خطاب العلم والتقدم .. جولة فـي طروحات د. إبراهيم بدران الفكرية

تاريخ النشر : الجمعة 12:00 24-6-2005
No Image

جعفر العقيلي - يمثّل د.إبراهيم بدران، ويتمثّل أيضاً، خطابَ العلم الحديث الذي يتميز بكونه تياراً عقلانياً نقدياً رصد وحلّل التأخرَ بشكله الجديد المركّب، أي التخلّف، الناتج عن الفجوة العلمية بين الشرق والغرب. ورغم أنه يدور في نطاق علم المستقبليات وفلسفة التاريخ، إلا أن هذا الخطاب يستند في تحليله وتركيب نتائجه على معطيات العلم والتكنولوجيا والمعلوماتية، لذلك، فإن أغلب دراساته تحفل بالبيانات والأرقام، بهدف الوصول إلى الموضوعية والضبط المنهجي.
ويتلخص مشروع د.بدران الذي طرحه بالتفصيل في إصدارته الفكرية والبحثية منذ مطلع السبعينيات، وأستعرض هنا بعض وجوهه، مستعيناً بما جاء في مخطوط «خطاب العلم والتقدم» ..
 يتلخص مشروعه في العمل على تأصيل الثقافة العربية ورفع مستواها، وتخليصها من الخرافة والميتافيزيقيا، وتحويلها إلى ثقافة إبداعية خلاقة، تتماهى بالحضارة المعاصرة؛ حضارة الإنجاز والتحقيق والفعل الخلاق.
مشروع النهضة
وكما تكشف طروحاته، فإن جوهر المشروع الفكري للدكتور بدران هو حماية الفكر والفلسفة من التقليد والخرافة، دون تعسّف في رفض العلوم الإنسانية أو نبذها بحجة ترسيخ العلم الطبيعي والتطبيقي كما فعل مفكرون عرب آخرون (شبلي الشميل على سبيل المثال). ويرى د.بدران أن العقل والعقلانية الحديثة ثمرة من ثمار العلم ونتيجته، رادّاً فشل المشروع الحضاري العربي قديماً إلى عدم القدرة في تكوين العقل العلمي في المجتمع، ونقل العقل العربي من مرحلة ما قبل العلمية إلى المرحلة العلمية، وهو ما ينطبق على المشروع الحضاري الراهن الذي أهمل تكوين العقل العلمي العربي كمشروع أساسي من مشاريع النهضة.
ويعتبر د. بدران أن الافتراض بأن مشروع النهضة، وما قد ينبثق عنه من تحوّلات أو مشاريع في المفردات الحضارية، بما فيها الثقافة، هو مشروع يصبّ في طاحونة التغريب أو السلفية أو التوفيق فيما بينهما، أمرٌ يدلّ على عدم استيعاب حقيقي لهذا المشروع، كما أن التفكير بصيغة توفيقية ما بين ما يسمى تغريباً وما بين السلفية، هو أيضاً يدلّ على عدم فهم لمشروع النهضة.
وهو يؤكد في سياق متصل، أن السؤال المطروح والتحدي القائم هو، ليس أن نتوجّه غرباً أو ونتوجه شرقاً أو نتوجّه ماضياً أو نتوجّه سلفاً، أو نوفّق بين هذا وذاك. وإنما كيف نحقق التقدم لمجتمعنا المعاصر بمعطياته الموضوعية، وبمؤشراته الرقمية القابلة للقياس والمتعارَف عليها.
فالمشروع النهضوي بطبيعته هو خروج من الحالة الراهنة إلى حالة جديدة، كما أن الاستفادة من تجارب الأمم، لا يُقْصَد منها التبعية أو التقليد، وإنما التعلّم من الأخطاء، والاستفادة من النجاحات لتقصير المسافة، وتقليل الزمن، وتخفيض التضحيات. أما المشروع النهضوي القائم على التوليف والتلفيق من موقف مسبَق، فهو بالضرورة حالة زائفة لا تقدم حلولاً ولا تساعد على الانطلاق.
إحياء التراث
ووفقاً لما يرى د. بدران، فإن «إحياء التراث» يعبّر عن توجّه معاكس لطبيعة الأشياء ومخالف للقوانين التي تحكم تقدم الأمم، فليس هناك من أمة تريد إحياء ماضيها لتعيشه، إلا إذا كانت تريد أن ترتدّ عن الحاضر لتعيش في الماضي. ويوضح د.بدران: «التراث هو تعبير عن فكر وثقافة ورؤية وتطلّع وخلافات ونزعات ومداولات كانت في الماضي تمثّل حالة المجتمع آنذاك، وقد تم تدوينها في كتب ورسائل أصبحت ذلك التراث في حينه. وفي تلك الكتب والرسائل لم يكن القصد توجيه التراث إلى عصور قادمة تختلف معطياتها الفكرية ومفرداتها الحضارية عن الحقبة التي يعيشها الكاتب. وبالتالي فإن التراث ينتهي دوره تلقائياً بانتهاء عصره. وعليه فإن عبارة (إحياء التراث) تحمل عنصر نقدها بذاتها. فالمطلوبُ، إحياء ما قد فُقد الحياة، ولا يفقدُ الحياةَ شيءٌ إلا إذا تجاوزه الناس وتجاوزه العصر، وفقد قدرته على التجاوب مع متطلّبات الحياة».
