التداخل بين الأنواع الأدبية شهدت الساحة الأدبية الأردنية قصصا تمزج بين فن القصة والفنون الأدبية الأخرى، قصص تسترجع عبق التاريخ وتمزجه بروح الانسان في حاضرها ومستقبلها الذي تستشرفه، وتحدث نقلة خطيرة في فن القصة التقليدي الذي كان يتكئ على بداية وحبكة ونهاية لتلبسه شكلا آخر مجزأ الأوصال والحواشي، يتكىء على الصعود والهبوط، بدلا من الانطلاق من الصفر إلى قمة الهرم وذروته، ومن ابرز الكتاب الذين ابدعوا على هذا الصعيد:
د. سليمان الطروانة في مجموعته: مقامات التحولات 1995، رفقة دودين في مجموعتها: قلق مشروع 1991، سعود قبيلات في مجموعتيه: في البدء ثم في البدء أيضا 1981 مشي 1994، وزياد بركات في مجموعته: سفر قصير الى آخر الأرض 1993.
يقول الدكتور سليمان الطراونة في مقدمة مجموعته القصصية «مقامات التحولات»: (هذه المجموعة المقامة شبه القصصية مصابة بحمى الاستماتة لأن تكون مجموعة ملاحم متراكبة، ذات مذاق شعري مقامي كهنوتي رؤيوى اسطوري، لذا أخذت هذه المجموعة النصية بالتركيز المفرط وبالفقرات الجامحة، زمانيا ومكانيا وحضاريا، فهي تفاريق مجتمعة، ومجموعة متفرقة، فتباريح المشترك لاتبارحها، وتشعب المختلف منبت في شعبها الهوائية، فكل مقامة تكاد ألا تكون الا تفارق أجزاءها ليست جزءا من ذاتها ظاهريا) ويضيف: (فالتناص المحموم بحرب الخليج، وارهاصات محادثات السلام ليس مجرد نثارة لشتى معارف الحضارة، وانما صرخة مشبعة بالاستجارة من الضياع في معمعان النشارة المتناثرة.. فالنصوص السامية والعربية والاسلامية والمسيحية واليهودية والعالمية، الأدبية والأسطورية والتاريخية والدينية، المنصوص عليها وغير المنصوص عليها هنا، تسكن في نخاع هذه المجموعة النصية.
المشاهد واللقطات السينمائية
ضمن رغباتهم الجامحة في إحداث نقلات موضوعية وجمالية في قصصهم، لجأ عدد من كتاب القصة القصيرة في الأردن للكتابة ضمن اسلوب جديد غير مسبوق، يتمثل في اسقاط بعص العناصر الخاصة بفن السينما على المشاهد والوقائع الحياتية التي يعكسونها في قصصهم، ويعود سر نجاحهم الى خوضهم في تجارب كتابة النصوص الدرامية والسيناريو لعدد من الافلام والمسلسلات والسهرات التلفزيونية، ومن أبرز الكتاب الذين انعكست المشاهد واللقطات السينمائية في قصصهم:
يوسف يوسف في مجموعته: الطائر المفقود 1985، بسمة النسور في مجموعتيها: نحو الوراء 1991 اعتياد الأشياء 1994، صباح المدني في مجموعتها: سهرة على شرفة القلق 1997، عدنان مدانات في مجموعته: العمر الجميل 1997، محمد طملية في مجموعاته: جولة العرق 1980 الخيبة 1981 ملاحظات حول قضية أساسية 1981 المتحمسون الأوغاد 1986، عباس أرناؤوط في مجموعته: الماء وركض 1995، عزمي خميس في مجموعته: جلبة في الممر 1995.
