عمان - محمد جميل خضر - الشغف كعنوان تجلٍ وحافز فعل، هو ما التقت حوله الشاعرة الأردنية سهير الداود والفنانة المغربية سلوى الشودري. شغف الداود بالآفاق الرحبة للكلمة وتداعياتها وصورها ومردودها النفسي والوجداني، وشغف الشودري بالألحان والموسيقى والأداء الراقي وقد أخذته برؤيتها وجلال وجهتها الغنائية الجمالية نحو تباريح الوله الصوفي ومراتب المعراج الروحاني.
وفق ما تقدم، اختارت الفنانة المغربية التطوانية صاحبة التجربة الفذة بالجمع بين الغناء والعطاء، وبين اللحن ومردوده الوجداني التبتّلي الخاشع، قصيدة الشاعرة الأردنية سهير الداود «هذا أنا» لتكون واحدة من قصائد ألبومها الغنائي الخامس الذي اقتصرت أغنياته من ألحانها وألحان غيرها على قصائد لشاعرات عربيات من أربع دول عربية هي مصر والعراق وفلسطين إضافة للأردن. كما تضمن الألبوم إضافة لما تقدم، قصيدة أبو الطيب المتنبي «واحرّ قلباه» وقصيدة بدر شاكر السياب «غريب على الخليج».
اختيار الشودري أستاذة التكوين الموسيقي والصولفيج في المعهد الوطني للموسيقى بتطوان، لقصيدة «هذا أنا» لم يأت من فراغ، فالقصيدة بأجوائها وعمقها وسيرورتها التاريخية، وتجوالها المحدق بين عينيه وبين جداول الزمن المتسارع دون توقف، تشكّل اختياراً نموذجياً لفنانة أرادت لتجربتها الغنائية الموسيقية ومنذ بداياتها الأولى نهاية ثمانينيات القرن الماضي، أن تحمل سمات حَفْرٍ جماليٍّ معرفيٍّ أخلاقيٍّ داخل العربية كلغةٍ وثقافةٍ ووجهةٍ وفعلِ تواصلٍ خلاقٍ بين الأرض والسماء.
«هذا أنا زهرة ربيعية من ألف ألف عام
قبل أن أجرح قلبي وأخط عينيك سحابة
كم تغيرت.. هذا أنا.. كم تغيرت بين عام وعام
كان فكري.. كان حلمي أن أحمل ألف جدول
وظلّك غاب تحت ثوبي
أحرفاً للكتابة
وأشرب معك ما يتركه لنا المساء
كم تغيرت.. هذا أنا.. كم تغيرت».
يتضمن ألبوم الشودري الخامس، إلى ذلك، قصائد للشاعرات: العراقية نازك الملائكة «النائمة في الشارع»، المصرية شريفة السيد «سيدة الحزن الجميل» والفلسطينية أمل طنانة «لا تغلقوا فمي».
الداود التي تكتب، كما وصفها ذات مرة د. محمد القضاة «من شغاف قلبها، وترتل ترانيمها بروح وقّادة، وتفتح مدى عميقاً بين براءة الطفولة ولغة الشعر»، تكشف تجربتها ببساطة وسلاسة، عن غنائية «تشتاق للتراب والنسمات الرطاب في مكانها الأثير الفحيص، حيث عشقها الأبدي تطل منه على القدس لتعانق الأرض الطيبة بدفئها وأشيائها وبشوق حدّه الهوس الشعري». وهي تحمل بحس وحدس شعري نبيه «رغيفها حلوى وبهجة وخصوبة للأخذ والعطاء والتجديد».
أما الشودري التي وظفت ما حباها الله به من ملكة التلحين والصوت الشجي لخدمة مجتمعها، فهي، مستفيدة من تجربةٍ مغربيةٍ مغاربيةٍ فذة، على صعيد الغناء الصوفي والابتهالات الدينية والموشحات الأندلسية، ومختلف ما يقترب أو يتقاطع مع هذه الأجواء، حققت لنفسها، ومن خلال ثبات في الرؤية، ورصانة في التقدم والانتشار، مكانة مرموقة تحمل خصوصيتها في هذا اللون من الغناء العربي والموسيقى المنسابة فيه.