لم تنجح الغالبية العظمى من المشاريع الصغيرة، التي ارتؤى ذات مرحلة، انها العلاج الشافي لمشكلتي البطالة.. والفقر، على قاعدة بدلا من ان تعطيه سمكة.. علمه الصيد، وتصدت جهات عدة لتنفيذ عدد لا بأس به من هذه المشاريع عبر قروض مالية، كانت تقدمها لاسر فقيرة معدمة، بهدف تأسيس مشروع منتج يوفر لهذه الاسر دخلا دوريا مستمرا يغطي احتياجاتها الحياتية، وطبيعي اضافة لتسديد قيمة الاقساط المترتبة على القرض الذي كون رأس المال الاساسي، الذي منه مول المشروع، ويفترض انه كان من الطبيعي ان لا يتم تقديم القرض، والسماح بالبدء بتنفيذ هذا المشروع ام ذاك، الا بعد دراسات وافية تتناول ابعاد انفاذ مثل هذا المشروع، وجدواه الاقتصادية التي تتمثل هنا ببساطة في مدى الحاجة اليه وامكانات تحقيق ارباح من تنفيذه قادرة على تسديد الاقساط المطلوبة، وتوفير دخل يغطي الاحتياجات.
لكن.. وكما يبدو من نتائج المتابعة عند صندوق المعونة الوطنية وحتى وزارة التنمية، فان الفشل كان نصيب الكثير من هذه المشاريع، بمعنى انها عجزت عن تسديد قيم القروض التي قدمت لها.. واكثر من هذا لم تقدر على الاستمرار لانها اصيبت بالخسائر التي ربما اكلت حتى رأس المال، وصار المشروع برمته عبئا ليس على صاحبه الذي نفذه فهذا لم يدفع من جيبه قرشا واحدا، بل صار عبئا على الجهة التي مولت، وصار لزاما عليها تحمل الخسائر التي ترتبت على فشل هذه المشاريع، واكثر من هذا.. عادت الشرائح الاجتماعية بقضها وقضيضها الى حالة الفقر او البطالة التي هدفت هذه المشاريع الصغيرة الى انقاذها مما هي عليه على اساس ان مثل هذه المشاريع العلاج السحري الامثل القادر على مواجهة هاتين الآفتين اللتين تمثلان الهم الاجتماعي والاقتصادي الاكبر عند كل الجهات المعنية بازدهار الوطن وتقدمه.
وغير المفهوم هنا.. ان بعض هذه المشاريع الصغيرة، وعند مناطق محددة، حققت نجاحا لا بأس به، وشكلت حبل نجاة للعديد من الذين نفذوها فانقذتهم من حال الفقر والبطالة، لا بل ان بعضا من هذه المشاريع الناجحة تجاوزت حتى الحدود الاقتصادية التي رسمت لها لتحقق نموا ربما يؤهلها لتكون احد المشروعات الكبيرة، التي تدر ارباحا تتجاوز خطط تسديد اقساط القرض، وتوفير دخل دوري ثابت قادر على تغطية الاحتياجات الحياتية، ولقد عزا القائمون على امر تنفيذ هذه المشاريع عند صندوق المعونة او وزارة التنمية الاجتماعية، هذا النجاح الى ظروف موضعية قد تكون تتعلق بالمكان اضافة الى ما قد يكون الفرد صاحب المشروع الناجح هذا، تميز به عن غيره من اولئك الذين حازوا قروضا، ونفذوا مشاريع انتاجية صغيرة لكن الحظ لم يحالفهم، ففشلت مشاريعهم.. وانتكست برامجهم جميعها.
لا يكفي هنا ان نغلق ملفات هذه المشاريع باعذار عدم النجاح والفشل، ما دام هناك امامنا مشاريع مماثلة نجحت في اماكن اخرى وفي ظروف موضعية قد لا تكون مماثلة لكنها لا تختلف كثيرا، ان النجاح الذي حققته بعض المشاريع، مقابل عدم النجاح الذي واجه البعض او الغالبية الاخرى، يجب ان يدفع باتجاه دراسة ميدانية متعمقة تكتشف الاسباب الفعلية للنجاح هنا.. وللفشل هناك، حتى يمكن الاستفادة من اسباب النجاح هذه، والاتعاظ من اسباب الفشل تلك، فقاعدة تحويل الفقير او العاطل عن العمل، من عنصر مستهلك لانتاج الآخرين، الى اداة انتاج تنتج ما تحتاجه قاعدة ذهبية سليمة مائة بالمائة وليس بها من عيوب، وحين لا تنجح هذه القاعدة، فان العيب.. او العيوب ربما تكون في وسائل التطبيق او ادوات هذا التطبيق التي قد لا تكون تملك الكفاءة المطلوبة.
(نزيه..)