يودورا ويلتي.. روائية أميركية تدون أسطورة المسيسبي بلغة ساحرة .. ترجمة: مروان حمدان

يودورا ويلتي.. روائية أميركية تدون أسطورة المسيسبي بلغة ساحرة .. ترجمة: مروان حمدان

لعل من أهم ما يؤشر على التقدير الكبير الذي حظيت به الكاتبة والروائية الأمريكية الجنوبية يودورا ويلتي هو أنها كانت أول كاتبة أمريكية تظهر أعمالها في سلسلة «مكتبة أمريكا» البارزة وهي لا تزال على قيد الحياة. وقد صدرت أعمالها ضمن هذه السلسلة في مجلدين: «الروايات الكاملة» و«قصص ومقالات ومذكرات» وكلاهما من تحرير ريتشارد فورد ومايكل كريلينغ. ويبدو أن ويلتي نفسها تحظى بالإعجاب كما هي حال كتاباتها. سيدة بطيئة الحركة، نحيفة ومقوسة الظهر، لكنها تشع حماسا عفويا وطازجا، يتوهج عمليا في الظلام.
أخذت آن والدرون على عاتقها كتابة سيرة ويلتي ضد رغبة ويلتي نفسها. وقد صدرت هذه السيرة عام 1998 تحت عنوان «يودورا ويلتي: حياة كاتبة». وتبدأ والدرون هذه السيرة بتوضيح دوافعها لكتابتها. فهي ترى أن ويلتي «وهي قامة أدبية شاهقة»، لا تستحق فقط كتابة سيرة عن حياتها، بل إن هذه السيرة أيضا مطلوبة عمليا وضرورية.
غير أن ويلتي نفسها، على أية حال، ترى أن الكاتب لا يخضع لأي التزام بمناقشة حياته الشخصية. وهي لم ترفض التعاون فقط مع والدرون (وقد رفضت بلطف وبشكل مؤدب، بالطبع)، لكنها أيضا طلبت من العديد من أصدقائها وزملائها أن يحذوا حذوها. وفي الحقيقة، كما اكتشفت والدرون، فإن ويلتي تلهم مثل هذه المودة والولاء في أولئك الذين عرفوها، لذا كان من الصعب على كاتبة السيرة أن تقوم بأبحاثها.
وعلى الرغم من هذه الموانع الهائلة، استطاعت والدرون أن تكتب عملا ملونا ومقروءا إلى حد معقول حول حياة وعمل ويلتي، استند بشكل كبير على الرسائل والصحف الأرشيفية، والمقالات المنشورة، ومقابلات مع بعض الناس الذين وافقوا على التعاون. وتنجح السيرة التي كتبتها والدرون في إيصال الكثير من سحر وحماسة ويلتي الشخصية.
تكشف رسالة كتبتها ويلتي وهي شابة تعرض فيها خدماتها على «النيويوركر» روحها الوثابة. ففيها، تصف نفسها تنحدر من الميسيسيبي، وتمدح هذه الولاية. وبالرغم من أنها تتخيل بأنهم سيكونون «أكثر اهتماما بخدعة خفة اليد» من مقدم الطلب، إلا أنه «كالمعتاد لا يمكنك أن تحصل على الشيء الذي تريده أكثر من غيره». لقد عرضت عليهم ويلتي أن تكتب مراجعات للكتب والأفلام والفنون. حتى أنها قامت بنحت كلمة لتمييز أعمال ماتيس. لكن للأسف، لم تقبل المجلة بها.
في الحقيقة، واجهت ويلتي في البدايات صعوبة كبيرة في إيجاد منابر تنشر قصصها. كانت قصصها أحيانا تعتبر طويلة جدا وغامضة جدا بحيث أنها لا تتوافق مع الأذواق الشائعة. حتى أن البعض من أكثر معجبيها إخلاصا وجدوا أنفسهم غير صبورين أحيانا تجاه أسلوبها النثري المحكم جدا وطريقتها غير المألوفة في سرد القصص. لكن في النهاية، انطلقت مهنتها الأدبية.
إن المدى الواسع لموضوعات ويلتي وتحكمها الواثق باللغة جعل أدبها عملا رائعا ومؤثرا. وتشهد قصصها على قوة الملاحظة الحادة لديها وعلى نزعتها للإبتكار التخييلي والأسطوري.
ولدت يودورا أليس ويلتي في الثالث عشر من نيسان عام 1909، في جاكسون، بالميسيسيبي. وقد بنى البيت الذي عاشت فيه عائلة ويلتي والدها، كريستيان وب، عندما انتقل هو وزوجته، تشيستينا أندرو ويلتي، للعيش في منطقة جاكسون. وتستذكر يودورا، البنت الكبرى والوحيدة لعائلتها، في سيرتها الذاتية «بدايات كاتب» (1984) أهمية القراءة في بيت طفولتها. في الحقيقة، يقول ديكونسيغليو، «كانت الكتب ذات قيمة كبيرة إلى درجة أنه عندما أصاب البيت حريق ذات مرة، رمت أمها مجلدات ديكينز إلى الخارج قبل أن تنجو بنفسها». وتتذكر ويلتي أيضا أهمية معرفة الأبجدية. وتوضح: «تتعلم الأبجدية كما تتعلم عنوانك ورقم هاتفك في حالة تهت». كما تتذكر قراءة الأبجدية إلى جانب أنها تنسب الفضل لأبيها في منحها حسا قويا لرصد الأمور في عمر مبكر. وبالرغم من أنها ولدت في الجنوب الأمريكي، إلا أن بعض النقاد لا يعتبرونها كاتبة جنوبية. وربما أن تأثير أبيها، الذي جاء من أوهايو، وأمها، التي كانت مواطنة في غرب فرجينيا، جعل منها كاتبة ذات طابع أكثر عالمية.
ارتادت ويلتي المدرسة الثانوية المركزية في جاكسون، بين عامي 1921 و.1925 وبعد إكمالها دراستها الثانوية التحقت بكلية ولاية ميسيسيبي للنساء (إم يو دبليو حاليا) في كولومبوس، من عام 1925 إلى عام .1927 «وبتشجيع من أبويها، انتقلت إلى جامعة ويسكونسن في عام 1927، حيث أصبحت الإنجليزية تخصصها الرئيسي، وبدأت دراسة جادة ومكثفة للأدب الإنجليزي تحت إشراف ريكاردو كوينتانا وأساتذة آخرين». لاحقا، وبعد أن حازت على درجة البكالوريوس في الآداب عام 1929، ارتادت يودورا مدرسة خريجي جامعة كولومبيا للأعمال في نيويورك ودرست الدعاية والإعلان. وخلال وجودها في نيويورك، كان لدى ويلتي حياة اجتماعية متنوعة. في الحقيقة، كانت تذهب للرقص وتحضر المسرح بانتظام. وقد علقت على ذلك قائلة: «بالنسبة لشخص لم يسبق له، بأي حال من الأحوال، أن ذهب إلى المسرح أو إلى متحف المتروبوليتان، حيث كنت أذهب كل يوم أحد، لا يتعدى الأمر مجرد توفر هذه الأمور».
