لقد اتسع نطاق النهضة الدستورية بعد إعلان الاستقلال ليشمل إلى جانب السلطتين التشريعية والقضائية السلطة التنفيذية، والتي شهدت تغييرات جوهرية على النصوص الناظمة لتشكيلها ابتداء وطبيعة الأعمال الدستورية المسندة إليها، وذلك مع تعاقب الدساتير الأردنية منذ تأسيس إمارة شرق الأردن حتى يومنا هذا.
فالسلطة التنفيذية في عهد القانون الأساسي لعام 1928 كانت مناطة بسمو الأمير عبد الله بن الحسين ولورثته من بعده، وهو الذي كان يعين رئيس الوزراء ويقيله ويقبل استقالته من منصبه بالإضافة إلى حقه في تعيين جميع الموظفين وعزلهم وفق أحكام القانون.
كما أن الوزراء في ظل القانون الأساسي كانوا مسؤولين أمام الأمير مباشرة ولم يكن للمجلس التشريعي والأعضاء المنتخبين فيه الحق في ممارسة أي رقابة سياسية عليهم.وكان مجلس الوزراء في إمارة شرق الأردن يُسمى المجلس التنفيذي، ويتألف من رئيس الوزراء وأعضاء آخرين لا يتجاوز عددهم الخمسة يعينهم الأمير بناء على توصية من رئيس الوزراء، إما من الموظفين الرئيسيين في الإدارة أو من نواب الأمة المنتخبين.أما اختصاصات المجلس التنفيذي في القانون الأساسي لعام 1928، فكانت تقتصر فقط على مجرد إسداء المشورة والنصيحة إلى الأمير؛ فهو وإن كان يثبت له الحق بإدارة شؤون شرق الأردن واتخاذ التدابير اللازمة في الأمور المتعلقة المصالح اليومية، إلا أن جميع قرارته كان يرفعها رئيس الوزراء إلى الأمير ليستوثق من رغباته بشأنها، وبالنتيجة الموافقة عليها.
وقد شهدت النصوص الناظمة لتشكيل وعمل السلطة التنفيذية في دستور الاستقلال لعام 1946 تطورا إيجابيا نسبيا؛ فهي قد بقيت مناطة بالملك عبد الله بن الحسين وبورثته الذكور من أولاد الظهور من بعده، دون أي إشارة إلى مجلس الوزراء كعضو فيها، واحتفظ الملك بحقه في تعيين رئيس الوزراء وإقالته وقبول استقالته، وتعيين الوزراء بناء على تنسيب رئيس الوزراء.أما مسؤولية الوزراء السياسية في دستور الاستقلال، فقد بقيت أمام الملك وحده دون مجلس النواب.
فكان كل من رئيس الوزراء والوزراء مسؤولين تجاه الملك مسؤولية مشتركة عن السياسة العامة للدولة، وكان كل وزير فرد مسؤول تجاه الملك عن أعمال وزارته.
ومن التطورات الإيجابية المتعلقة بالسلطة التنفيذية في دستور عام 1946 أن المشرع الدستوري قد نص صراحة على تشكيل مجلس الوزراء بأنه يتألف من رئيس الوزراء والوزراء، وأنه قد ألغى فكرة تحديد عدد الوزراء في المجلس وربط عددهم بمقتضيات الحاجة والمصلحة العامة.
كما أقر دستور الاستقلال لعام 1946 لمجلس الوزراء بصلاحيات فعلية حقيقية في إدارة الشؤون العامة ولم يعد دوره استشاري ومجرد تقديم النصائح للأمير.
فقد أناط الدستور بمجلس الوزراء مسؤولية متابعة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية باستثناء ما كان قد عُهد به من تلك الشؤون بموجب القانون أو النظام إلى أي شخص آخر أو هيئة أخرى.
وقد تغيرت الأحكام الخاصة بالسلطة التنفيذية بشكل جذري في الدستور الحالي لعام 1952، إذ جرى ولأول مرة الاعتراف بالوزراء كجزء أصيل من هذه السلطة، وذلك في المادة (26) من الدستور الحالي التي تنص على أن "تناط السلطة التنفيذية بالملك ويتوﻻها بواسطة وزرائه وفق أحكام الدستور".
كما أبقى المشرع الدستوري في عام 1952 على تشكيلة مجلس الوزراء التي تتكون من الرئيس وعدد من الوزراء حسب الحاجة والمصلحة العامة، واحتفظ الملك بحقه في تعيين رئيس الوزراء وإقالته وقبول استقالته، وفي تعيين الوزراء وإقالتهم وقبول استقالتهم بناء على تنسيب رئيس الوزراء.
ويبقى التطور الأبرز في مجال عمل السلطة التنفيذية بعد الاستقلال وصدور الدستور النافذ، أن المشرع الدستوري في عام 1952 قد كرّس عناصر النظام النيابي البرلماني الكامل، فنقل مسؤولية الوزراء السياسية المشتركة والفردية من أمام الملك إلى مجلس النواب المنتخب، والتي تتعدد مظاهرها وأشكالها لتشمل توجيه الأسئلة والاستجوابات وطرح الثقة.كما توسع المشرع الدستوري في الرقابة البرلمانية على الحكومة بأن ألزم كل وزارة جديدة تُؤّلف بأن تتقدم إلى مجلس النواب ببيان وزاري يتضمن خطة عملها والمشاريع التي تنوي القيام بها لكي يوافق عليها أعضاء المجلس المنتخب.
وكرّس الدستور الحالي من رقابة النواب على الحكومة في حال مخالفة أحكام القانون الجنائي، إذ اشترط لتحريك دعوى الحق العام في مواجهة الوزراء عن الجرائم التي يرتكبونها وتتعلق بعملهم الوزاري، صدور قرار إحالة بهذا الخصوص عن المجلس النيابي.
ويستمر الدستور الحالي في التطور فيما يخص النصوص المتعلقة بتشكيل السلطة التنفيذية وممارسة مهام عملها، حيث وضعت اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في عام 2021 الركائز العامة للتحول إلى نظام الحكومة البرلمانية القائم على أساس اختيار الحزب السياسي الفائز في الانتخابات أو الكتلة النيابية ذات الأكثرية في المجلس لتشكيل الحكومات في المستقبل.
أستاذ القانون الدستوري وعميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
[email protected]