كتب الأردن فصولاً من العمل والإنجاز في ميادين الطاقة والتعدين على امتداد ربع قرن فحول التحديات إلى فرص، وأرسى لبنات الاستقلال الطاقي والتنمية المستدامة. اليوم، ومع احتفال المملكة بعيد الاستقلال التاسع والسبعين، نستعرض أبرز معالم التحول الكبير الذي شهده هذا القطاع الحيوي، والذي بات عنواناً للسيادة الاقتصادية ومحوراً من محاور رؤية التحديث الشاملة.
إنشاء هيئة وصندوق
أسست هيئة تنظيم قطاع الكهرباء في عام 2001 لتمارس دورها كجهة رقابية وفي عام 2014 ووفقا لقانون اعادة هيكلة مؤسسات ودوائر حكومية تم اعادة تسمية ( هيئة تنظيم قطاع الكهرباء) لتصبح (هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن) لتتولى مهام تنظيم قطاع الطاقة والثروة المعدنية في المملكة.
كما انشئ صندوق الطاقة المتجددة وترشيد الطاقة في بداية عام 2015، لرفع الوعي بأهمية تحسين كفاءة استخدام الطاقة والترويج لاستخدام الطاقة المتجددة وذلك من خلال حزمة من البرامج والمشاريع التي شملت القطاعات كافة.
من الاعتماد إلى الاكتفاء التدريجي
انخفاض نسبة استيراد الأردن للطاقة من 94% عام 2000 إلى 76%عام 2023، فقد كان الأردن في مطلع الألفية يعتمد بنسبة 94% على استيراد الطاقة،ما شكل عبئا كبيرا على الاقتصاد الاردني ؛لذلك توجهت المملكة إلى ادخال الطاقة المتجددة لتساهم في خليط الطاقة وخليط الكهرباء وزيادة مساهمة الطاقة من المصادر المحلية في خليط الطاقة ما قلل من الاعتماد على مصادر الطاقة الخارجية وعزز الاستقلال الطاقي والأمن،ليحقق الأردن إنجازا استراتيجيا يعكس نجاح السياسات الطاقية المستقلة وتوسع الاستثمار في الموارد المحلية.
طاقة الشمس والرياح… كنز استراتيجي
تتمتع المملكة بمعدلات سطوع عالية مع أكثر من 300 يوم مشمس على مدار العام ومتوسط سرعات رياح مجدية لانشاء مزارع رياح، ارتفعت مساهمة الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء إلى 26.9% نهاية عام 2024، مقارنة بـ 0.5% فقط في عام 2014. وبلغت الاستطاعة المركبة لمشاريع الطاقة المتجددة أكثر من( 2840 )ميجاواط(2194.8 شمسي و622 رياح) نهاية عام 2024، بواقع 1.5 جيجاواط من المشاريع التجارية و 1.3 جيجاواط من عدادات صافي القياس والقيمة والنقل بالعبور.ويبلغ عدد مشاريع الطاقة المتجددة في المملكة 37 مشروعا.
بنية تحتية للربط الإقليمي
شكلت مشاريع الربط الكهربائي والغازي الإقليمي علامة فارقة في السياسة الطاقية.إذ
ترتبط الشبكة الكهربائية الاردنية بالشبكة المصرية بشكل متزامن منذ عام 1999. كما ترتبط الشبكة الاردنية مع الفلسطينية منذ عام 2008، و تم الانتهاء من تنفيذ خط الربط لتزويد الجانب العراقي بربط محطة الريشة في الاردن مع محطة الرطبة في العراق عام 2023.
كما تم انشاء خط الغاز العربي والبدء بتزويد الغاز المصري لمحطة العقبة الحرارية بتاريخ 2004، وبعدها لمحطتي السمرا ورحاب وتنفيذ الخط من رحاب ولغاية الحدود الأردنية السورية في شهر آذار من عام 2008 وذلك للربط مع خط الغاز العربي داخل الأراضي السورية لتصدير الغاز المصري للشقيقتين سوريا ولبنان عبر الأردن.
استثمارات نوعية ونتائج ملموسة خلال 25 عام
بلغت قيمة استثمارات الأردن في قطاع الطاقة المتجددة 2.15 مليار دينار اردني، مما أسهم في تحريك الاقتصاد الوطني وزيادة فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.
وتقدر قيمة الاستثمارات في قطاع الطاقة منذ عام 1999 حتى عام 2023 بحوالي 10 مليار دولار، مما أسهم في تحريك الاقتصاد الوطني وزيادة فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.
بلغ عدد شركات توليد الكهرباء ثمان شركات عام 2024 في حين بلغ عددها شركة واحدة عام 1999.
أمن التزود والتخزين الاستراتيجي
في خطوة لتعزيز الأمن الطاقي، رفعت المملكة قدرتها التخزينية من المشتقات النفطية بشكل كبير بين عامي 2000 و2024. فقد تضاعفت سعات البنزين والسولار والغاز البترولي المسال، وارتفعت أيام الكفاية إلى أكثر من 60 يوماً لبعض المشتقات.
حيث ارتفع عدد مصادر التزود بالغاز من مصدر واحد عام 2004 ( الغاز المصري) الى 4 مصادر مختلفة مع نهاية عام 2021 (الريشة، الغاز المصري، ميناء الغاز، غاز الشمال).
كما تم العمل على فتح سوق المشتقات النفطية منذ عام 2013، و ترخيص ثلاث شركات لتسويق المشتقات النفطية بعد ان كانت شركة مصفاة البترول هي الشركة التي تقوم بالتكرير والتوزيع في السوق المحلي.
وفي عام 2015 أسست الشركة اللوجستية للمرافق النفطية لتتولى إدارة وتشغيل المرافق النفطية لتخزين المشتقات النفطية.
و نُفذت العديد من المشاريع لرفع القدرات التخزينية التشغيلية والاستراتيجية في المملكة وتطورت السعات التخزينية لمادة البنزين (95) من 20 الى 42 الف طن ولمادة البنزين (90) من 210 الى 340 الف طن ولمادة الغاز البترولي المسال من 27 الى 49 الف طن ولمادة السولار من 320 الى 480 الف طن خلال الفترة 2000 الى 2024.
ورفعت أيام كفاية المخزون لمادة البنزين 90 و95 ولمادة الديزل حيث أصبحت تزيد عن 60 يوما ولمادة الغاز البترولي المسال الى 38 يوما حتى عام 2024.
الغاز المحلي… استثمار مستدام
ارتفعت استطاعة حقل الريشة الغازي إلى 32 مليون قدم مكعب يومياً في 2022، مقارنة بـ 27 مليون قدم مكعب عام 2000، كما ارتفع إنتاج حقل حمزة من 8 برميل عام 2000 إلى 70 برميلاً يومياً نهايةعام 2024. بلغت نسبة مساهمة غاز الريشة في توليد الكهرباء بنسبة 1.8% في عام 2024.
الصخر الزيتي والهيدروجين الأخضر… آفاق جديدة
بدأ الأردن منذ عام 2022 بتشغيل أول وحدة توليد كهرباء باستخدام الحرق المباشر للصخر الزيتي، لترتفع نسبة مساهمته في خليط الطاقة الكهربائية،حيث ساهم بنسبة 15% من إنتاج الكهرباء عام 2024.
وفي إطار استشراف المستقبل، أنجزت وزارة الطاقة والثروة المعدنية خرائط طريق واستراتيجيات للهيدروجين الأخضر بالتعاون مع شركاء دوليين، وعدلت القوانين لتشجيع الاستثمار في هذا المجال الحيوي.
حيث نفذت وزارة الطاقة والثروة المعدنية وبالتعاون مع الشراكة الأردنية الألمانية في مجال الطاقة ووكالة المشاريع الهولندية دراسة لإعداد خارطة طريق للهيدروجين الأخضر في الأردن.
كما قامت الوزارة وبالتعاون مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) بإعداد الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر لتمكين الاستثمار في هذه الصناعة.
وأعدت الوزارة بالتعاون مع البنك الدولي دراسة للإطار التنظيمي للهيدروجين الأخضر ومن أهم الإنجازات فيما يخص الناحية التشريعية تم التعديل على قانون الكهرباء العام والأسباب الموجبة لقانون الغاز بحيث يسمحان للمطورين بامتلاك خطوط نقل خاصة بهم أو أنابيب غاز لنقل الطاقة.
و تعمل وزارة الطاقة بالتعاون مع الشركاء المعنيين، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية على تطوير نموذج عمل لتنفيذ دراسة إمكانية عمل بنية تحتية مشتركة لمشاريع الهيدروجين الأخضر، من أجل تقليل تكاليف الاستثمار وضمان الاستخدام العادل للبنية التحتية المشتركة من قبل جميع مطوري المشاريع.
قطاع التعدين… ثروة وطنية
يشكل قطاع التعدين رافعة اقتصادية حقيقية، شهد قطاع التعدين الاردني خلال الـ 20 عام الاخيرة تطورات كبيرةو تحتل الفوسفات والبوتاس مكانة مهمة في الناتج المحلي والصادرات حيث يمتلك الاردن احتياطيات كبيرة من خام الفوسفات والبوتاس.
كما أطلقت وزارة الطاقة عدداً من البرامج والمذكرات للاستكشاف عن الذهب والنحاس والعناصر الأرضية النادرة، وأُنشئت منصة إلكترونية تفاعلية لعرض الفرص الاستثمارية في الثروات المعدنية.
تعمل وزارة الطاقة بالتعاون مع 13 شركة من ذوي السمعة والخبرة الواسعة وتم توقيع مذكرات تفاهم أو إتفاقية إطارية للسماح للمستثمرين بإجراء دراسات الجدوى لمشاريعهم.
و تشكل هذه الخامات جزء من الناتج المحلي الاجمالي وايضا جزء من الصادرات الوطنية وتعتبر من اهم اعمدة القطاع الصناعي وعملت الحكومة خلال العشرين عام على دعم وتطوير قطاع التعدين من خلال اجراء الدراسات الاستكشافية والبحث عن الخامات المعدنية التي تتوافر بغزارة في اراضي المملكة الاردنية الهاشمية حيث اطلقت الوزارة عددا من البرامج للاستكشاف عن خامات النحاس والذهب، اضافة إلى البحث عن الصخور الصناعية.
رؤى التحديث واهتمام جلالة الملك في هذا المجال ( المستقبل والتطلعات)
استهدفت استراتيجية قطاع الطاقة المعلنة في عام 2020 عن الفترة من (2020-2030) رفع نسبة مساهمة الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء الى 31% بحلول عام 2030، إلا أننا مستمرون ببذل الجهود أملاً بزيادة هذه النسبة الى 50%، حيث نقوم حالياً بمراجعة الاستراتيجية الشاملة لقطاع الطاقة لتحقيق المستهدف الجديد، والعمل على دعم مشاريع التحول نحو النقل الكهربائي وانتاج الهيدروجين الاخضر حيث بدأنا بالسير في الخطوات المطلوبة فنياً وتشريعياً واستراتيجيا في هذا المجال، على أن يتم ذلك مع الاخذ بالاعتبار تدعيم الشبكة الكهربائية و تعزيز استقراريتها من خلال التحول نحو الشبكات الذكية وانشاء مشاريع لتخزين الطاقة الكهربائية و تنفيذ وتوسعة مشاريع الربط الكهربائي مع دول الجوار والعالم، حيث آن الاوان لتعظيم الفائدة من جميع الادوات والتكنولوجيات المتاحة بهدف تخطي التحديات الفنية التي تفرضها الطاقة المتجددة.
كما تم إطلاق رؤية التحديث الاقتصادي في شهر 2022/6، والتي تستهدف رفع ترتيب الأردن بصورة ملموسة في مؤشرات الازدهار ومؤشرات التنافسية والاقتصادية العالمية، ويأتي قطاع الطاقة بشكل أساسي ضمن محور الموارد المستدامة. ويعد التوجه نحو مصادر الطاقة المتجددة على سلم أولويات رؤية التحديث الاقتصادي بتأكيدها على ضرورة وضع خارطة طريق لتحول الطاقة إلى الطاقة المتجددة والبديلة، وتطوير محطات الطاقة والكهرباء، وتعزيز الربط مع دول الإقليم، وسن لوائح وسياسات قطاع الطاقة الجديد لتلائم المستقبل، واستحداث حوافز لخفض التكاليف، ولتوسيع استخدام الغاز الطبيعي في المملكة فقد تبنت الوزارة مشاريع ايصال الغاز للمدن الصناعية ( الموقر ومعان والمفرق ).
في عام 2022 اطلقت وزارة الطاقه والثروة المعدنية الخريطة التفاعلية للثروات المعدنية والتي تهدف الى عرض الفرص الاستثمارية بطريقة حديثة تسهل على المهتمين بالاستثمار الاطلاع على أماكن تواجد هذه الخامات.
وعلى صعيد قطاع التعدين فقد وضع ضمن محرك الصناعات عالية القيمة لرؤية التحديث الاقتصادي الذي يهدف الى جعل الاردن مركزا للصناعات وايضا عملت الوزارة على توقيع عدد من مذكرات التفاهم للاستكشاف والتنقيب عن المعادن الاستراتيجية مثل الذهب والنحاس والفوسفات والعناصر الارضية وبلغ عدد مذكرات التفاهم 11 مذكرة تفاهم وايضا قامت الوزارة بانشاء منصة الكترونية للفرص الاستثمارية للبترول والغاز والثروات المعدنية تتضمن عرض لاهم فرص الاستثمارية الموجودة مع تقارير فنية عن هذه الفرص الاستثمارية مع امكانية تقديم طلبات الاستثمار الكترونيا والربط البيني مع الجهات الحكومية المختلفة.
