اليوم إذا قيل طائر، طار صوابك..فقد تساوى غناء العندليب ونعيق البوم بعد اندلاع فيروس أنفلونزا الطيور في العالم، وغدت زقزقة العصافير رمزا لإزهاق الأرواح. ودجاجة منفلتة في مكان عام تثير الذعر والتدافع. ومن الآن فطائرا، عفوا فصاعدا سيتغير المثل ليصبح: مليون على الشجرة أفضل من طائر في اليد!.
الحمام لم يعد رمزا للسلام، ولا مرسالا للمحبة والوئام، سيحكم عليه بالبقاء حبيس الأقفاص والأغنيات الكثيرة التي تتغنى في إيصال مراسيل الحب بين العاشقين.. فالحبيبة أغلقت كل نوافذها بالترباس حتى لا تصل إليها حمامة بيضاء أرسلها عاشق متهور لتسكب على مسامعها عبارات الاشتياق، وذلك خوفا من أن تنسكب في رئتيها أنفاس الحمام المعتل..أليس البريد الإلكتروني أفضل؟!!. ثم إن بعض الدول المحيطة بتركيا أصدرت مؤخرا قرارا يقضي بمنع إطلاق الحمام خارج أقفاصه إلى سماء تلك المدن والتي تسلكها باستمرار أسراب الطيور المهاجرة خشية اختلاط الحمائم بتلك الطيور واتخذت التدابير المحكمة لتنفيذ القرار. ومن هذا المنطلق سيضطر الكثير من الناس إلى إعادة النظر في عادة إطلاق الحمام في الأعراس مثلا، كي لا يولي المعازيم هاربين!.
وشر البلية ما يضحك..أحد الأصدقاء يستغل الموقف ويطرح فكرة لئيمة، فأفضل هدية تقدمها لحماتك اليوم قفص من الطيور المغردة أو زوجين من الحمام!. وشخص آخر يروي لي أنه تلقى مؤخرا اتصالا هاتفيا من صديق له في بانكوك عبر له عن شماتته بعد أن أصبح فيروس أنفلونزا الطيور، الذي انطلق من الشرق الأقصى، على مرمى حجر منا وعلى غرار بيت الشعر القائل:
فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا
هناك وجه آخر لهذا المرض لم يتطلع إليه أحد، فليس الخوف فقط من انتشار عدوى فيروس أنفلونزا الطيور بعد أن تمكن من اختراق الحاجز النوعي من الطيور إلى البشر أو أنه قد يتسبب بوباء عالمي، لا سمح الله، يتكبد العالم لأجله الخسائر البشرية والاقتصادية الهائلة؛ الخوف أيضا أن نستيقظ يوما لندرك أن العالم أصبح خاليا من هديل الحمائم، فينقطع غناؤها صباحا وتسبيحها مساء. كيف هي نكهة الصباحات حين لا توقظنا زقزقة العصافير على أعتاب نوافذنا وتتعرى الأشجار من زينتها؟ وهل يكون البحر بحرا حين لا نرى النوارس تداعب غيماتنا فوق أمواجه وصواري مراكبه؟ قد تبدو الحياة قاسية إن نحن أعدمنا الطيور التي تلون فضاءاتنا وينعش غناؤها أرواحنا.. فما طعم الفجر من دون صياح ديك فوق سطح المنازل وبقبقة دجاجات، وهل سنفقد البلابل المحلقة في السماء وتتنكر الألوان لريش الببغاء، ويصمت الشعر..ويحزن الربيع يوم تأبين الجمال ؟
[email protected]