وكنموذج على هذه المشاهد واللقطات الدارمية في الأعمال القصصية الاردنية، نتوقف عند هذا المقطع من قصة (مشاهد من حياة إشارة مرور) للقاص عدنان مدانات المنشورة في مجموعته القصصية (العمر الجميل) والتي قسمها الى (6) مقاطع حيث جاء في الأول منها: (تتوقف السيارة عند إشارة مرور شارع المحطة. الوقت ظهرا والإزدحام على أشده. يندفع أحد الباعة الصغار نحو السائق ليبيعه العلكة. يشيح السائق بوجهه نحو اليمين متجاهلا دعوات الفتى له ولأولاده بالخير. على الرصيف المقابل توجد صيدلة وقرب مدخلها ميزان لاستخدام العموم. يلفت انتباه السائق رجلان يتناقشان بانفعال قرب الميزان. بيد أحدهما جنزير مربوط به قرد صغير. القرد ملهي باللعب على الميزان، يتسلقه ثم يقفز ويكرر العملية. يسمع السائق صرخة فرحة من الفتى البائع على يساره. يتلفت نحوه فيراه وقد اندفع جذلا، مبتعدا عن السيارة ووقف قرب القرد يراقبه بفرح).
اللوحات القصصية
مارس بعض كتاب القصة القصيرة في الأردن الفن التشكيلي، فانعكس عطاؤه على قصصهم، فتناولوا أحداثا ممزوجة بشكل غير طبيعي، وكان طموحهم ان يعيدوا ترتيبها وتسلسلها بشكل منطقي يوازي ما هو معروف ومألوف في واقعنا، وخير من يمثل ذلك القاص والفنان التشكيلي محمد الجالوس في مجموعته القصصية (ذاكرة رصيف) حيث جاء في قصته: (شيء مما قاله الرجل): (ارتجفت في يدي الفرشاة، كمية الألوان التي اندلقت فوق القطعة القماشية توزعت ظلالا ساكنة للكتل المتراصة في وسط اللوحة، المساحة ما زالت غامقة، مزيج من التدرجات اللونية القاتمة، وخطوط متشابكة بأشكال شاقولية تتبعثر في الزوايا، ضغطت على الفرشاة اكثر وحركتها باتجاهات مختلفة، تتداخل التدرجات وتختفي في الكتل فوضى الألوان).
ومن أبرز الكتاب الذي تتضح اللوحات القصصية في مجموعاتهم:
زهيرة زقطان في مجموعتها: أوراق غزالة 1986، ليلى الأطرش في مجموعتها: يوم عادي 1998، وليم هلسة في مجموعتيه: الجدران المثقوبة 1981، الرحيل الى الداخل 1997.
الميثولوجيا
استوعب كتاب القصة القصيرة في الأردن، كما هائلا من المخزون الأسطوري، فأعادوا توظيفه وتشكيله وبنائه وتفكيكه، بشكل أضفى عليه دلالات معاصرة دون أن يأسرهم سحر الأسطورة، او المكان او الزمان الذي ظهرت فيه والكيفية التي تم تقديمها به، ودون أن يؤثر ذلك على النسيج القصصي عندهم، فهم يكتبون بوعي، يسيطرون من خلاله على المواقف الميثولوجية ويضفون عليها من روحهم المعاصرة، ومن ابرز كتاب القصة الذي انعكس ذلك في قصصهم:
مفلح العدوان في مجموعتيه: الدواج 1995، الرحى 1997، محمد طحيمر في مجموعته: اواكس 1998، محمد خليل في مجموعته: ذات مساء في المدينة 1986، نبيل عبد الكريم في مجموعته: الصور الجميلة 1996.
يقول القاص مفلح العدوان في أحد مقاطع قصته (سفر الدواج) المنشورة في مجموعته القصصية (الدواج) الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق، والتي قسمها الى (13) مقطعا: (في ذاكرة العجائز.. حيث مشجب التاريخ، ومستودع التراث، يعيش الدواج بائعا متجولا.. يحمل البضائع بين القرى حينا على دابته، وأحيانا أخرى يحملها «بقجة» على ظهره دون تعب.. ومعها ينقل الأخبار والرسائل. أما هنا.. فيعود الدواج فينيقا.. وتبعث عنقاء التراب عذراء كما كانت أول مرة.. ويلكز القرى بعصاه لتصحو كرة أخرى.. ثم يدوج.. يدور.. ويمسح السناج عن الذرة ليوقظ الفجر.. فيتململ التراب).
القصة التسجيلية
وخاض بعض كتاب القصة المحليين غمار هذا النوع من القصص التي لا تعني الكتابة الانشائية او الخواطر والوجدانيات العابرة بقدر ما تعني الجديد، والابداع في اطار المعروف والمألوف، مما يضمن للكاتب مقدارا من الحركة والحيوية في اثناء التعبير عن وقع الوجود على وجدانه، وقد شاع هذا النوع من القصص لدى عدد من كتاب القصة الصحفيين ومنهم:
ابراهيم جابر في مجموعته: وجه واحد للمدينة 1996، طلعت شناعة في مجموعاته: واحد خارج القسمة 1987،نصوص الشوارع 1992، حارة الياسمينة 1995، مصطفى صالح في مجموعته، الجراد 1981 محمد مشه في مجموعاته: حبك قدري 1984 همسة في زمن الضجيج 1989 الولد الذي غاب 1995، وليد البدوي في مجموعته: في الجانب الآخر 1984، فواز الحموري في مجموعته: حيث لا يوجد ضجيج 1996.
وكنموذج على هذا النمط، نقتطف بعض ما ورد في المقطع الأول من قصة (الركض تحت أزير الرصاص) للقاص طلعت شناعة المنشورة في مجموعته القصصية (حارة الياسمينة) والتي قسمها الى (4) مقاطع) :(لـم أنم ليلة أمس.. ظلت عيناي تحملقان في شاشة التلفاز الجامدة. زوجتي لم تحتمل مناظر القتل التي يقوم بها الجنود المتوحشون. قالت: لماذا يعرضون مثل هذه الأفلام.ثم تركتني اتابع الأحداث وحدي كان ثمة صوت يشبه ازيز الرصاص يخترق جدران البيت. رأسي حسبته قنبلة معدة للانفجار. ولم أوقظ زوجتي. وعلى وجه الدقة، لم أجرؤ على فعل ذلك.فالمجنون وحده من ينهض امرأته من سباتها ليحدثها عن أشياء تلوح له. لكن الصوت ظل يدق جمجمتي وبشراسة طوال الساعات المظلمة. قمت الى المطبخ فكرت بكوب الماء البارد. قلت: لعله يخفف غليان الجسد. تراءت لي أعقاب الطلقات النحاسية بين الأطباق والملاعق. وبرزت لي السكين مسنونة وحادة).
القصة السيكولوجية
وإبدع عدد من كتاب القصة الأردنية قصصا تمتاز بسعيها الدائم من أجل رسم خواطر الانسان الداخلية، وكانت قصصهم تشبه آله التصوير التي تلقي المشاهد للمتلقين، مما خفي عنهم او غاب عن ابصارهم.
ومن ابرز كتاب القصة الذين كتبوا ضمن هذا النمط من القصص: القاص عدي مدانات في كل قصصه وراياته، حيث يعتبر أستاذا للجيل في كتابة هذا النمط من القصص، وذلك لأنه يتفنن في الكتابة عن الروح والنفس والعوالم الداخلية والعقل الباطن بصورة لم يكتب بمثلها أحد، والقاص جعفر العقيلي في مجموعته:ضيوف ثقال الظل2002، سمير نصار في مجموعتيه: تموجات ملتهبة 1989، وقال الطائر الذبيح لا 1996، نازك ضمرة في مجموعتيه: لوحة وجدار 1994 شمس في المقهى 1996، تغريد قنديل في مجموعتيها ارملة الفرح 1995 غادة البحر 1997، محمد جميل خضر في مجموعته: كانون الثالث 1995، وعائشة الرزام في مجموعتيها: الأسير 1984 الى فلسطين 1991.
