انتهت مرحلة البينج بونج التي بدأ فيها التطبيع الأميركي مع الصين في زمن الرئيس نيكسون، والتي بدأت مع قدوم الرئيس الصيني، جين بنغ، عام 2008، فقد رمى الصيني حجراً كبيراً في البركة المشتركة واحدث موجات حين خطب عن أسلافه وتاريخهم مطالبا بطموح واسع للصين، واعادة انتزاع حقوقها يومها انتبهت الولايات المتحدة الأميركية للتوجه الصيني الجديد، وللعقيدة الصينية وأن سياسة (المشاركة والدمج) لا بد من إعادة النظر فيها، ولا بد من تفعيل استراتيجية قطع الطريق مبكراً على الصعود الصيني، ومنع الصين من أن تصبح قوة اقليمية مهددة بمنعها من السيطرة على بحر جنوب الصين والاصرار على تسمية بحر الصين بالكاريبي الصيني، واختيار ذلك بتمرير السفن حتى الحربية ما بين الأراضي الصينية وجزيرة تايوان، ليبقى هذا الخط على خطورته سالكاً.
في زمن إدارة بايدن، كانت العقيدة الأميركية العسكرية إزاء الصين، عقيدة كلاسيكية، الى ان جاء ترامب في ولايته الثانية، اليوم والذي تغلب على رؤيته العقلية التجارية وشعار «أميركا أولاً»، ومن هنا زادت التحديات، لأنه أراد أن يصيب في الصين مقتلاً في الميزة التنافسية لها، وهي التجارة وتوسيع التصنيع ذي الطبيعة التكنولوجية العالية، ولعل نموذج السلاح الصيني الذي استعملته الباكستان في ردها على الهند، قد فاجأ الأميركيين الذين خشوا أن تعتمد دول العالم السلاح الصيني، حين لا يجدون الابواب الاميركية والغربية مفتوحة حيث جودة السلاح الصيني وتنافسية أسعاره وعدم ارتباطه بمواقف استعمارية تقليدية من قواعد وغيرها.
ويعتقد كثير من المراقبين أن موسم هجرة القوة الأميركية لمواجهة الصين والتي ظهرت مقدماتها قد تأخرت بفعل عوامل جذب في المنطقة، أبرزها توترات الشرق الأوسط، وحماية اسرائيل واحتواء ايران، ولذا بدأت المحادثات الاميركية – الايرانية، تأخذ منحى النجاح لاستعجال الولايات المتحدة في التوجه الى أهداف أكثر استراتيجية لها في بحر الصين.
وبدأ التحرش الاميركي وإصابة خطوط التماس الصينية بوسائل تجارية، من خلال التعرفات الجمركية، وزيادتها على جميع السلع الواردة في الصين بنسبة وصلت الى 60% بشكل تدريجي، بدأ من 10%، وهو الأمر الذي لم يتأخر فيه ترامب، بل كان يعلنه حتى في حملته الانتخابية، وهو اليوم يتخذ من لقبه (رجل التعريفات) الجمركية اداة لتقليل العجز التجاري الاميركي ووقف قاعدة التصنيع الأميركية عن التآكل، وإعادة كثير من الصناعات والمصانع الأميركية الى الارض الأميركية، وتهديد خصومه وخاصة الصين.
رغم ان ترامب يخوض هذه الحرب مقتنعاً، رغم ان كثيراً من الاقتصاديين والمتخصصين الأميركيين وغيرهم، لا يؤيدونه، الاّ أنه يرى أن هذه المعركة «التجارية» هي البديل الى أن تستنفد دورها بمعارك أخرى، ولذا بدأت الولايات المتحدة بحشد حلفائها القدامى والجدد في جنوب شرق آسيا، مذكرة بأدوارها في الكوريتين وفيتنام ولاوس وكمبوديا وغيرها، والمهم هو احكام الطوق على الصين، قبل فوات الأوان.
لأن الأميركيين يعتقدون ان المعركة مع الصين قادمة، وإن تأجلت، وأن الطفرة الصينية الجديدة ونتائجها الملموسة عبر العالم تشي بخطر قيادة الصين للعالم على حساب الدور والنفوذ الأميركي.
ويحاول ترامب بنفس الأسلوب الذي يستعمله مع الكثيرين من القادة أن يتحدث مع الصين، وان يوجه لها انتقادات، ليس فقط في مجال انتهاك حقوق الانسان والحريات، بل ما قاله في ايار 2020، حين انتقد الرئيس الصيني أثناء جائحة كورونا وحمل الصين المسؤولية، وقال للذين طلبوا منه الحديث مع الرئيس الصيني (لا أريد التحدث معه)، وادعى أن الولايات المتحدة يمكن أن تقطع العلاقة مع الصين بالكامل.
ومن هنا تبني الولايات المتحدة الآن أجندة عدائية تجاه الصين بعد أن فشلت في تدفيع الصين ثمن انتشار وباء كورونا في ولايته الأولى، فهل يدخل ترامب الدكان الصيني طامعاً أن يكون مجرد دكان من زجاج يستطيع الفيل الجمهوري أن يتحرك فيه براحته؟