(3-3)
2. 7: ليون سوملآيل:
في دراسته (التناصية والنقد الجديد)، يعرض ليون سوملآيل - Lon. Somville، لعدد من منظري التناص في الحقبة البنيوية ويناقشهم، ويبدأ بجماعة تيل كيل التي رفعت شعار (الكتابة) في مقابل (الأدب)، انطلاقا من أفكار ماركسية وفرويدية، فيناقش كريستيلآا. ثم يناقش ميشيل آريلآيه - Arrive، الذي درس لغة جاري ذ Jarry ، والذي قال ان (المادة المعطاة هي النص، والمادة البنائية هي التناص)(47). ويقول سوملآيل إن تعريف لغة الإيحاء في الأدب يعود في صيغته الأكثر كمالا إلى هيلمسليف ذ Hjelmslev ، (إننا نعرف لغة الإيحاء بأنها لغة ليست علمية. لكن واحدا من وجهيها أو الاثنين معا، هما، لغات ...). ويعلق سوملآيل قائلا إنه (يمكن للتناصية أن تعمل على وجهين مختلفين هما التعبير والمضمون ذ يمكن لنص ما أن يحمل في مضمونه نصا آخر)(48) ثم يناقض الباحث، تودوروف في كتابه عن باختين، مقارنا بين باختين وجاكوبسون. ثم يناقش أطروحات أخرى لتودوروف في كتبه الأخرى، حين يخصص تودوروف (الرمزية اللسانية) لمجال المعاني غير المباشرة، و(رمزية اللغة) لدراسة هذه المعاني. ثم يناقش الباحث، ميشيل ريفاتير (إن تصور النص كمحول للتناص، يعني تصوره كذروة الكلام، أي كنص أدبي). و(يخبئ النص المقروء نصا آخر)(49). ثم يناقش الباحث، جيرار جينيت في مفهوم اتساع النص. ويختتم بحثه بالقول: (إن الدراسات التناصية ... ستكون مكرسة لإنشاء العلاقات بين عمل وعمل، وبين نوع ونوع حسب معايير التحويل أو المحاكاة) (50).
2. 8: بيير مارك دوبيازي
يعرض بيير مارك دوبيازي Pierre Mark de Biasi ، لأبرز ممثلي التناص في الحقبة البنيوية منذ النصف الثاني من الستينيات، ومنذ كتاب (النظرية الجامعة) عام 1968، الذي شارك فيه عدد من المفكرين البنيويين. لقد درست كريستيلآا - يقول الباحث ذ الرواية القروسطية لضبط ما يجب فهمه من التناصية (تفاعل نصي يحدث داخل نص واحد، ويمكن من التقاط مختلف المقاطع أو القوانين لبنية نصية بعينها، باعتبارها مقاطع أو قوانين محولة، من نصوص أخرى)(51)، لأن كريستيلآا التي انطلقت من تحليل تحويلي ذ يقول الباحث ذ وجدت نفسها مضطرة لإضافة فرضية التناصية للوصول إلى الاجتماعي والتاريخي الذي يتعذر بلوغهما من خلال الجهاز القائم على ثنائية (الدال/ المدلول، تحول الدال/ ثبات المدلول). فالتناص يموضع البنية الأدبية في المجموع الاجتماعي المعتبر كمجموع نصي. يضيف الباحث دوبيازي إن كريستيلآا تصل إلى خلاصة تقول ان (الترابط النصي الذي يغير معنى كل واحدة من عباراته بإشراكها في بنية النص يمكن طرحه كمجموع ازدواجي يشكل مقاربة أولى لما كانت عليه الحدة الخطابية في عصر النهضة). ثم أعطت كريستيلآا مصطلح ذ إيديولوجيم، لهذه الوظيفة التي تربط بنية أدبية ملموسة (رواية مثلا) ببنيات أخر (خطاب العلم مثلا)(52).
وأصبح مفهوم التناص منذ عام 1976: هو النص الذي يمتص عددا من النصوص مع بقائه ممركزا على معنى، لكن ميشيل آريلآيه يقترح تعريفا علائقيا أكثر اتساعا: (هو مجموع النصوص التي توجد في علاقة تناصية)، أما ريفاتير فيرى في مفهوم التناص، (النص المحال عليه)(53).