جاء في قصة «جعفر العقيلي»: (الجولة الأخيرة) المنشورة في مجموعته «ضيوف ثقال الظل»: (صدقني يا رضوان، إن «عشـرت» البقرة هذه المرة، ستنال الإيجار الذي تريده، قبل آخر الشهر، وسيكون «الحلوان» من نصيبك، فادع الله معي، لعل وعسى.
قضى ابو عقاب، بكياسته المعهودة، ونبرته الواثقة ـ على تذمر رضوان، سائق السيارة، عندما كرر على مسامعه هذه الكلمات التطمينية، التي تعود عليها، منذ لم يعد قادرا على دفع إيجار السيارة التي ينقل فيها بقرته ـ سيئة الحظ ـ للمرة الرابعة، وبالدين، أملا في أن ينجح ثور الحاج عيسى المشهور بفحولته في «تعشيرها»).
الاسترجاع المزجي
يستخدم الاسترجاع في القصة عادة لتفسير مسار الحدث، ويكون في الافتتاحية، او عند ظهور شخصية جديدة في القصة للتعرف على مافيها وعلى طبيعة علاقاتها بالشخصيات الأخرى.. وقد مارس كتاب القصة الأردنية الكتابة القصصية التي تمزج بين الاسترجاع الداخلي الذي يعود الى الماضي في إطار السياق النصي، اي ما يلحق لبداية النص، والاسترجاع الخارجي الذي يسبق بداية النص، ومن ابرز الكتاب الذين استخدموا هذا الاسترجاع المزجي في قصصهم:
جمعة شنب في مجموعاته: للأرض جاذبية أخرى 1980 الرسالة الأخيرة 1982 موت ملاك صغير 1984، ومنذر ابو حلتم في مجموعته للبحر وجه آخر 1997، وغنام غنام في مجموعتيه: قف للتفتيش 1987 من يخاف 1988، ومحمد القواسمة في مجموعته: التوقيع 1992، واحمد النعيمي في مجموعته: خطوة أخرة 1996، واميمة الناصر في مجموعتها: ارجو الا يتأخر الرد 1994.
يقول القاص أحمد النعيمي في قصته (أثر) المنشورة ضمن مجموعته (الوسيط والمعمعة) الصادرة عن دار الينابيع :(من يعرف قيمة الاثار، يعرف معنى أن يترك أثرا، وأحيانا لا يشترط في الأثر الذي يتركه الإنسان ان يكون إيجابيا، فالأثر هو الأثر، سواء أكان آلة حربية تستخدم لقمع الآخر، واحتلاله، ام تمثالا مثل عشتروت يرمز الى الحب والعطاء والجمال.. بل إن أكثر الآثار التي تركها الإنسان كانت أدوات ليس للخير فيها نصيب كبير، فمن النبال والسهام، والرمح والترس والسيف الى البندقية والمسدس، ومن المنجنيق الى المدفع والدبابة والصاروخ.. ولأني أعرف قيمة الأثر، فإني أحاول الآن أن أترك هذه الأوراق خلفي.. غيابي سيكون طويلا.. طويلا جدا.. وربما يقبضون علي أو أموت فلا أعود أبدا.. وهذه الأوراق قد تكون آخر آثاري، ولعلي بذلك أحاول أن أفعل مثلما فعل أفلاطون وأرسطو حين تركا على هذه الأرض ما يذكر الناس بهما الى آخر الزمان.. وليس مهما أن ما قدمته كان سلبيا، وما قدماه كان إيجابيا، فالأثر هو الأثر).
الزمن الدائري
تجاوزت بعض القصص الأردنية في الآونة الأخيرة الزمن التاريخي الذي يمثل ذاكرة البشرية، ويسقط خبرة الانسان على خط الزمن العام بثوابته وقياساته، كما تجاوزت الزمن الكوني الذي تميز بخاصية التكرار اللانهائية، ودخل في اطار المفهوم الدائري للزمن، وركزت هذه القصص على الزمن النفسي الذي لا يخضع لمعايير خارجية، او مقاييس موضوعية، حيث تتداخل الأزمنة في وعي الشخصية وتتدفق كنهر، ويكون المونولوج اطارا تتداخل فيه عناصر الزمن، والصور والرموز والاستعارات لتصوير الذات في تفاعلاتها معه.
ومن أبرز كتاب القصة الذين ابدعوا على هذا الصعيد:
ماجد شاهين في مجموعته: اجراس 1997، وسمير الشريف في مجموعته: الزئير بصوت مجروح 1994، وصالح القاسم في مجموعته: بابا والبطيخ 1993، وحسين العمري في مجموعته: الشواطىء المقهورة 1997.
يقول القاص ماجد شاهين في المقطع الرابع من قصته (فنجان قهوة) المنشورة في مجموعته القصصية (دوائر القلق): (تبدو أشياؤه مضجرة. كان احساسه بالأشياء مرا.. في البيت. في الشارع. في مفردات الصحف وأخبارها. في العمل كذلك.. كانت إبتساماته تنحسر يوما بعد يوم. لاذ بالصمت حينا وبالسخرية أحيانا كثيرة.. نغلت صدره الأوقات المتكررة، كانت الشياء تعيد ذاتها.. اليوم.. النهار.. الليل، كانت جميعها صدى لأصوات مكدودة.. يحس أنه مجرد شخص ما، حشرته الأيام في صندوق القلق، أو الإنتظار.
الفانتازيا
تضمنت بعض المجموعات القصصية قصصا تحمل لواء الثورة المضادة للعقلانية وترفض حدود المنطق العقلي التقليدي، وتنطلق من قيود الحياة اليومية المحدودة، إلى ايحاءات عالم ما فوق الطبيعة المادية، وهي قصص تغلب عليها الضبابية والغربة والتفكك، ويهدف كتابها الى التعبير عن الفوضى الحضارية والفكرية التي تعم حياتنا المعاصرة، والتي ترفض الاعتراف بالأمور الواقعية التقليدية، ومن أبرز كتاب القصة الذين استخدموا الفانتازيا في قصصهم:
عبد الله الشحام في مجموعته القصصيتين: لا أقسم بالشمس 1984 الآله الصندوق 1985، عمار الجنيدي في مجموعته القصصية: الموناليزا تلبس الحجاب 1998، سعيد الخواجا في مجموعته القصصية: اللافتة 1996، هاني الطيطي في مجموعته: ثلاثية.. الوقت.. ص 1994.
يقول القاص عبد الله الشحام في مجموعته القصصية (لا أقسم بالشمس) الصادرة عن دار الكرمل، ضمن قصته (مدحلة في رأس عصفور): (آخر ما سمعته: أن امرأة افتقدت ابنها فلم يعد. انتظرت اسبوعا ولم يعد. اخبرت الشرطة ولم يعد. كان ابنها معلقا في دكان الجزارين في كلاب حديدي، وقد اختفت ملامحه البشرية تماما. وبيع الابن للناس كأي خروف طازج من المسلخ. وماتت الام حزنا على ابنها. فلم يدفنوها، باعوها لعمي، فعلقها في الدكان، وباعها على انها لحم مستورد).
تطويع اللغة
مارست بعض القصص الأردنية الاحتيال على لغة العشاق، بكل ما تتمتع به من شفافية وتشويق ودغدغة للعواطف، فلوت عنقها لتستجيب للدفق القصصي المنساب بحرية، حيث لا يعكر صفوه اي تكلف، والمندفع بقوة، بحيث لايخدش كبرياءه اي تصنع، اتضح ذلك في قصص كل من:
حنان بيروتي في مجموعتها: الشارة حمراء دائما 1993، تيسير ابو ارشيد في مجموعته: الضوضاء 1995، وليد سليمان في مجموعته: على سور المحطة 1997، منيرة شريح في مجموعتها: لحظة انتباه 1989، سهير التل في مجموعتها: العيد يأتي سرا، حزامة حبايب في مجموعاتها القصصية: الرجل الذي يتكرر 1992 التفاحات البعيدة 1994، شكل للغياب 1997، خلود جرادة في مجموعتها: للمدينة وجه آخر.
