اشراف و اعداد - حيدر مدانات - استخدم مصطلح النشاط الزائد Hyperactivity في الماضي للإشارة إلى حالة عامة تتصف بالحركات الجسمية المفرطة. إلا أن المشكلة ليست مقتصرة على الجانب الحركي فحسب. بل أن هناك خصائص سلوكية مرافقة، منها: الاندفاعية , Impulsivity والقابلية للإثارة ؟, Excitabili وضعف الانتباه . Attention Deficit وهذا كله يقود إلى ضعف في التحصيل المدرسي، والى مشكلات سلوكية واجتماعية أخرى، وما يعنيه ذلك أن الأطفال الذين يتم تشخيصهم على أنهم يعانون من النشاط الزائد ليسوا فئة متجانسة، وان كانت تظهر عليهم جملة من المظاهر السلوكية العامة المشتركة، والتي من أهمها ضعف الانتباه.
وللنشاط الزائد الكثير من التعريفات المستقاة من الأدب التربوي الخاص، حيث يشير البعض إلى أن هذا الاضطراب عبارة عن متلازمة عصبية، من أهم خصائصها: الاندفاعية، والتشتت، وفرط النشاط. وهذه الحالات تؤثر على الأفراد من جميع الأعمار، ومن كلا الجنسين، ومختلف الطبقات الاجتماعية، وجميع المستويات التعليمية، والعقلية.
ويشير البعض الآخر أن هذا الاضطراب هو نتاج مشكلة في سلوك الطفل من جهة، والرد البيئي عليها من جهة أخرى، كالاتجاهات الوالدية ومهارات إدارة الصف، والمعايير الثقافية للسلوك.
الأعراض
تظهر على الأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب جملة من الأعراض منها: فترات قصيرة من الانتباه، وقدرة منخفضة على تحمل الإحباط، والتململ باستمرار، وعدم القدرة على الجلوس بهدوء، وتمزيق الألعاب والأثاث، الثرثرة، فهم لا يتوقفون عن الكلام، ولا يتبعون التعليمات، وازعاج الآخرين واستفزازهم، والبكاء بحرقة لأتفه الأسباب، والتقلبات المزاجية، ولا ينهون الأعمال التي يبدأون بها، وطلباتهم يجب أن تلبى بسرعة.
العوامل السببية
لقد بذلت جهود بحثية كبيرة للتعرف على الأسباب الكامنة وراء معاناة بعض الأطفال من نشاط زائد، إلا أن نتائج الأبحاث كانت غير شاملة. وكثيرا ما كانت متناقضة. ولما كانت نتائج الأبحاث والدراسات قد أخفقت في دعم أي من الأسباب المقترحة، فإن الباحثين يميلون إلى الاعتقاد بأن النشاط الزائد ليس نتيجة لعامل سببي واحد، بل هو نتاج عدة عوامل تتفاعل فيما بينها. ومن أهم هذه العوامل:
أولا: العوامل الجينية
تشير بعض الدراسات إلى وراثية هذا الاضطراب، بمعنى أنه ينتقل من الآباء إلى الأبناء. إضافة إلى أن الدراسات التي أجريت على التوائم المتطابقة والمتآخية، تدعم دور العوامل الجينية في توريث النشاط الزائد، وإن كانت آلية التوريث غير معروفة.
ثانيا: العوامل العضوية
هناك اعتقاد سائد مفاده أن النشاط الزائد يرتبط بتلف دماغي طفيف، ولكن نتائج الدراسات لا تقدم أدلة قاطعة على ذلك، فليس كل من لديه تلف دماغي يعاني من نشاط زائد، وليس كل من لديه نشاط زائد يعاني من تلف دماغي واضح.
ثالثا: العوامل البيئية
تشير بعض الدراسات أن من العوامل المسببة للنشاط الزائد عند الأطفال: التسمم بالرصاص، والتعرض لفترات طويلة للإضاءة المنبعثة من الأجهزة المستخدمة في الحياة اليومية. إضافة إلى دور ''ردود الفعل التحسسية'' . في إحداث نشاط زائد عند الأطفال، سواء كانت ناجمة عن الطعام أو عن غيره. حيث يعتقد أن ردود الفعل هذه تسبب إثارة كبيرة للجهاز العصبي المركزي الأمر الذي قد يؤدي إلى النشاط الزائد
التشخيص
إن عملية تشخيص الطفل الذي يشك أنه يعاني من اضطراب النشاط الزائد يجب أن تكون متكاملة، ويشترك فيها فريق من عدة تخصصات، بغية الوصول إلى نتائج صادقة بعيدة عن التحيز أو الاختلاق. وعادة ما تتم عملية التشخيص وفقا للمراحل التالية:
أولا : يتم في هذه المرحلة جمع المعلومات عن التاريخ النمائي والأكاديمي للطفل، وعن التاريخ الاسري بشكل عام. ويقوم الأهل والمعلمون بإشراف من الاختصاصي بملاحظة سلوك الطفل، من خلال قوائم رصد معدة لهذه الغاية.
ثانيا : يطبق على الطفل مجموعة من الاختبارات النفسية العصبية، التي تقيس مجالات متنوعة مثل: التحصيل المدرسي، ومهارات التآزر الحركي البصري، والمهارات البصرية المكانية ، والمهارات الحركية، ومهارات الذاكرة، والانتباه، واللغة، والمهارات الاجتماعية، والسلوك الانفعالي، والفحص الكهربي للدماغ.