خلال سنوات الكساد العظيم، عادت ويلتي إلى جاكسون. وفي عام 1931، وهو العام نفسه الذي عادت فيه، توفي أبوها فجأة. كان موته خسارة عظيمة بالنسبة لها ولعائلتها. وسرعان ما بدأت ويلتي بالبحث عن الوظائف في مجال الدعاية والإعلان. وظيفتها الأولى التي حصلت عليها كانت عملا بدوام جزئي في محطة إذاعة «دبليو جيه دي إكس». وبعد ذلك، حصلت على عمل بدوام كامل في «إدارة تقدم الأعمال» كوكيلة دعاية وإعلان. وقد اشتملت واجباتها في هذا العمل الكتابة للصحف والتقاط الصور للأماكن بعد هدمها، ودراسة أوضاع الصبيان الذين يواجهون المشاكل، ووضع الأكشاك في المعارض التي كانت تقام في المقاطعة، ومقابلة مختلف الناس. في مقابلة مع جين تود فريمان، أخبرتها ويلتي أنها استمتعت بذلك العمل كثيرا: «أخذني عملي إلى جميع أنحاء الميسيسيبي، وهذا كان الشيء الأكثر أهمية بالنسبة لي، لأنني لم أكن لأراه لولا ذلك... (التجربة) كانت الجرثومة الحقيقية وراء إرادتي في أن أصبح كاتبة حقيقية، كاتبة صادقة». أخيرا، في حزيران عام 1936، انطلقت مهنة ويلتي في الكتابة بأول قصة منشورة لها «موت بائع متجول»، التي ظهرت في مجلة صغيرة اسمها «المخطوطة».
ثم بدأت مهنة ويلتي بالازدهار. نشرت روايتها الأولى «زفاف دلتا» في عام .1946 وبينما كانت كتاباتها تلقى انتباها وطنيا، ضربتها مأساة عائلية. وصار لزاما عليها، وهي في السادسة والأربعين من عمرها، أن تعتني بعائلتها وأن تضع أعمالها الأدبية جانبا. فقد تم تشخيص أخويها بمرض التهاب المفاصل الحاد، بينما أصيبت أمها بالشلل بعد نوبة قلبية. وقد أمضت ويلتي السنوات الخمس عشرة التالية تهتم بعائلتها العاجزة. ثم واجهت، بحزن كبير، موت أمها وأخويها في عام .1966 باختصار، لقد أصبحت يودورا ويلتي وحيدة بلا عائلة.
استأنفت ويلتي عملها في الكتابة ب «ابنة المتفائل»، وهي الرواية التي فازت عام 1969 بجائزة البوليتزر. ومبكرا في مهنتها عملت ويلتي في هيئة النيويورك تايمز للكتب. وكانت أيضا محاضرة وكاتبة مقيمة في كليات مختلفة. وهي تعتبر الآن «صوت وروح الجنوب الأدبيين». في أواخر أيامها، كانت صحة يودورا ضعيفة. وجعل إلتهاب المفاصل لديها الكتابة مؤلمة، وسمعها الضعيف منعها من تجميع قطع الحوار لشخوصها، وأبقاها ظهرها المصاب محصورة في بيتها. وقد ظلت يودورا تعيش في نفس البيت الذي بناه أبوها في جاكسون حتى وفاتها في الثالث والعشرين من تموز عام 2001، بعد أن ناهزت الثانية والتسعين من عمرها.
إن قصص ويلتي تعبر عن قلب الجنوب الأمريكي. وقد وضعها كتابها الأول من القصص «ستارة من الأخضر» (1941) على الخريطة الأدبية. ومن بين أعمالها الرواية القصيرة «العريس السارق» (1942) ورواية «القلب المتأمل» (1954)، و«الشبكة الواسعة وقصص أخرى» (1943)، و«موسيقى من إسبانيا» (1948)، و«التفاحات الذهبيات» (1949)، و«ثلاث عشرة قصة» (1965)، و«قلق لذيذ» (1969)، و«معارك خاسرة» (1970)، و«عين القصة» (1978)، و«صور» (1989). وقد تنوعت أعمالها بين القصة والرواية والشعر والنثر والمقالات والمراجعات، كما أنها كانت مصورة معروفة. وحصلت على الكثير من الجوائز كان آخرها وسام الشرف الفرنسي عام .1996 كما قام ستيف دورنر باختراع برنامج للبريد الإلكتروني وأسماه «يودورا» على اسمها، تكريما لها، وهو برنامج كمبيوتري معروف الآن ومستخدم على نطاق واسع في العالم.
عن موقع كتاب الميسيسيبي، صحيفة الكريستيان سيانس مونيتور

* كاتب ومترجم أردني