تقول القاصة حنان بيروتي في قصتها التي تحمل عنوان (نبض واحتضار) المنشورة في مجموعتها القصصية: (الاشارة حمراء دائما) الصادرة عن دار الينابيع: (أمي توقظ في خوفا يخبو مع تفتح الشباب في جسدي، وجوه تقرع بابي، الصور تحاضرني، أتراجع.. حواسي فأر حذر يتلصص، ألتصق بالجدار، إنسان مبتور الحياة، ثمة همسات، ضحكات مكتومة، أتعملق ماردا من عطش ووجع، أتسرب.. أفصل جسديها بقسوة... ثمة ظل لرجل ما، يرقبني باسما، فاتحا ذراعيه، ظلال ارجوانية مبهورة تصبغ المكان، تموج اللحظات، تحاصرني شهقات أمي المكتومة، تستطيل جدارا، صراخ أبي يشظيني، عبثا ألم نفسي لأرحل اليه، أتكئ عليه غربة العمر، تنغرس الصور في من الداخل أقف مرتعبة يتلاشى هو ببطء وألم، وأنا مبتورة الأطراف، أرقبه، يغيب، وحيدة، وحيدة، في غرفة يتيمة).
التجريب
رغم مرور اكثر من أربعين عاما على بدايات عمليات التجريب التي مارسها كتاب القصة القصيرة في الأردن على فن القصة للوصول الى نصوص قصصية تحقق تطلعات المبدعين وتشعرهم ان ساحتهم قادرة على إنجاب النصوص القصصية المكتملة موضوعيا وجماليا والتي توازي في مستوييها الموضوعي والجمالي القصص العربية والعالمية المتقدمة، الا ان كتاب القصة في الأردن ما زالوا ماضين في عمليات التجريب هذه.. ومن أحدث ما لجأوا اليه إبانها:
أ - تضمين القصة القصيرة قصصا مكثفة، علما بأن القصة لا تحتمل الكثير من الاقتباس، او التناص، أو التضمين، وقد اتضح ذلك في قصص:
غسان عبد الخالق في مجموعتيه: نقوش البياض 1992 ليالي شهريار 1995، يحيى القيسي في مجموعتيه: الولوج في الزمن الماء 1990 رغبات مشروخة 1997، انتصار عباس في مجموعتها: للشمس جنون آخر 1998، مجدولين ابو الرب في مجموعتها: تشرين لم يزل 1995، منذر رشراش في مجموعتيه: زوربا يقتحم البحر 1996 اختلاط الليل والنهار 1993.
ب ـ كتابة القصة المكثفة، والتي يطلق عليها اسم «القصة البرقية»، وكانت فيما مضى تسمى الأقصوصة أو الاسكتش، ومن ابرز كتاب هذا النمط من القصص:
سامية العطعوط في مجموعاتها: جدران تمتص الصوت 1986 طقوس انثى 1990 طربوش موزارت 1998 وكوثر عياد في مجموعتها: رجل في متاهة.
ج ـ طول النفس، فبعض القصص ذات نفس ملحمي روائي طويل، ولا يقل عدد صفحاتها عن 30، وتتشعب فيها الأزمنة والامكنة، وتتكاثر الشخصيات، بشكل يكاد يخرجها عن نطاق القصة، اتضح ذلك لدى كل من:
سحر ملص في مجموعاتها: شقائق النعمان 1989، ضجعة النورس 1990، مسكن الصلصال 1995، وامين عودة في مجموعتيه: تحولات مصطفى جابر 1991 الرنين 1992، وممدوح ابو دلهوم في مجموعاته: ابتسامة خاطئة 1972 اغتيال مدينة 1988، عشاق النهار 1989، احجار امية 1995.
