في كل عام، ومع إشراقة الخامس والعشرين من أيار، تستفيق ذاكرة الأردنيين على لحظة مفصلية أعادت للوطن هيبته، وللشعب كرامته، وللتاريخ فصلاً من النور عنوانه الاستقلال. إنها ليست مجرد ذكرى وطنية نُحييها في الخطابات والاحتفالات، بل تجربة وجدانية عميقة تعكس فخر أمة وصمود شعب، وإرث قيادة هاشمية صنعت من الحلم واقعًا ومن التراب وطنًا يتسع للأمل والمستقبل.
لقد كان الاستقلال الأردني ثمرة نضال طويل وتضحيات جسيمة، قادها بحكمة وحنكة المغفور له الملك عبدالله الأول بن الحسين، مؤسس الدولة، الذي أرسى اللبنات الأولى لكيان سياسي قوي ومستقل، في وقتٍ كان الإقليم منقسمًا بين انتدابات ومطامع وأزمات. ومنذ ذلك الحين، لم تكن مسيرة الدولة الهاشمية سوى رحلة عزيمة متواصلة في سبيل ترسيخ السيادة والهوية الوطنية، وهي الرحلة التي سار فيها ملوك بني هاشم بكل تفانٍ وإيمان بدور الأردن الحضاري والإنساني.
توالت التحديات، وكثرت المنعطفات، لكن الأردن بقي صامدًا، يطوّع الجغرافيا والظروف ليكتب اسمه بين الأمم بسيادة كاملة وإرادة لا تلين. ولعل المفصل الأهم في هذا المسار، هو تولي جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم سلطاته الدستورية، حاملاً راية الهاشميين، ومؤمنًا بأن الاستقلال لا يُختزل في لحظة تاريخية، بل في مشروع متكامل يتجدد كل يوم في السياسات، وفي الاقتصاد، وفي الكرامة الإنسانية.
لقد أعاد جلالة الملك تعريف الاستقلال بلغة العصر، فجعله مقرونًا بالإصلاح والتحديث والانفتاح، دون التفريط بالثوابت أو التنازل عن المبادئ. وتحت قيادته، شهد الأردن إصلاحات سياسية واقتصادية عميقة، ومبادرات تنموية شاملة، وحراكًا دبلوماسيًا متزنًا حافظ على مكانة الأردن كصوت معتدل في عالم مضطرب. وفي كل ذلك، كان الملك عبدالله الثاني هو الضامن لمعادلة دقيقة، تتجسد في أن جلالته يسعى؛ ويعمل، لأن يحافظ الأردن على استقلاله في قراره، وسيادته على أرضه، وكرامته في مواقفه.
أما على صعيد الأمن، فقد جسّد الأردن بقيادته الحكيمة نموذجًا استثنائيًا في الثبات، في منطقة تهبّ عليها العواصف السياسية والاقتصادية والأمنية من كل صوب. فكان الصوت الهاشمي هو العقل والضمير، وكانت المؤسسات الوطنية سياجًا يحمي مكتسبات الاستقلال، بوعي شعب يثق بقيادته، ويؤمن أن مصير الأردن يُصنع بإرادته وحده.
وفي ذكرى الاستقلال، لا نحتفل فحسب بما مضى، بل نتطلع إلى ما هو آتٍ. نحتفل بقصة وطن ما زال يُكتب، وبجيل جديد يرث المجد ويضيف إليه. نقف احترامًا لتاريخ حافل، ونمضي بثقة نحو المستقبل، في ظل قيادة هاشمية راسخة، وعلى رأسها جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي لا يكلّ عن تجديد الحلم، وتوسيع أفق الأمل، وتثبيت أركان الدولة على أسس الحداثة، والعدالة، والكرامة. إنه استقلال متجدد، نبنيه معًا... قيادةً وشعبًا، حلمًا ومؤسسات، ليبقى الأردن كما أراده الهاشميون: وطنًا حرًا، قويًا، عصيًّا على الانكسار، منفتحًا على المستقبل، متمسكًا بجذوره، وفيًا لتاريخه.