ويضيف د. بدران أن عبارة «إحياء التراث» التي تروّج لها قطاعات من النخبة في العقل العربي، يُراد لها أن تحمل شيئاً من المناعة شبه الدينية ضد الانتقاد، ومن الحصانة شبه التقديسية ضد الرفض أو المراجعة، وهو أمر لا نجده في الأمم الأخرى إلا بمقدار ما يلصق في الناس تلقائياً، ويحمله الناس طوعاً دون افتعال أو إكراه. وهو يستدرك قائلاً: «قد تلصق في الأديان والشرائع والثقافات الاجتماعية ممارساتٌ تعود إلى الماضي، لا لأن الناس يريدون أن يتمسكوا بالتراث بهذا المفهوم، بمعنى أنهم لا يريدون أن يتقدموا، ولكن ربما لأنهم لم يتعرّضوا للبديل المعاصر، سواء كنا نتحدث عن الطب الشعبي، أو عن الممارسات والعادات الاجتماعية، أو عن العلاقات بين الناس».
بين التقدم والعلم
وبما أن جوهر الخطاب الفكري للدكتور إبراهيم بدران هو تحقيق التقدم من خلال العلم، فالسؤال المطروح هنا: ما إمكانية تطبيق هذه المقولة على الوطن العربي؟
يرى د.بدران رداً على هذا السؤال أنه بالتأكيد ليس هناك من مسيرة للتقدم تؤدي إلى سيرورة منتِجة وقادرة على الاستمرار والتسارع إلا من خلال العقلانية والعلم، ولا شيء آخر بالمطلَق. ذلك أن أيّ نهج غير العلم إما يعني الجهل أو الخرافة أو الوهم أو التخيّل أو الافتراض أو الإملاء أو الأيديولوجيا أو المصلحة، أو المزيج من كل هذا وذاك، ومثل هذا المزيج، كما يؤكد د.بدران، لا يستطيع أن يصنع التقدم، لأن التقدم يتطلّب تراكماً مادياً يرتقي مع الزمن، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا من خلال العلم وما يرافقه من تكنولوجيا تُطور من الإنتاج وتبني الثروة التي تنعكس على الإنسان بشكل خدمات يعيد توظيفها من خلال الإبداع والابتكار لمزيد من الإنتاج، في إطار التناول لعقلاني اقضايا المجتمع والإنسان.
ويشدّد د.بدران على أن العلم هنا ضروري بالمطلَق، لأنه المرفق الوحيد الذي يمكن من خلاله فهم ما يجري، واستيعابه وتطويره وتغييره، والإضافة إليه ووضعه بصورة تتفق مع ما يرغب الإنسان في أن يصل اليه. ويضيف: «حتى المسائل التي لا يبدو فيها العلم واضحاً وصريحاً مثل فهمنا للتاريخ والآثار والنفس البشرية والسلوك الاجتماعي ومحركات الإبداع ومحفزات الابتكار والموارد الطبيعية وتأثير التغذية على السلوك والهواجس الكامنة في النفس والحاكمية الصحيحة والمؤسسية السليمة.. كل ذلك وغيره من مئات والآف المفردات، لا يمكن التعامل معها بصورة نافعة إلا من خلال العلم والموقف العقلاني من الحياة، وكلما اقترب الإنسان والمجتمع من الاعتماد على العلم، حتى في المسائل غير العلمية كالترفيه والسياحة، فإنه يحرز أشواطاً أوسع وأسرع على طريق التقدم».
الثقافة العلمية والخرافة
ولكن كيف يمكن للثقافة العلمية التقدمية أن تكون فاعلة ومؤثرة في فكر تسوده الخرافة والميتافيزيقيا، كما هو الحال بالنسبة للمجتمع العربي؟
وفقاً لما يرى د. بدران فإنه ليس المتصَوَّر أو المتوقَّع أن تكون هناك ثقافة علمية تقدمية، قد تجذّرت وتأصلت وأصبح لها دورها الفاعل والمؤثر، وأن يكون ذلك قد تم في بيئة فكرية وثقافية تسودها الخرافة. بل المطلوب والمتوقَّع والمفتَرَض أن يتحرك الفكر العلمي، وأن تنمو وتتقدم ثقافة العلم وثقافة النهضة وثقافة الإنتاج والتكنولوجيا لتحل محل ثقافة الخرافة، وتخرجها من عقل المجتمع وسلوكياته وقيمه، وبذا تولد فكراً جديداً نهضوياً تربوياً يعْتَبر العلم قاعدته الأساسية، ويدفع المجتمع بثقافته وبسلوكياته وبعلاقاته ومؤسساته لكي ينتقل تدريجياً وبصورة نشطة من حالة ما قبل العلم إلى حالة العلم التي يعيشها العالم المتقدم.