وتمتاز هذه الحقبة بما يلي:
- صدور مجموعات قصصية عربية عن مؤسسات محلية،منها الدائرة الثقافية في أمانة عمان الكبرى التي أصدرت خلال العامين 2002و2003 ما يلي: (مئة عام من الحكي: مختارات عربية، القصة القصيرة، مصر، إعداد محمود الورداني)، (منتخبات من القصة القصيرة الجزائرية، جمع وتقديم ابراهيم صحراوي)، (مختارات من القصة الفلسطينية، جمع محمود شقير)،(مختارات من الشعر والقصة في اليمن، عبدالعزيز المقالح).
- صدور مجموعات قصصية أجنبية منها(قصص ذات مغزى في الأدب العالمي) ترجمة هانيا العايد، عمان2003، و(حمامات ايليا: قصص ألمانية) التي جمعها وترجمها علي عودة.
- إصدار بعض كتاب القصة العرب مجموعات قصصية في المملكة، ومنهم: علي السوداني، عبدالستار ناصر، هدية حسين.
- صدور بعض المجموعات القصصية التي أعدها أفراد، من مثل مختارات من الأدب القصصي الأردني الحديث، التي جمعها فهد سلامة، والمجموعة القصصية النسوية التي ترجمها فهد للانجليزية أيضا، ثم مجموعة «63 قصة قصيرة جدا..ماذا يقول العاشقون» التي أصدرها محمود ابو فروة الرجبي، أمين دراوشة، محمد حافظ جبر عام.1998
- صدور مختارات قصصية محلية عن مؤسسات منها: وزارة الثقافة، أمانة عمان الكبرى، رابطة الكتاب الأردنيين.
- صدور الأعمال القصصية الكاملة لعدد من أبرز كتاب القصة المحليين منهم: هاشم غرايبة، يوسف ضمرة، فخري قعوار، محمود الريماوي، فايز محمود، يوسف الغزو، سالم النحاس.
- استحداث احتفالات توقيع المجموعات القصصية المتميزة التي تصدر في المملكة.
- استحداث نشر الدراسات النقدية المكتوبة عن قصص قاص بعينه في كتب، منها كتاب قمر القدس الحزين «عن قصص خليل السواحري»، وكتاب فخري قعوار ثلاثون عاما من الابداع.
- نشر رسائل الماجستير الخاصة بالقصة المحلية (سناء الشعلان حيث تناولت اطروحتها للماجستير الفانتازيا في القصة المحلية)، (يارا هاشم، اطروحتها عن قصص فخري قعوار).
- صدور كتب نقدية خاصة بفن القصة الأردنية منها: رؤى نقدية في القصة القصيرة: زياد ابو لبن، المآل: دراسة تأويلية في نماذج من القصة القصيرة في الأردن: حكمت النوايسة.
- صدور كتب عربية خاصة بفن القصة العربية، منها كتاب ناديا خوست: مسار الواقعية في القصة السورية، أمانة عمان2002.
- بعض كتاب القصة كتبوها لمرة واحدة، مثلما فعلت أمينة العدوان في قصتها سعادة المدير، المنشورة في الملف الثقافي عام 1978، وانتقال عدد من كتاب الرواية إلى القصة القصيرة، والعكس. وظهور روايات تتكئ على قصص قصيرة، يتم جمعها معا، لتصدر في رواية، الأمر الذي ظهر في روايات: غالب هلسا، ماجد غنما، سالم النحاس، ثم انتقال عدد من كتاب القصة للاقامة خارج المملكة من مثل: سمير اسحق، منذر رشراش، محمود شقير، وغيرهم.ثم امتزاج قصص الكبار بقصص الصغار أحيانا، وإصدار كتب حول القصة الطويلة (الأمر الذي فعله د.محمد عطيات) وحول (القصة القصيرة جدا، الأمر الذي تفعله نهلة الجمزاوي).
[email protected]