ويقول الباحث إن التناص والتناصية يصلان مرحلة النضج اعتبارا من العام 1979: في كتاب ريفاتير (إنتاج النص 1979) ومقال (الترابط التناصي) في مجلة الشعرية عام 1979، ومقال (أثر التناص) في مجلة «فكر» 1979، وكتاب (سيميوتيقا الشعر) عام 1982. يصبح التناص (هو إدراك القارئ للعلاقات الموجودة بين عمل وأعمال أخرى سبقته، أو جاءت تالية عليه)(54) وأدى الاتجاه الذي تبعه ريفاتير إلى المطابقة بجرأة بين التناصية والأدبية: (التناصية هي الآلية الخاصة للقراءة الأدبية، وهي وحدها في الحقيقة، التي تحدث (التدليل)، في حين أن القراءة الخطية، المشتركة بين النصوص الأدبية وغير الأدبية لا تنتج إلا المعنى).(55) ويشير الباحث إلى أهمية دراسة أنطوان كومبانيون ذ A. Compagnon (اليد الثانية أو عمل الاستشهاد) الصادر عام 1979، وهو أول دراسة موسعة ومنظمة للتطبيق التناصي للاستشهاد. متصور كإعادة لوحدة مقتبسة من خطاب أول في خطاب ثان، الاستشهاد هو إعادة إنتاج لقول (النص المستشهد به) مقتبس من النص الأصل (نص _ 1( بإدراجه في نص الاستقبال (نص _ 2).
يقول كمبنيون: (كل كتابة هي كولاج وتعليق، استشهاد وشرح)(56) ثم يناقش الباحث دوبيازي، كتابات جيرار جينيت. ثم يشير إلى أطروحة آنيك بوياغيه Bouillaguet، عام 1988، التي أبرزت إمكانية تنظيم مجال تعريف الاقتباس التناصي عن طريق تقاطع مفهومي (الحرفي والواضح): (الاستشهاد هو اقتباس حرفي وواضح، والانتحال اقتباس حرفي ولكنه غير واضح، والإيحاء اقتباس غير حرفي وغير واضح)(57). ويختتم دوبيازي بحثه بالقول: قد يكون البحث في - ما قبل النص ذ عن كيفية تكون الاقتباس عند إنجاب النص، عن الكيفية التي يتم بها تملك الاستشهاد والانتحال والإحالة والإيحاء، وإدماجها في فضاء النص الذي يخرج إلى الضوء، لأن فهم التناصية في هذا البعد الثالث للنص بعد إنتاجه، هو بلا شك الأفق المفتوح أمام النقد الأدبي (58).
2. 9: ميشيل آريلآيه
يقول ميشيل آريلآيه - M. Arriv، بأنه بعيدا عن أن يغلق النص على نفسه ذ أو على بنيته الخاصة أو إنتاجيته الخاصة ذ فإنه ينفتح على نصوص أخرى. علاقات التناص يمكن أن تأخذ بطبيعة الحال أشكالا متنوعة. يمكن أن نفكر في تصنيفها وفق نمذجة النصوص التي تشتغل في التناص: نصوص شفهية أو مكتوبة، أدبية أو غير أدبية، نماذج إيقاعية ... يمكن أن نصنفها أيضا وفق مقاييس شكلية. نميز إذا بين الظواهر التي تحمل في النقد الأدبي التقليدي ذ يقول آريلآيه - أسماء: (الشاهد) ذ (الشاهد الذاتي) ذ (التمثل) - (السرقة): فالإيحاء السلبي المخصص للسرقة لا ينفصل عن مفاهيم (الكاتب) (والخلق الأدبي)، ولا نلقى له أثرا في السيميائية التحليلية. كذلك (المحاكاة) و(التأثير) ... الخ. لقد فكرنا في النهاية في وصف بعض العلاقات التناصية من خلال العناصر المستمدة من النحو التوليدي التحويلي (تحويل الإزالة ذ والتحويل السلبي). ينبغي في كل هذا أن نتجنب الوقوع في الخطأ ذ يقول آريلآيه - ذلك أن تعريف النص كتناص لا يتطابق مع دراسات (المصادر)، (الأصول) و(التأثير) ... الخ. تكتفي هذه البحوث بتسمية النصوص المتعالقة، دون أن تهتم بالأثر التحويلي الذي تمارسه نصوص على نصوص أخرى. فالنص في السيميائية البنيوية: مجموعة يؤلفها الخطاب، الحكاية والعلاقات القائمة بين هذين الموضوعين المحددين كطبقات دلالية مستقلة نسبيا، وقابلة للتنضيد في مستويات متعددة. أما النص في السيميائية التحليلية: عملية لسانية تجاوزية تتشكل في اللغة، وتكون غير قابلة للاختزال إلى المقولات المعروفة الخاصة بكلام التبليغ، الذي هو موضوع اللسانيات (59).
2. 10: خلاصة
يقابل مصطلح ذ التناص، المصطلح الفرنسي Intertextualit، أما مصطلح (Intertexte) فقد ترجمه بعض النقاد العرب بمصطلح (المتناص)، وبما أن مصطلح التناص قد أصبح أكثر شهرة واستعمالا، فنحن نأخذ به، رغم وجاهة المصطلحات الأخرى (التناصية ذ التداخل النصي ذ التعالق النصي ذ النص المتداخل ذ النص الغائب) وغيرها. وهناك إجماع نقدي أوروبي على أن البلغارية المقيمة في فرنسا ذ جوليا كريستيلآا، هي أول من صاغ المصطلح عام 6691، لهذا لا يمكن أن نجد دراسة واحدة يمكن أن تتجاهل تعريف كريستيلآا الشهير للتناص: (النص إنتاجية وترحال للنصوص وتداخل نصي، ففي فضاء نص معين، تتقاطع ملفوظات، مقتطعة من نصوص أخرى، بوساطة الامتصاص والتحويل)، وأضافت مصطلح «إديولوجيم»، لتربط البنية الأدبية ببنيات أخرى غير أدبية، لتخلق علاقة بين النص والخطابات الأخرى. وقد رأينا أن الخطاب أشمل من النص لكنهما يتداخلان ويختلفان. وقد ميز بارت بين العمل الأدبي ... والنص. وهو يسير على خطى كريستيلآا، حيث يؤيد مفهوم الإنتاجية، ويرفض مفهوم إعادة الإنتاج، فحسب بارت (كل نص ليس إلا نسيجا جديدا من استشهادات سابقة). وكانت كريستيلآا قد اعتمدت على مفهوم الحوارية لباختين (1929) الذي رأى ضرورة قراءة خطاب الآخر وخطاب الأنا، وأشار إلى مفهوم التفاعل النصي وتعددية الأصوات ... الخ.
ونحن نميل إلى أن تحديد إيستهوب لعلاقة النص بالخطاب هو الأكثر دقة. ثم رأينا كيف ركز لوران جيني في شرحه لمفهوم التناص، على (الهضم والتحويل والخرق): النص الذي يتشرب عددا من النصوص مع بقائه ممركزا بمعنى). وقد عدد لوران جيني أنماط التناص وتفاعل النصوص، لكنه وقع في تنميط شكلاني، في حين رأى ريفاتير أن النصية مركزها التناص، فالتناص بالنسبة له، آلية خاصة بالقراءة الأدبية، وهو يلتقي مع مصطلح أدبية الأدب الذي صاغه الشكلانيون الروس. أما جيرار جينيت فقد صاغ خمسة أنماط مما سماه التعالي النصي وجامع النص، وهي مجموعة المقولات العامة التي ينتسب إليها أي نص مفرد.
أما مارك أنجينو فقد رأى في مصطلح التناص كمعارضة سجالية لمفهوم البنية، في حين ركز سوملآيل على معايير التحويل والمحاكاة. أما دوبيازي فقد ركز على مفاهيم (الاقتباس وكيفية الاستشهاد والانتحال والإحالة والإيحاء وإدماجها في فضاء النص)، أما ميشيل آريلآيه فقد ركز على الأثر التحويلي الذي تمارسه نصوص على نصوص أخرى. وأشار كثيرون منهم إلى مفهوم (التلاص ذ Plagiat) القريب من الانتحال والاقتباس والإخفاء، حيث ظل التلاص مرتبطا بمفهومي السرقة والانتحال، وهو أيضا يشتمل على درجات مختلفة، أعلاها النقل الحرفي مع الإخفاء. (فالانتحال اقتباس حرفي ولكنه غير واضح) كما قالت آنيك بوياغيه. وبالتالي: فالتلاص يتداخل مع التناص،لكنه مصطلح فرعي أساسي،وله أشكال متنوعة، من وجهة نظر بعض النقاد. .
المراجع
47. ليون سوملآيل - مرجع سبق ذكره، ص 239.
48. نفسه ذ ص 240.
49. ليون سوملآيل، في كتاب (آفاق التناصية) ذ ص 112-113.
50. نفسه ذ ص 120.
51. بيير مارك دوبيازي: نظرية التناصية، ترجمة: الرحوتي عبد الرحيم، مجلة علامات، جدة، السعودية، عدد أيلول 1996، ص 130.
52. نفسه ذ ص 130-311.
53. نفسه ذ ص 313.
54. نفسه ذ ص 314.
55. نفسه ذ ص 314.
56. نفسه ذ ص 315.
57. نفسه ذ ص 318.
58. نفسه ذ ص 319.
59. ميشيل آريلآيه: في كتاب (السيميائية: أصولها وقواعدها ذ ترجمة: رشيد بن مالك، مراجعة وتقديم: عز الدين المناصرة، منشورات الاختلاف، الجزائر، 2002، ص 95-96.