ثالثا : يتم تحليل النتائج المستقاة من تشخيص المهارات والقدرات آنفة الذكر، ويصار إلى اصدار حكم على الحالة فيما إذا كانت تنتمي لفئة الافراد ذوي النشاط الزائد، أم غير ذلك. وعادة ما يوثق ذلك في تقرير تقييم شامل يتضمن وصفا لمراحل التقييم، والأدوات المستخدمة في كل مرحلة، والتوصيات التي توظف في برنامج علاجي.
طرق العلاج
بما أن النشاط الزائد قد يسبب صعوبات أكاديمية واجتماعية طويلة الأمد للطفل، فإن معالجته يجب أن تتم في مرحلة مبكرة من العمر وذلك للحيلولة دون تفاقم المشكلات التي يواجهها الطفل. وعلى الرغم من تنوع الأساليب العلاجية المقترحة للنشاط الزائد، إلا أن الدراسات تبين أن أكثر الطرق العلاجية فاعلية هي العلاج الطبي، والعلاج السلوكي. وحري بالمعالج أن يستخدم كلا الأسلوبين معا، فذلك يعتبر أكثر نجاعة وأفضل من استخدام أي منهما بشكل منفرد.
أولا: العلاج الطبي
تعتبر العقاقير الطبية مثل: الريتالين Retalin ، والسايلرت , Cylert والدكسدرين exedrine من أكثر العقاقير استخداما لمعالجة هذا الاضطراب. ووفقا للأبحاث الحديثة، يعتقد أن العقاقير آنفة الذكر تؤثر على فعالية الدماغ، وذلك بتمكينه من زيادة انتاج النواقل العصبية - مثل '' الدوبامين ''- واللازمة لنقل الرسائل الحسية من جذع الدماغ إلى أجزاء الدماغ المسؤولة عن الانتباه والتحفيز والنشاط، حيث يلاحظ على الأطفال الذين عرف عنهم الاندفاعية، والتشتت، وفرط الحركة، أنه بعد تناولهم لجرعات من هذه العقاقير أنهم يميلون إلى الهدوء، ويجلسون على مقاعدهم دونما تململ، مما حسن من انتباههم وبالتالي الاستفادة من شروح المعلمين. حيث أن استمرار تأثير تلك العقاقير على سلوك الطفل قد يستمر أحيانا من ثلاث إلى أربع ساعات.
يجدر بالذكر، أن تناول العقاقير المذكورة آنفا قد يؤدي إلى تأثيرات جانبية سلبية، مثل : العصبية، والأرق، والغثيان، والنعاس، وفقد الوزن، وارتفاع ضغط الدم، وعدم الارتياح، وتأثيرات سلبية محتملة في التفكير. إضافة إلى عدم توافر معايير موثوقة تحدد من يمكن أن ينتفع من العقاقير دون غيره. فقد أشارت نتائج إحدى الدراسات أن حوالي 10% ممن تصرف لهم هذه العقاقير، قد أسيء استخدام العقار معهم، ويعود ذلك الى الاخطاء التي يرتكبها بعض الاطباء في الوصفات الطبية، أو مقدار الجرعات، أو مواعيد اعطاء مثل هذه العقاقير.
ثانيا: العلاج السلوكي
غالبا ما يوصف الطفل الذي يعاني من النشاط الزائد بالطفل السيىء، أو الصعب، أو الطفل الذي لا يمكن ضبطه. فبعض الآباء يزعجهم النشاط الزائد لدى أطفالهم فيعاقبونهم ولكن العقاب يزيد المشكلة سوءا. لذا فعلى الأسرة أن تعي بأن هؤلاء الأطفال لا يرغبون في خلق المشكلات لأحد، ولكن الجهاز العصبي لديهم يؤدي إلى ظهور الاستجابات غير المناسبة. وأنهم بحاجة إلى التفهم والمساعدة والضبط ولكن بالطرق الإيجابية. وإذا لم نعرف كيف نساعدهم فعلينا أن نتوقع أن يخفقوا في المدرسة، فالدراسات تشير أن النشاط الزائد يتصدر قائمة الخصائص السلوكية التي يدعى أن الأطفال ذوي الصعوبات التعلمية يتصفون بها.
ومن الإجراءات السلوكية المستخدمة في علاج النشاط الزائد عند الأطفال ما يلي:
- الاهتمام بأي سلوك منتج يقوم به الطفل، وتعزيزه على ذلك السلوك.
- الاتفاق مع الطفل أنه ستقدم له مكافأة عند قيامه بالسلوكيات المقبولة. وهنا يجب أن تكون المكافأة فورية في حال قام بما طلب منه.
- التوضيح للطفل ما هو متوقع منه، وأن يوصف له السلوك المناسب بكل وضوح دون غضب أو انفعال. ومن الأهمية بمكان أن يتفق الوالدان مبدئيا على الاستجابة للطفل بنفس الطريقة.
- إن تنظيم الوقت وتسلسل الأعمال مهم لهؤلاء الأطفال، لذا يجب تحديد أوقات معينة لإنجاز الأعمال والمهمات.
- الابتعاد قدر الإمكان عن مقارنة الطفل ذو النشاط الزائد بطفل أخر هادئ، وذلك لمنع خلق أجواء أسرية مشحونة بين الأطفال.
- اشراك الطفل في ناد رياضي، حيث ان تفريغ الطاقة بشكل منضبط يعتبر طريقة مناسبة. فهو هنا يفرغ طاقته بشكل غير مؤذ.
عبد الرحمن جرار
ماجستير تربية خاصة
عضو هيئة تدريس في المركز الوطني لصعوبات التعلم