالب الأحيان تحركه الغيرة اللا محدودة، وهو ضابط في علاقة الشاب مع الأهل إذا ما استعمل جيدا حيث يؤدي إلى رقابة وتقويم الذات والإصلاح .
وترى الطالبة مريم مصلح ،تربية رياضية، أنه منذ أقدم الأزمان والعصور كان هناك من سلك في طريق الشك في أمور متنوعة ومتعددة، بل حتى منهم من سلك الشك في كل شيء ونعلم أن أول مدرسة رسمية للفلسفة ترتكز بشكل أساسي على الشك هي مدرسة السكبتيكية الإغريقية ( التي تأسست تقريبا عام 80 ق. م ) والتي جادل السكبتيكيون بها أن المعلومات قد تتأثر بالمنظورات والشكليات فلا بد للمرء أن يمتنع من الحكم على الحقيقة وعندئذ فقط يستطيع أن يكون آمنا من ناحية فكرية وينعم براحة البال .
وتكمل مريم، إن النظريات المتعلقة بالشك لم تتوقف عند ما توصل إليه السكبتيكيون فبعد ألف وخمسمائة عام تطرق المفكر الفرنسي رينيه ديكارت إلى هذا الموضوع فأقترح أن الطريقة الوحيدة للوصول إلى معرفة، هي بالشك في كل شيء إلى أن نكتشف شيئا لا يمكن الشك فيه، وقد وضع هذا الشك كمنهج فلسفي، وتعمق ديكارت في الشك حتى أنه شك في حقيقة العالم وأفترض أن الحقيقة ما هي إلا وهم خدع فيه كائن آخر، حيث أستنتج في النهاية أن اليقين الوحيد في نظره الذي يستطيع أن يبني عليه آراءه عن العالم هو أنه كان يفكر حتى وهو يشك، وهذا يعني في النهاية أنه موجود. وكانت مقولته المشهورة (أنا أفكر فأنا موجود) والتي كانت بالنسبة له نقطة الانطلاق للفلسفة بل حتى للمعرفة كلها .
ويرى أسامة الربابعة، جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، أن الإنسان لا يستطيع أساسا أن يعرف شيئا مجهولا، أو حتى إذا كان ذلك الشيء موجودا فعلا أم لا ؛ لأننا في الأصل لا نملك غير تصورات تم تصفيتها بعقولنا وقام العقل بتعديلها وترتيبها، أو بالأحرى، فإن الحقيقة وتصوراتها تختلقهما عقولنا، كالتخيلات والأحلام التي تراود الجميع، ولذلك فالمعرفة الحقيقية والحقيقة قد تكونان غير موجودتين أو ان الوصول إليهما فيه نوع من المستحيل .
ويبدي الطالب رعد محمد الزعبي _ طب وجراحة ،كما قال الكثير من الفلاسفة، فإن مشكلة الاقتراحات المتعلقة بالشك ( بالإضافة إلى أنها غير صحيحة في الأصل ) أنها منافقة وتناقض نفسها، وسبب نفاقها أن كل أتباع مدارس الشك، والشكوكية، والأنانة كانوا يشربون عندما يشعرون بالعطش، ويتناولون الطعام عندما يشعرون بالجوع، دون أن يشكوا بأنهم كانوا عطاشى أو جياعا؛ وقد يهربون إذا واجههم أمر يستدعي ذلك، ويصرخون إذا تعرضوا لضرب مؤلم، فرغم أنهم شككوا في الوجود لم نسمع عن أحد منهم أنه قام بحرق نفسه كما سمح سيدنا إبراهيم لقومه أن يقذفوه في النار، حتى يثبت لنفسه ولغيره حقيقة ما يقول، ونعلم سبب تناقضهما الذاتي هو أن هؤلاء الفلاسفة المزعومين، قد أتعبوا أنفسهم بكتابة ما كانوا يفكرون به وإخبارنا عنه، ولذلك يبدو واضحا أنهم بدرجة كافية بوجود آخرين لفعل ذلك ، فالشك ما هو إلا افتقاد اليقين وهو بحد ذاته لا يدل على شيء .
ويبدي الطالب مروان مصطفى الأخرس، تكنولوجيا الحاسوب، رأيه في أن الشك هو ذاته الظن السيئ فمن توجيهات الله تعالى في القرآن الكريم الدعوة إلى العلم المسند إلى دليل ونهى عن الظن الذي لا يغني من الحق شيئا، فكما قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم....) (الحجرات12)، فلا ينبغي للمؤمن أن يظن أو يشك بالآخرين من غير سبب أو برهان لأن الظن من غير دليل يلحق الضرر بالآخرين، فالأصل بالإنسان السلامة والاستقامة في الحياة، والبراءة من التهم إلا إذا قامت البينة على غير ذلك، وهذا منهج إسلامي يربي في المسلم العدل ويجنبه اتباع الهوى، ويحمي المجتمع من الاشاعات التي تزرع بذور الشك بين أفراد المجتمع ، وتشوه معاني الخير والفضيلة في المجتمع . ويؤكد مروان أن حياتنا العملية والحياتية مليئة بمثل هذه المواضيع وأن الشك في كثير من الأحوال هو ظاهرة صحيحة لمعرفة الصواب من الخطأ، الصدق من الكذب، الفعل السليم من الفعل غير السليم، وهكذا نحن نسير في حياتنا كلها لنصل في النتيجة للسير بخط صحيح معبد موصل إلى حياة كريمة ورائقة.