ربما نرى أنفسنا كأردنيين، بأننا أكثر الشعوب جلداً للذات، إذ ما من حدث في العالم، إلا وحشرنا أنفنا به، وكأنه حدث ألقى بأحماله على قرية أو مدينة أردنية، وقد ضربها زلزال، أو تعرض سكانها للقتل والنزوح، لا قدر الله.
وربما أيضاً، يُردُّ هذا الشعور، وهذا الجلد، إلى النشأة التي نشأنا عليها في وطن محب للسلام والاستقرار، لم يكن يوماً عبئاً على العالم في زعزعة أو إثارة مشكلات يتبناها أو يحرض على القيام بها ضد أي دولة.
وأكثر من هذا، أننا عشنا في الأردن، ومن عاش معنا من جميع الذين قدموا الينا، بأخوّة ومحبة، حتى صرنا مكوناً واحداً، فلا فرق بين اردني وعربي وأجنبي.
أما عند الحديث عن الأزمات التي تعرّض لها عالمنا العربي، والعالم الغربي، فإن الأردن كان من أكثر الدول التي يلجأ اليها، المشردون، حتى أن طالبي العلم في مؤسساتنا التعليمية، والباحثين عن العمل، وجدوا أنفسهم كما لو هم مواطنون اردنيون، وها هم يمضون عقوداً بيننا، رغم (شح الإمكانيات) التي نوسم بها الأردن صباح مساء!
هذا التعايش رغم ضغوطاته على معيشة الأردنيين وحياتهم اليومية وحاضر ومستقبل أبنائهم، وحسن التعامل بين المكون السكاني، والشعور بالطمأنينة، جعلا من غير الأردنيين، أن يشعروا بمواطنة حقيقية، إذ لا فرق بين من هو قادم إلى المملكة، وأي مواطن اردني، من حيث العمل، وما له من حقوق أقرها القانون، أو حماية أمنية له وهو يعيش يومه، أياً كان عمله، ومكانه.
ولعل من طيبة الأردنيين، ما جعلهم أكثر حرصاً على غيرهم، وذلك من خلال إشراكهم بالمناسبات الأردنية وتعليمهم العادات والتقاليد، حتى بات بعض الأفراد يكتسبون اللهجة الأردنية، ويمارسون إعداد الطعام وطرق تناوله، سواء في منازلهم أو محلات الحلويات والمطاعم.
على الصعيد الإنساني، وهو أكثر ما يميز الأردنيين عن غيرهم في بلدان العالم، فإن ما يلمسه الآخرون، هو تلقيهم العلاج وممارسة التعليم، والمقصود بهم الذين تعرضت بلدانهم للحرب، وكانوا ضحاياها فوجدوا الأردن موئلاً لهم، كما لو هو بلدهم الأصلي.
أجزم أننا كأردنيين، نجلد أنفسنا بما هو فوق طاقتنا وطاقة بلدنا، في حين لو سألنا الذين يشاركوننا الحياة في هذا البلد الطيب، لأبدوا رضاهم، وفضّلوه على كثير من البلدان، وحتى لا نقول بلدانهم التي شرّدوا منها، وجاءوا هنا للحصول على فرص العمل، وأنهم لم يشعروا بغربة، كما يعاني نظراؤهم في بلدان شتى.
هذا هو الأردن، فهل نحافظ عليه مهما اختلفنا وضاقت بنا السبل؟
لنجلد الذات، ولا نجلد الوطن.