عبدالله حجازي - عديدة هي الحالات التي قدمها النص القرآني، وهي تمر عبر صيغ الرحمة كما جاءت بها الآيات الكثيرة التي تحدثت عن «رحمة الله تعالى» يفيض بها على عباده، مؤمنهم بالدرجة الأولى وحتى كافرهم في ظروف خاصة، هذه الحالات التي صنعتها اشتقاقات، كانت تأتي دوما، بأبعاد جديدة لـ»الرحمة»، وتنقلنا الى اغوار اعمق لدلالاتها، بحيث تأخذ بيدنا كي نعي مقاصد «رحمتي وسعت كل شيء» هذه الصيغة التي اشارت بوضوح الى «مطلق» ابعاد الرحمة، ثم توالت بعد ذلك الصيغ التي تقدم لنا نماذج من مراحل اعماق واغوار الرحمة، هذه الاعماق التي كان يتحدد معها مع كل صيغة جديدة، تأتي تحمل أيّاً من مشتقات الرحمة.
ان «رحمتي وسعت كل شيء» التي قدمت بايجاز ابعاد المدى الذي وصلت اليه رحمة الله تبقى هي المرجعية في فهم وادراك دلالات لفظة «رحم» وما نتج عنها من مشتقات ويجب ان تبقى «رحمتي وسعت كل شيء» حاضرة في الوعي «وهو يقرأ أو يحاور ايا من الصيغ والآيات التي اشتملت أياً من مشتقات «رحم»، وحين نقف عند قراءة اي صيغة من هذه الصيغ فعلينا دوما ان نضع في اعتبارنا ان انفتاح نهايات هذه الصيغة او تلك انما تأتي على ان كلمة «شيء» مفتوحة النهاية يصعب ان لم نقل يستحيل ان تنتهي الى نهاية مغلقة، ذلك ان «شيء» مفتوحة على مكونات الكون كله.
وحين نقف عند قوله تعالى في الآية 58 من سورة الكهف:
«وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب».
نقف امام صيغة جديدة اخرى «ذو الرحمة» حيث نرى ان «رحمة» كما حملتها الصيغة هنا، جاءت مقدمة على ابواب نتيجة، قصدت اليها الاية هذه الاية التي جاءت في سباق حديث عن الايمان بما بعث الله تعالى به الى الناس من كتاب هو القرآن، الذي صرف الله فيه من الامثال والآيات ما كان يجب ان يحفز الى الايمان، لا الجدل والامتناع عن ايمان اراد الله تعالى له ان يتأتى عبر الهداية والوعي في اطار حوار يقوم على صياغة الدليل الملموس، حتى يأتي الايمان عبر وسائل ايضاح ماثلة للعيان الذي ينكره هؤلاء في الوقت الذي يتشبثون فيه باسانيد جدال باطلة تحملها صيغة استهزاء كما تحدثت آيات سورة الكهف السابقة لهذه الاية. من الاية 54 الى الاية 57.
ان «ذو» التي جاء هنا لتبين «صفة» الله تعالى، ان جاز لنا توصيفه عز وجل، اضطرار لتقريب المقصد وبيان الدلالة هنا، نقول ان «ذو» كما جاء هنا انما جيء بها لتبين ا لحال التي عليها «ربك الغفور» على طريق بناء النتيجة الكبيرة التي يستدعيها الامر هنا، هذا الامر الذي ابانته الآيات السابقات: فنحن هنا امام حالة يتنزل فيها قرآن صرف الله فيه الامثال، وامتنع الناس عن الايمان بما جاء به واعرضوا عن مطلوباته، فكان الاولى لهم «العقاب العاجل» لكن «ربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا». والله أعلم.