ويؤكد د. بدران أن الجمع بين الثقافة الحديثة (ثقافة العلم والمعرفة والإنتاج) من جهة، وبين ثقافة الخرافة والأفكار المتناقضة (أفكار ما قبل العلم وأفكار ما بعد ذلك) من جهة أخرى، أمر غير ناجع وغير مثمر، بل إنه يفاقم من أزمة التخلّف، لأنه يوحي ظاهرياً بأن هناك حالة من التقدم، في حين أن الخرافة موجودة، والابتعاد عن العلم ما يزال قائماً.
النهضة الأوروبية
وبما أن النهضة الأوروبية نموذج للتقدم والنهضة المنشودة، فهل هي قابلة للتعميم والمقايسة رغم التحولات السياسية والاقتصادية فيها، وهل يمكن إعادة إنتاجها في الوطن العربي، رغم الحديث الشائع الآن عن انكسار النهضة والمشروع الحضاري العربي؟
يؤكد د. بدران أن تركيزه على النهضة الأوروبية في طروحاته، لم يكن باعتبارها (أي النهضة) نموذجاً «قولبياً» أو «حرفياً» أو «ميكانيكياً» بالتفاصيل وبالمفهوم الضيق لكلمة «نموذج»، وإنما كنموذج لنهضة تاريخية هائلة غيّرت وجهَ الحضارة الإنسانية، ورسمت مستقبلها، ووقعت في مجتمعات كانت في فترة ما متخلّفة عن غيرها من المجتمعات.
ويتابع د.بدران: «لقد استطاعت النهضة الأوروبية أن تتوصل من خلال العلم، والفكر المستنير، والعقل، وفصل الدين عن الدولة، والاكتشافات المتتالية للطاقة وغيرها، وتكثيف الإنتاج، وريادية أصحاب الأعمال، والحالة التنويرية التي سادت المجتمع، والتحولات السياسية والاجتماعية التي رافقت كل ذلك.. استطاعت أن تتوصل إلى أساسيات أو محاور مركزية للنهوض والتقدم، من دونها لا تستطيع النهضة أن تستمر وتتواصل». مضيفاً: «أما إذا أخذنا النموذج بالمفهوم الضيق، أي النقل الميكانيكي للبرامج والخطط، فإن ذلك أمر مرفوض وغير مقبول، ولا يؤدي إلى نتيجة مثمرة أبداً. وفي هذا الإطار، فإن النهضة الأوروبية ليست نموذجاً واحداً، ولا صوراً متطابقة، وإنما تضمّنت نماذج عديدة، وتفاوتت مراحل تطبيقها من بلد إلى آخر، فقد بدأت بريطانيا مثلاً الأخذَ بها في القرن السادس عشر، وتلتها ألمانيا، وتأخرت دول مثل النرويج والسويد إلى بداية القرن العشرين، ودول أخرى مثل اليونان وإسبانيا إلى النصف الثاني من القرن العشرين».
فالتجربة الأوروبية، كما يطرح د. بدران، قابلة للتعميم في أساسياتها، فالعلم والتكنولوجيا والإنتاج المتقدم والديمقراطية والمؤسسية ومكانة المرأة وسيادة القانون والحاكمية الجيدة والتعليم المتميز وتداول السلطة ومنظمات المجتمع المدني والمساواة، هذه كلها أسس للنهضة، ولكنها لا تشكل خصوصيات أوروبية بالمعنى الحرفي. إنها أسس عامة لا تصلح النهضة من دونها، ولا بنقائضها، ولا ببدائل مشوّهة عنها.
من العلم إلى الفلسفة
وقد أَوْلى د.بدران المصطلحَ الفلسفي التاريخي أهميةً بالغة تجاوزت الغاية الإجرائية في دراسة التقدم، مثل مفاهيم «البادئية»، «العقل الجيولوجي»، «صناعة المستقبل»، «نواعم التغيير وخواشنه»، «مستقبل المستقبل»، «الوعي التاريخي» و«الوعي بالتاريخ» وغيرها من المصطلحات. فهل يقودنا هذا من العلم الى الفلسفة، وتحديداً إلى فلسفة التاريخ؟
إن موضوعة التقدم، والحديث هنا للدكتور بدران، موضوعةٌ معقّدة تقوم على دعائم عديدة يشكّل العلم دعامة رئيسية فيها، كما يشكّل الوعي بالتاريخ والوعي بحركة المجتمع ركناً آخر. وقد بدأت الفلسفة تاريخياً للإجابة عن أسئلة كان يطرحها الإنسان ولا يعرف إجاباتها، وهي أسئلة تتعلق بالطبيعة والوجود والحياة والإنسان والحيوان والموت والجزيئيات المختلفة لكل ما هو موجود. لقد كان العلم آنذاك بمفهومه المعاصر غائباً في ذلك الوقت، ثم تدريجياً مع ارتقاء الإنسان واكتسابه الخبرة والمعرفة، بدأ العلم ينمو ويتأسس ويخضع لكل الاختبارات الممكنة في سائر المراحل الحضارية، وكلما أجاب العلم عن سؤالٍ، تضاءل دور الفلسفة في الإجابة عنه، واندفعت الفلسفة للبحث عن عمق آخر يتعلق بذلك السؤال نفسه، أو بسؤال مختلف عنه.
