بدأ زميلنا عامر الرجوب برنامجا إذاعيا، على محطة (عين)..وكان أول اتصال يجريه هو مع والدته.
أول سؤال سأله عامر لوالدته: (يمه بعدك نايمة ولا صحيت)...وكان ردها: (لا..يمه زمان صاحية )...ثم أمطرته بوابل من الأدعية، أنا متأكد أنها لم تعرف أن صوتها كان على الهواء مباشرة، هي اعتقدت أنه يتصل للإطمئنان عليها فقط...ولكنها لم تترك دعاء إلا ونثرته على الأثير.
ظل عامر الرجوب صامتا، بين حالة من البكاء وفيض من العاطفة...وشكرا له أنه بدأ أول حلقاته، هاربا من التلفاز إلى الإذاعة..شكرا له أنه بدأ أول حلقاته بصوت أمه.
هي لم تكن أمه فقط، كانت أمي أيضا، نحن جيل تربينا على البساطة والأدعية..تربينا على الحب، على أمهات يفقن مع أذان الفجر، ويقمن بخبز الشمس لنا أرغفة، يقمن بزجر البرد إن اقترب من الأمعاء، كنت أشعر أن المرض يخاف من أمي إن اقترب مني، وأشعر أن برد الصباح في الكرك يخاف من عيون أمي أن تعاقبه إن مس بطني..
منذ أمس وأنا افتح (الفيديو) الخاصة بالمكالمة، وأعيد الاستماع إليه...هي لم تكن مكالمة، كانت صوت التراب الأردني، وإذا قلت لكم..أن الندى في حوران كان يقطر من سماعة الهاتف لا أكذب، وإذا أخبرتكم...أن صوتها كان يشبه (زيت الزيتون) حين يقطر في الأذن ساخنا، ويطرد الألم والتهابات الطفولة لا أكذب..وإن أخبرتكم، أن هذا الصوت هو ميلاد الأغنية والقصيدة لا أكذب أيضا.
الأمهات هن الإستقلال، هن اللواتي انجبن العسكر، وأرتال الموظفين..هن اللواتي علمن جيلا كاملا معنى الصبر والتمرد، هن اللواتي لم يذهبن للمدارس..ولكن الكتاب لديهن كان أقدس ما ترى العين، أتذكر أن أجمل الساعات لدى أمي كانت حين تشاهدني وأنا أنسخ درس المحفوظات...هن اللواتي علمن الصبر معنى الصبر..وهن اللواتي، نثرن رائحة الخبز في الصباح عبر المدى، وهن اللواتي جعلن السنابل تنحني لهن..إن عبرن جانب الحقل.
الأم الأردنية هي صورة للإستقلال، لا بل أسمى معانيه...وأظن أن مشهد الناس الذي خرجوا في الشوارع، ودعاء أم عامر الرجوب على الهاتف لولدها..كان يكفي لأن نقول في داخلنا: (الأردن بخير).
شكرا عامر الرجوب.