على إحدى التلال الوادعة في قرية جوزا بمنطقة عيّ ارتفع عام 1958 مبنى مدرسة إعدادية لم تكن في ظاهرها سوى بناء حجري بسيط، لكنها في جوهرها حملت معنى عميقًا يتجاوز الطوب والإسمنت والحديد.
هناك، حيث لا شيء يلفت النظر سوى التصميم، ولدت مدرسة كانت بمثابة الحلم المتجسد لأهالي القرية، ومصدر أمل لأجيالٍ متعاقبة.
مدرسة جوزا لم تكن مجرد مبنى، وإنما كانت مؤسسة تربوية شكلت ملامح مجتمع بأكمله. في ساحتها صدحت أصوات الطلبة بنشيد العلم، وعلى مقاعدها تفتحت العقول وتهجأت القلوب حروف الوطن. لم تكن المدرسة مكانًا للتعليم فقط، بل كانت حضنًا للمستقبل، تصنع من الطلبة رجالًا ونساءً سطروا أسماءهم في سجل المنطقة والدولة الأردنية في شتى المجالات.
الانتقال إلى قلب القرية… واستمرار العطاء
في عام 1972، ومع ازدياد أعداد الطلبة وتوسع القرية، انتقلت المدرسة إلى موقع جديد في مركز البلدة، لتكون أقرب إلى الأهالي وتواصل أداء رسالتها التعليمية. إلا أن الانتقال لم يُنهِ ارتباط الذاكرة بالمكان الأول، فذلك المبنى القديم بقي شاخصًا على التلة، يروي بصمته حكاية البدايات، ويشهد على فجرٍ كان انطلاقة لرحلة ممتدة من العطاء والمعرفة.
من الصور إلى الذاكرة الحية
صور المبنى القديم ليست مجرد لقطات أرشيفية، بل نوافذ تطل على زمنٍ جميل، حين كان الحجر يحتضن الندى، والسقف يستمع لخفقات قلوب التلاميذ وهم يتعلمون أولى الكلمات. الجدران التي حملت على كتفيها أصوات الطباشير، ما زالت تقف اليوم شاهدا صامتا على تاريخٍ من العلم والحلم.
إرث لا يُنسى وصدى لا يخفت
مدرسة جوزا الإعدادية هي اليوم أكثر من مجرد اسم في سجل التعليم الأردني. هي ذاكرةٌ حية، وسِجلٌّ مفتوحٌ لقصص النجاح والتميّز. رغم بساطتها، كانت مركز إشعاع ثقافي وفكري، ورافدًا أساسيًا في بناء الإنسان الأردني المؤمن بالعلم، المتمسك بجذوره.
وفي كل قلبٍ عبر من هناك، لا تزال المدرسة تسكن الوجدان، منارةً تُشع، وإن خفت ضوؤها قليلًا، لكنها لا تنطفئ أبدًا.
مدرسة جوزا لم تكن مجرد مبنى، بل حكاية وطن مصغرة. حكاية أمل، وكفاح، ونجاح. واليوم، هي دعوة للتأمل في قيمة التعليم، وضرورة الحفاظ على الإرث الذي صنع الفارق في حياة الأفراد والمجتمعات.