ويضرب د. بدران مثلاً على ذلك، أن حركة الكواكب والأجرام كانت في الماضي موضوعة فلسفية، ولكنها أصبحت الآن موضوعة فلكية لها حساباتها وأرقامها وقياساتها التي ثبت صحتها بالعلم وبالتجربة وبالاختبار، ومع هذا فإن المسألة الفلسفية انتقلت إلى بُعد آخر، وهو فلسفة الوجود كوجود، وهل له معنى إنساني يختلف عمّا كشفه العلم ويكتشفه كل يوم. ومع هذا فإن الاكتشافات العلمية والتطورات التكنولوجية تفتح بحد ذاتها آفاقاً جديدة للفكر والفلسفة، وهذه الآفاق الجديدة تتطلّب الدخول فيها وبحثها كما هو الحال في الاستنساخ والهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية.. إلخ.
فالعلم، بامتلاكه القدرة على تغيير صورة العالم وشكل المجتمعات وعلاقاتها، والتكنولوجيا بما تقدمه من آفاق حضارية جديدة، نقلا معاً الوجود الانساني من حالة مجهولة البداية، مجهولة المسار، مجهولة المستقبل، كما كان الأمر في عهد الامبراطورية الرومانية مثلاً أو الدولة العربية الإسلامية، إلى حالة يمكن التحكم بها ومعرفة منتجاتها سلفاً، وقد أثر العلم في كل مصطلحاتها، لأنه نقلنا إلى نوع من القياس الكمي الدقيق الذي لا تتيحه الفلسفة. وبالتالي أصبح الإنسان بفضل العلم والتكنولوجيا والتراكم التاريخي للمعرفة والإبداع الإنساني المتعاظم، ليس مجرد ضيف على الطبيعة أو البيئة، أو مجرد كائن متوائم معها، كما هو الحال في الحيوان والنبات، وإنما انتقل مع تقدمه وارتقائه من حالة الضيافة الأولى إلى المعايشة والتواؤم مع الطبيعة، ثم السيطرة على أجزاء منها والتحكم بها، بل وتغييرها لكي تصبح أكثر مواتاة وملاءمة، ثم انتقل إلى غزو الطبيعة واكتشاف أسرارها.
علم المستقبليات
ولكن، هل هناك فرصة لفلسفات التاريخ لطرح الأسئلة الكبرى في حياة الإنسان، والمساهمة في توجيه مصيره ومستقبله، أم أن علم المستقبليات قد أزاح التأمل وفلسفات التاريخ إلى غير رجعة؟
يرى د. بدران أن الأسئلة الكبرى في حياة الإنسان سوف تبقى قائمة، وسيبقى الكثير منها يواجه الإنسان في مصيره ومستقبله، إلا أن المرحلة التاريخية بكل ما فيها من حضارة وفكر وتكنولوجيا، ووعي اجتماعي.. كل ذلك من شأنه أن يغيّر من طبيعة هذه الأسئلة ويحوّلها إلى أسئلة من نوع آخر، ولكنها تبقى، رغم ذلك، أسئلة كبرى تؤثر في مصير الإنسان ومستقبله.
وهنا يؤكد د. بدران على أن الأسئلة ينبغي أن لا تكون تكراراً لذاتها، حتى لا تتحول فلسفة التاريخ إلى دوران غير مُجْدٍ حول محور واحد. لافتاً إلى أن فيلسوف اليوم ينبغي أن يكون ملمّاً مستوعِباً لما يقع اليوم في العالم من تحولات، بما فيها من اكتشافات علمية وتكنولوجية وما يتأتى عنها، ليطلق أسئلة في إطارها، وفي خلاف ذلك تفقد الفلسفة أهميتها ودورها التاريخي.
الماركسية التقدم
وانطلاقاً من أن الماركسية أو الهيجلية أولت مفهوم التقدم أهميةً بالغة، فلا بد أن يكون هناك نقاط تقاطع بينها وبين طروحات د.بدرن في هذا السياق. إذ يرى د.بدران أن الإشكالية الكبرى التي وقعت فيها الماركسية هي «إشكالية الدوغما»، حينما تحولت مقولاتها إلى أيديولوجيا دوغماتية غير مستعدة للتفاعل مع مكتشفات العلم والتكنولوجيا والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الإشكالية في موضوعة التقدم ليست مجرد اكتشاف الظاهرة وتفسيراتها الفلسفية، وإنما الإشكالية الكبرى، وخاصة في الماركسية، وإلى حدّ أقل في الهيجلية، هي في آليات وحيثيات التقدم وكيفية الوصول إليه، وهل يمكن أن يتم ذلك من خلال المفهوم الطبقي الذي افترضه الماركسيون. ذلك أن البنى السياسية والحزبية والمقولات الأيديولوجية المتأتية عن الماركسية الستالينية والسوفياتية، كانت تعمل باتجاه مضاد للتقدم، ولم يدرك الماركسيون أن موضوعة التقدم هي بطبيعتها موضوعة غير محددة الأفق غير متناهية الأطراف، وبالتالي من غير الممكن تحقيقها والانطلاق بها بشكل ملحوظ من خلال سقوف منخفضة وانفراد ذميم بالسلطة، وتحكم البيروقراطية الحزبية محدودة الآفاق.
