تطلّ علينا الذكرى التاسعة والسبعون لاستقلال المملكة الأردنية الهاشمية، حاملةً في ثناياها عبق المجد، وعظمة التضحيات، ووهج الطريق الطويل الذي شقّه الأردنيون بقيادةٍ هاشميةٍ حكيمة وبعزم لم يلن، منذ أن تحررت الإرادة الوطنية، وارتفعت راية الاستقلال خفّاقة في سماء وطنٍ لم ينحنِ يومًا إلا لخالقه، ولم يساوم على كرامته وقراره.
لم يكن الاستقلال لحظة عابرة في كتاب الزمن، بل كان إيذانًا بانطلاق مشروع الدولة الحديثة، التي نشأت على قيم الثورة العربية الكبرى، واستمدّت نهجها من عزيمة الرجال وصدق الانتماء، فمضت تُشيّد المؤسسات، وتُعلي من شأن الإنسان، وتواجه المحن بتكاتف أبنائها، وإيمانهم الراسخ بأن الأردن وُجد ليبقى، ويكبر، ويتقدم، ويكون نموذجًا للدولة القوية المنيعة التي تتسلح بالحكمة والعقل والكرامة.
وفي هذا الوطن، الذي باركه الله بأرضه وقيادته وشعبه، سطّر الجيش العربي الأردني صفحات ناصعة من البطولة والولاء، فكان درع الوطن وسياجه، وحامي أمنه واستقلاله، ومحل ثقة قائده الأعلى جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، الذي نشأ وترعرع في ميادين العز والبطولة بين أخوانه رفاق السلاح في مختلف تشكيلات القوات المسلحة الأردنية -الجيش العربي، ويعرف تمامًا قيمة الجندية وشرف السلاح.
وقد أولى جلالته القوات المسلحة كل رعاية وعناية، فارتقت عدتها وعديدها، وتقدّمت صناعتها، وأصبحت قوة محترفة ذات كفاءة عالية، تعمل في ميادين الشرف، وتُشارِك في عمليات حفظ السلام العالمية، رافعةً اسم الأردن في المحافل العسكرية والدولية بكل فخر.
وإلى جانب الجيش، لا بدّ أن نُجلّ رجال أجهزتنا الأمنية بمختلف مسمياتها: جهاز المخابرات العامة، والأمن العام، وكل من كان نصيبه ان يكون حارسًا لأمن الوطن وسلامة المواطن. هذه الأجهزة التي تعمل بصمتٍ ويقظة، وتحبط الفتن في مهدها، وتواجه التحديات الظاهرة والخفية بعينٍ ساهرة وضمير حيّ، هي صمام أمان الدولة، وركنٌ ثابتٌ من أركان الاستقرار الذي ينعم به الأردن وسط إقليم ملتهب. إن تضحياتهم، وإنجازاتهم، ويقظتهم الدائمة، تستحق كل التقدير، فهم رفاق السلاح، وحُماة الداخل، وجنود المعركة التي لا تهدأ.
ولا ننسى المتقاعدين من القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، أولئك الرجال الذين خدموا الوطن بوفاء، ويواصلون اليوم عطاءهم بإخلاص لا ينضب، حاملين إرث المؤسسة العسكرية والأمنية في قلوبهم وسلوكهم، فهم الرديف الحقيقي، والمخزون الاستراتيجي، ونبراس الانتماء الذي يضيء دروب الأجيال القادمة.
ولأن الأردن لم يكن يومًا خارج أمته، فقد ظل وفاؤه لفلسطين عنوانًا ثابتًا في سياسته ووجدانه. قدّم الدعم، واحتضن القضية، وذاد عن القدس، ورفض أن يساوم على حقّ شعبٍ في الحرية والكرامة. ومع كل هذا، تطلّ علينا بين الفينة والأخرى أصواتٌ ناعقة من الخارج، تُشكّك في مواقف الأردن، وتُقلّل من حضوره، وتبخس نضاله في سبيل فلسطين. لكنها لا تغيّر من الحق شيئًا، فمواقف الأردن ليست شعارات، بل تاريخ ناصع، ومواقف سياسية وإنسانية متجذّرة، وخطاب رسمي وشعبي لم يحد يومًا عن جوهر قضيته المركزية.
في عيد الاستقلال، نقف إجلالًا لبناة الدولة وحماتها، ونستذكر الشهداء الذين سطّروا بدمهم أنبل صفحات المجد، ونشدّ على يد كل مخلصٍ يعمل بصمت ليبقى هذا الوطن قويًا، أبيًّا، شامخًا.
إنها مناسبة للعهد المتجدّد، ولليقين الراسخ بأن الأردن سيظلّ بإذن الله منيعًا بمؤسساته، عزيزًا بقيادته، حرًّا بإرادته، وواحة أمن وازدهار لشعبه، ودرعًا حامية لأمّته.
وكل عامٍ وقيادتنا الهاشمية وجيشنا وأجهزتنا الأمنية وشعبنا الوفي بألف خير.
مدير عام المؤسسة الاقتصادية والاجتماعية للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدماء
