في ذكرى الاستقلال، تتعانق ذاكرة الأردن بين ماض حافل بالتضحيات وحاضر يزهو بالإنجازات، لتروي قصة وطن صاغ وجوده بإرادة قيادة حكيمة وعزيمة شعب آمن بأن الحرية تُنال ببذل الجهود، والتقدم يُصنع بالإصرار، فمنذ أن أعلن الأمير عبد الله الأول تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921، وحتى اليوم، يمتد مسار وطني تجسد في ثلاثية السياسة الرشيدة، والاقتصاد المرن، والمجتمع المتماسك.
حمل الأردن، منذ استقلاله عام 1946، رسالة التوازن والاعتدال في قلب منطقة مضطربة، فحافظ على استقراره رغم الحروب والصراعات الإقليمية، بل تحول إلى قلعة أمان لشعوبٍ شقيقة فتح أبوابه لأبنائها الذين لجأوا إليه عبر التاريخ، وبفضل سياسة خارجية حصيفة تجنبت الاصطفافات المتطرفة، وعززت دور المملكة كوسيط سلام، مع المحافظة على الدعم منقطع النظير للقضية الفلسطينية وقضايا الامة بشكل عام، وعلى الرغم من أن التحديات السياسية لم تكن سهلة؛ من النكبة، إلى حرب 1967، مروراً بمحطات مفصلية في الإقليم بخاصة في مرحلة ما سُمّي "الربيع العربي"، إلا أن النموذج الأردني في الإصلاح التدريجي، أثبت أن حكمة القيادة الهاشمية في إدارة الأزمات تُجنب الوطن مخاطر التصد، وتحافظ على مسيرة التنمية والتطور في مختلف المجالات.
لقد واجه الاقتصاد الأردني تحديات بنيوية، من شح الموارد الطبيعية إلى تبعات اللجوء، لكنه تحول في ربع القرن الأخير إلى نموذج في تحويل التحديات إلى فرص، وبفضل رؤية "الأردن أولاً"، تم تعزيز البنية التحتية التكنولوجية، وبرزت المملكة مركزا إقليميا للطاقة المتجددة، مع مشاريع كالطاقة الشمسية والرياح في مناطق الجنوب، كما حققت الصناعات الدوائية والصادرات الزراعية مكانة عالمية، بينما حولت المناطق الاقتصادية الخاصة، كالعقبة، الاستثمار إلى محرك للنمو، صحيح أن الفجوة بين الموارد والاحتياجات ما زالت قائمة، لكن الإصلاحات المالية وشراكات القطاعين العام والخاص تعزز المرونة الاقتصادية.
وتَكرر تحويل التحديات إلى فرص في المجالات الأخرى، فعلى المستوى الاجتماعي أظهر المجتمع الأردني -رغم تنوعه- تماسكا فريدا، فالهوية الوطنية الجامعة حوّلت أزمات اللجوء إلى فرص للتضامن، بينما تطوّر النظام التعليمي الذي بدأ بمدارس محدودة في عشرينيات القرن الماضي بشكل ملحوظ حتى غدا الأردن اليوم منارة ومقصداً للطلبة العرب والأجانب ومُصدّراً للكفاءات إلى العالم، وتبوأت بعض الجامعات الأردنية مراتب عالمية مهمة. وفي الصحة، حققت المملكة قفزات كبيرة ونالت إشادة دولية خلال جائحة كورونا، بفضل بنية تحتية طبية متطورة، ولا يمكن إغفال دور المرأة والشباب، الذين تحولوا من متلقين إلى شركاء فاعلين في التنمية، عبر مبادرات عديدة ومنوعة أسمهت إلى حدّ كبير في التمكين المجتمعي وخاصة في المجالات السياسية والاقتصادية.
ختاما يمكن القول ان الاستقلال لا يعد مجرد لحظة تاريخية، بل عهد متواصل من البناء، فالأردن، بثقة قيادته وروح أبنائه، يكتب فصلا جديدا من الكفاح كل يوم، ليثبت أن الدول تقاس بقدرتها على تحويل التحديات إلى إنجازات على الأرض وسيرة خلود.