ويضيف د. بدران أن كل ذلك من غير الممكن أن يجعل التقدم حالة تاريخية متصاعدة، وخاصة بعد تجاوز العتبات الأولى للتقدم، بمعنى أن الانتقال من مرحلة الاقتصاد الزراعي إلى بدايات الاقتصاد الصناعي ممكن أن يتحقق في ظروف سياسية غير ديمقراطية، باعتبار أن الحالة الصناعية الأولى متقدمة عن الحالة الزراعية، إلا أن تصاعد التقدم والانتقال للحالة الصناعية الأرقى ثم الأرقى والتكنولوجية.. كل ذلك يتطلب حالة جديدة من الحكم والسلطة والمشاركة والتكنولوجيات التي يمكن أن تحقق التقدم. وبقدر ما يمكن القول إن التقدم حالة تاريخانية، بمعنى أن الخط البياني للتاريخ يتصاعد باستمرار، فإن آليات صنع هذا الخط بمراحله المختلفة تعتمد اعتماداً هائلاً على الإبداع والابتكار والخيال الإنساني غير المحدود والتجمع والتنوع الذي لا يمكن أن يخصب وينتج ثماراً جديدة تشكل حلقات إضافية في سلسلة التقدم البشري، إلا إذا كانت الحريات السياسية والفكرية والفلسفية والإنسانية آخذة في التصاعد معها من دون حدود، وهذا ما لم تدركه الماركسية أو لم يدركه الماركسيون.
عصر العولمة
أما كيف يمكن الحديث عن التقدم في عصر العولمة، بعد أن شكّكت «ما بعد الحداثة» بكل منجزات الحداثة، ومنها مفهوم «التقدم»، فإن د. بدران يرى أن عصر العولمة لا يلغي بأي شكل من الأشكال مفهوم التقدم، ولا يلغي الضرورة المطلقة لإحراز التقدم، بل على العكس من ذلك.
إن التقدم في عصر العولمة، وفقاً للدكتور بدران، أصبح ليس مجرد خيار حضاري نأخذه أو لا نأخذه، وإنما أصبح ضرورة بقاء، فقبل العولمة كان بإمكان أي مجتمع أن يعيش معزولاً عن المجتمعات الأخرى، وبالنمط الذي يريد مهما كان بدائياً أو متخلّفاً، حيث يفرض الحاكم شروطه، انطلاقاً من أن الناس جميعاً رعايا له، يهب ويعطي كما يشاء، ويأخذ كما يشاء، يفرض القيود على العلم والمعلومة وعلى المعرفة، ويمنع الكتابة، ويمنع الصحيفة، ويمنع الإذاعة والتلفزيون، ويمنع الاتصال، ويجعل المجتمع رهينة بين يديه.. فجاءت العولمة لتكتسح تلك الحواجز، أو الحصون السيادية، وتنسف الموانع التي تتيح للمجتمع المتخلّف أن يبقى متخلّفاً وفي حالة انعزال.
ولأن حالة العولمة تفرض الاحتكاكَ والاتصال والعلم والتنافس والسباق، فإنها تضع خطراً على المجتمع المتخلّف، وتجعل الفوز والسبق والبقاء مرتبطاً بحالة التقدم التي يمكن أن تتواءم مع تيار العولمة العاصف. والتقدم الذي يتحدث عنه د.بدران ليس حالة نفسية أو ذهنية أو ثقافية، وإنما هو وقائع مادية على الأرض.. هو إنجاز وتحقيق وعلم وإنتاج وتكنولوجيا وقانون ومؤسسية، وهذه كلها مفردات مادية لا تلغيها الافتراضات الثقافية التي تشكك في الرؤية النظرية لما هو عليه حال العالم الآن.
ويرى د. بدران أن «ما بعد الحداثة» بالمفهوم الثقافي مسألة متواضعة الأهمية، ولكنها مسألة في المفهوم الحضاري بالغة الأهمية، إذ أن «ما بعد الحداثة» حضارياً لا تعني إلغاء منجزات الحضارة الحداثية، بل تعني الانطلاق إلى آفاق حضارية جديدة يدخل الإنسان فيها مرحلة جديدة من التقدم والارتقاء لم يكن يستطيع الوصول إليها في الماضي.
ومن هنا فإن التقدم هو حالة نقيضة للتخلّف، وهو حالة اجتماعية تاريخية يتصاعد فيها دور الفرد والمؤسسة في الإنتاج السلعي والخدمي في إطار من الحاكمية الجيدة وحرية الاختيار وتراكم الثروة التي يعاد توظيفها في شتى المشاريع لتنعكس على ارتقاء كل المفردات التي تتكون منها الحياة المادية والروحية والنفسية للإنسان. والتقدم، بذلك، لا يستقيم ولا يتواصل أو يتصاعد إلا بتفاعل محركاته المختلفة، وتشغيلها في الوقت نفسه، بما في ذلك الحريات ومشاركة المرأة والاستثمار في العلم والتكنولوجيا والخطاب الديني والتعليم والثقافة، وغير ذلك مما تتكوّن منه الحياة المعاصرة.
باروميتر «العَقْلَنَة»
وحول إمكانية قياس درجة العقلنة والعقلانية في المجتمع العربي، يرى د.بدران أنه قد لا يكون هناك مقياس مباشر لدرجة العقلنة والعقلانية في أي مجتمع، بمعنى أنه ليس هناك ميزان أو باروميتر يُطْلَق عليه «ميزان العقلانية»، ولكن هناك مؤشرات موضوعية تشكل بمجملها مقاييس لدرجة العقلنة والعقلانية.
فـ«العلمية» لها أدواتها المختلفة من مؤسسات للبحث العلمي، ومن علماء، ومن باحثين، ومن مراكز علمية ومراكز دراسات. كما أن الحريات، حريات الفكر، حريات التعبير وحريات العمل، لها مظاهرها. كما أن التفكير النقدي والعقل النقدي الناشئ عن أنظمة تربوية حرة ومفتوحة وحداثية بمفهوم نسبي، له مظاهره. كما أن غياب المحرمات والتابوهات في الفكر والفلسفة والدين والأخلاق وعلم الدين والاجتماع، له مظاهره. كما أن الديمقراطية وغياب الاستبداد وحسن الحاكمية، له مظاهره أيضاً. كما أن دور العلم في صنع القرار وعدم تهميش العلم والعلماء، سواء في صنع القرار أو في صنع الثقافة والإعلام، أو في صنع التربية، كل ذلــــك يشكل تعبيراً فاعلاً عن درجة العقلانية في أي مجتمع.
وير د.بدران أننا إذا طبقنا هذه المعايير على المجتمع العربي، نجد أنها تحتلّ مكانة متواضعة جداً تكاد لا ترقى إلى أي مستوى يذكر. مما يعني أن درجة العقلانية ما تزال متواضعة، وما يزال المجتمع العربي -وبدرجات متفاوتة، ولكنها في المستوى النوعي نفسه- يعاني من انخفاضٍ في درجة العقلانية. غير أنه إذا ما تمّ فحص الإنتاج الفكري والثقافي المعبّر عن النشاطات الإنسانية المختلفة، كالاقتصاد والسياسة والعلم والتكنولوجيا، للتعرف على مدى علميته وانطباق مقولاته على المقولات العلمية السائدة أو اقترابها من ذلك، فإنه يمكن قياس مدى العقلانية التي تمثل حالة المجتمع العربي.
ويؤكد د.بدران على أن انتشار الثقافة وثقافة العلم هو أحد المؤشرات على درجة العقلانية في المجتمع العربي. كما أن المجتمع الأكثر اقتراباً وتمسكاً بالعقلانية هو الأكثر قدرة على التقدم وعلى الارتقاء. وعليه، فإن المجتمعات العربية ما تزال بعيدة عن النهوض وبعيدة عن الارتقاء، وهي تأتي في المرتبة الأخيرة بعد أفريقيا جنوب الصحراء في هذا المجال، مما يعطي مؤشراً واضحاً على أن قدرة هذه المجتمعات على التفاعل مع عقلانية العلم ومفرداته ومتطلباته واستحقاقاته، قدرةٌ ضئيلة لا ترتكز على أساس متين حتى هذه اللحظة.
الوسطية والتطرف
ويرى د.بدران أن مصدر التطرّف السياسي والديني مصدرٌ خارجي دخيل على البيئة العربية، موضحاً أن هذا الأمر تفاقم خلال الحرب الباردة بسبب حالة الاستقطاب التي انتقلت من السياسة إلى الأيديولوجيا إلى الفكر إلى السلوك. ويوضح د.بدران: «الوسطية ظاهرة طبيعية في أغلب الأحيان، ما لم تكن هناك مؤثرات داخلية تدفع الأفراد إلى اليأس والإحباط، فيذهبون إلى التطرّف، أو مؤثرات خارجية تُشعرهم بعبثية المحاولات السياسية، وأيضا تدفعهم للتطرّف».
ويقول د.بدران: «إن الفكر العربي كان كثيراً ما يدور حول العموميات، والفكر الديني بشكل خاص لم يستطع أن ينتقل إلى مراحل متميزة، بسبب التمسّك المتواصل بالرجوع إلى التراث، بكل ما فيه، وبكل التفسيرات والآراء التي يحملها على مدى الألف سنة أو أكثر. ومن هنا فإن البيئة العربية إذا توفر لديها شرطان؛ الأول الحاكمية الجيدة، أي غياب الاستبداد والتسلّط والقبول بالتعددية والمشاركة؛ والثاني عدم النقل الحرفي للأفكار والأساليب، فإنها (أي البيئة العربية) قابلة لأن تتعامل مع الأهداف من مدخل وسطي بعيداً عن التطرّف».
ويكشف د.بدران أنه ليس من السهل الفصل والتمييز بين الشروط المعرفية للفكر من جهة، وبين الفكر أو الأيديولوجيا من جهة أخرى، بسبب التأثير المتبادل والعلاقة الجدلية بينهما. فالأيديولوجيا بحد ذاتها تضع شروطاً خاصة بها، وتضع حدوداً على الآفاق المعرفية، وتولِّد سقوفاً تحدُّ من انطلاق الفكر لاكتشاف ذاته، واكتشاف مستقلبه، وتصحيح مقولاته. وفي الوقت نفسه فإن الشروط المعرفية أو البنى العقلية، حتى تولِّد بحد ذاتها أزمةً في الفكر وفي المعرفة، بسبب نوع من التضادّ أو التخالف ما بين تلك الشروط وما بين توليد الفكر الجديد، فإنها بحاجة إلى الحرية وغياب سقف الأيديولوجية الذي يمنعها من الوصول إلى الجديد. لذا يطالب د.بدران بالنظر في كلا الموضوعين في آن واحد، حيث أن بنية العقل العربي تتأثر أيما تأثر في الشروط المعرفية، كما تتأثر في الفكر والأيديولوجيا التي سادت العالم العربي، وخاصــــــة الأيديولوجيا الدينية والتي تشكلت نتيجة التفاسير والرؤى الدوغماتية للمقولات الدينية التي جاء بها الإسلام.
أزمة بنيوية
ويرى د.بدران أن العقل العربي عانى من أزمة بنيوية متداخلة جدلياً مع فكر وأيديولوجيا بعيدَين عن التطور والانفتاح بسبب الشروط المعرفية التي تم تحديدها مسبقاً، فالعلم حسب هذه الأيديولوجيا غير قادر على الإجابة عن كل سؤال، والعقل حسب هذه الأيديولوجيا أعجز من أن يدرك كل شيء، وبالتالي بدأ موقع العلم يتراجع، وموقع العقل يتراجع أيضاً، وتراجُع العقل والعلم يعني بالضرورة إفساحَ مساحةٍ أكبر لفكر متخلّف أو ماضوي، أو فكر سائد غير مؤهل للتجديد بسبب السقوف، ولأن المعرفة ارتبطت خطأً بالدين، فأصبح الانطلاق المعرفي في كل مرة يُقاس بما يتراءى لرجال الدين بأنه متوافق أو غير متـــــــوافق مع الأيديولوجيا الدينية التي يحملــــــونها، فقد تفاقمت الأزمة.
ويتابع د. بدران في هذا السياق: «إذا أضفنا إلى ذلك الاستبداد الذي ساد المجتمعات العربية في وقت مبكر جداً من تاريخها (ربما في بداية العصر الأموي)، وتذكّرنا، في الوقت نفسه، استناد الحاكم المستبِدّ إلى مقولات ينتجها رجال الدين المستفيدين منه، ومن فترة حكمه، فإن كل هذا أدى إلى تفاقم الشروط المعرفية، بسبب الحدود المركبة على المعرفة والفكر التي ولّدتها طبيعةُ الاستبداد والتأييد الديني لذلك الاستبداد. والتأييد هنا ليس بالضرورة أن يكون بمعنى قبول الاستبداد، وإنما البحث عن تسويغات ومبررات وأسباب وذرائع تجعل القبول بالاستبداد أفضل من أي خيار آخر، كما كان موقف الغــزالي من قضية الثورة على السلطان الظالم كما هو معروف».
[email protected]

.alrai-related-topic { width: 100%; } .alrai-related-topic .wrapper-row { gap: 27px; flex-wrap: nowrap } .alrai-related-topic .item-row { padding-right: 1px; width: 280px; } .alrai-related-topic .item-row .item-info { padding: 15px 15px 28px 16px; border: 1px solid rgba(211, 211, 211, 1); height: 118px; } .alrai-related-topic .item-row .item-info a { color: #000; color: color(display-p3 0 0 0); text-align: right; font-family: Almarai; font-size: 15px; font-style: normal; font-weight: 800; line-height: 25px; text-decoration: none; -webkit-line-clamp: 3; -webkit-box-orient: vertical; display: -webkit-box; overflow: hidden; } @media screen and (max-width:768px) { .alrai-related-topic .wrapper-row { flex-wrap: wrap } .container .row .col-md-9:has(.alrai-related-topic) { width: 100%; } .alrai-related-topic { margin-top: 10px; } .alrai-related-topic .item-row { width: 100%; } }
.alrai-culture-art-widget{border-right:1px solid #d9d9d9;padding-right:11px}.alrai-culture-art-widget .title-widget-1 a{color:color(display-p3 0 .6157 .8745);text-align:right;font-family:Almarai;font-size:24px;font-style:normal;font-weight:800;line-height:39px;text-decoration:none;padding-bottom:5px}.alrai-culture-art-widget .title-widget-1{margin-bottom:26px}.alrai-culture-art-widget .title-widget-1::after{content:"";position:absolute;left:0;right:0;bottom:0;background:linear-gradient(90deg,rgba(0,85,121,.05) 0,#009ddf 100%);z-index:1;height:3px;width:100%}.alrai-culture-art-widget .img-row{width:100%}.alrai-culture-art-widget .img-ratio{padding-bottom:58%}.alrai-culture-art-widget .item-info{padding:23px 0}.alrai-culture-art-widget .item-info a{color:#000;color:color(display-p3 0 0 0);text-align:right;text-decoration:none}.alrai-culture-art-widget .item-row:not(:first-child)>a{display:none}.alrai-culture-art-widget .item-row a{color:#000;color:color(display-p3 0 0 0);text-align:right;text-decoration:none;-webkit-line-clamp:3;-webkit-box-orient:vertical;display:-webkit-box;overflow:hidden}.alrai-culture-art-widget .item-row:not(:last-child){border-bottom:1px solid #d9d9d9}@media screen and (min-width:1200px){#widget_1703 .alrai-culture-art-widget{border-right:0px;padding-right:0}}
.alrai-epaper-widget{margin-top: 20px; max-width:250px}
Tweets by alrai
.alrai-facebook-embed{margin-top: 70px;}
#widget_2097 .alrai-section-last-widget {padding-top:35px;margin-top:0;} .alrai-section-last-widget .row-element .item-row .img-ratio{ display:flex; } /* Horizontal scroll container */ .alrai-section-last-widget .full-col { overflow-x: auto; overflow-y: hidden; -webkit-overflow-scrolling: touch; width: 100%; } /* Flex container - critical changes */ .alrai-section-last-widget .content-wrapper { display: flex; flex-direction: row; flex-wrap: nowrap; /* Prevent wrapping to new line */ align-items: stretch; width: max-content; /* Allow container to expand */ min-width: 100%; } /* Flex items */ .alrai-section-last-widget .item-row { flex: 0 0 auto; width: 200px; /* Fixed width or use min-width */ margin-right: 7px; display: flex; /* Maintain your flex structure */ flex-direction: column; } /* Text handling */ .alrai-section-last-widget .article-title { white-space: nowrap; /* Prevent text wrapping */ overflow: hidden; text-overflow: ellipsis; display: block; } /* Multi-line text truncation */ .alrai-section-last-widget .item-row .item-info a { display: -webkit-box; -webkit-line-clamp: 3; -webkit-box-orient: vertical; overflow: hidden; white-space: normal; /* Allows line breaks for truncation */ } /* Hide scrollbar */ .alrai-section-last-widget .full-col::-webkit-scrollbar { display: none; } @media screen and (min-width:1200px){ .alrai-section-last-widget::after { transform: translateX(0); } } @media screen and (max-width: 768px) { .alrai-section-last-widget .row-element .content-wrapper { flex-direction: row !important; } .alrai-section-last-widget::after{ transform: translateX(100%); right:0; left:0; } }
.death-statistics-marquee .article-title a,.death-statistics-marquee .title-widget-2 a{text-align:right;font-family:Almarai;font-style:normal;font-weight:700;line-height:25px;text-decoration:none}.death-statistics-marquee .breaking-news-wrapper{width:100%;display:flex}.death-statistics-marquee .breaking-news{background-color:#7c0000;padding:22px 17px 24px 18px;color:#fff;text-align:right;font-family:Almarai;font-size:22px;font-weight:700;line-height:25px}.death-statistics-marquee .breaking-news-content{background-color:#b90000;padding:22px 18px 24px 21px;color:#fff;text-align:right;font-family:Almarai;font-size:22px;font-weight:700;line-height:25px;width:100%;position:relative}.full-container .marquee-container-widget:not(.relative-widget) .wrapper-row{position:fixed;width:100%;right:0;bottom:0;z-index:100000}.death-statistics-marquee .marquee-container-widget .title-widget-2{width:75px;background-color:#757575;color:#fff;height:60px;display:flex;align-items:center;justify-content:center}.death-statistics-marquee .title-widget-2 a{color:#fff;color:color(display-p3 1 1 1);font-size:15px;padding:16px 18px 16px 15px;display:block}.death-statistics-marquee .content-row:not(.content-row-full){width:calc(100% - 100px);background-color:#000}.death-statistics-marquee .content-row marquee{direction:ltr}.death-statistics-marquee .content-row .img-item{display:inline-flex;height:60px;align-items:center;vertical-align:top}.death-statistics-marquee .content-row .article-title{height:60px;display:inline-flex;align-items:center;color:#fff;padding:0 15px;direction:rtl}.death-statistics-marquee .article-title a{color:#fff;color:color(display-p3 1 1 1);font-size:17px}.death-statistics-marquee .title-widget-2{width:100px}#widget_1932{position:static;bottom:0;width:100%;z-index:1}