بعد صدور الإرادة الملكية السامية بفض الدورة العادية لمجلس الأمة اعتبارا من 18 أيار الماضي، الرأي تقلب صفحات الدورة العادية، عبر مختصين ومراقبين، في محاولة لتقييم الأداء التشريعي والرقابي لمجلس النواب الـ20.
وفي ظل التغيرات السياسية المرتبطة بمشروع التحديث السياسي ودور الأحزاب، طرحت «الرأي» مجموعة من الأسئلة على عدد من الخبراء والمختصين في الشأن البرلماني، الأسئلة تمحورت حول فاعلية المجلس في مناقشة وإقرار القوانين ذات الأولوية الوطنية، ومدى تفاعل النواب مع قواعدهم الشعبية، إلى جانب أثر الأداء البرلماني في تعزيز ثقة المواطنين بالمؤسسة التشريعية، وقد أظهرت الإجابات تبايناً واضحاً في وجهات النظر، لكنها اتفقت على أن الأداء العام لا يرقى إلى مستوى الطموح، لا سيما فيما يتعلق بدور الأحزاب تحت القبة.
واقع الأحزاب تحت القبة
قال أمين سجل الأحزاب في الهيئة المستقلة للانتخاب أحمد أبو زيد الى «$» إن عدد الأحزاب الرسمية القائمة بلغ 37 حزباً، منها 12 حزباً ممثلاً تحت القبة، عبر القوائم المحلية والعامة.
وأوضح أن عدد النواب المنتسبين إلى الأحزاب تحت القبة يبلغ 120 نائباً، سواء ترشحوا ضمن قوائم حزبية أو انضموا إلى الأحزاب لاحقاً، ويُعد حزب الميثاق الحزب الأكبر تحت القبة بعدد 32 نائباً.
النمري: هيمنة الأداء الفردي
العين والنائب السابق جميل النمري أكد في حديثه لـ«$» أن الأداء العام للمجلس العشرين لم يختلف بشكل لافت عن المجالس السابقة، مشيرا إلى أن الأحزاب لم تظهر دوراً ملموساً في تطوير الأداء البرلماني، ولم تتبنَّ مواقف جماعية واضحة تجاه القضايا المطروحة، ما جعل الأداء برلمانياً فردياً.
وحول التشريعات التي أُقرت خلال دورة المجلس، اعتبر النمري، أنها لم تلامس القضايا المجتمعية الملحة مثل الفقر والبطالة والتعليم والصحة والنقل، ورغم وجود بعض التشريعات ذات الصلة غير المباشرة، إلا أن المجلس لم يبادر إلى مناقشة استراتيجيات الوزارات وخططها، والتي تُعد الأقرب لمعالجة قضايا الناس، معتبراً أن الفاعلية المطلوبة تكمن في استدعاء هذه الخطط إلى البرلمان ومناقشتها وإصدار توصيات بشأنها.
وأشار إلى أن بعض التشريعات أثارت جدلاً كبيراً، لكنها لم تكن متصلة بالواقع الحياتي للمواطن، بل انصبت على أجندات سياسية، لا سيما من قبل نواب جبهة العمل الإسلامي، كما حدث في نقاشات قانون الطفل.
وأوضح أن وجود فاعلية «معقولة» في استخدام أدوات الرقابة النيابية، إلا أن الجلسات المخصصة للرقابة كانت محدودة، ما قلّص من أثر هذا الدور، كما أوضح أن الحكومة تُبدي اهتماماً شكلياً بتوصيات وملاحظات النواب، دون متابعة حقيقية للتنفيذ، معتبراً أن كثيراً من مطالب النواب تفتقر للواقعية، إذ تركز على مخاطبة قواعدهم الانتخابية أكثر من المصلحة العامة.
وفي ما يتعلق بأداء النواب تحت القبة، أشار إلى وجود مشكلة مستمرة في احترام الرأي والرأي الآخر، مع هيمنة «الصوت العالي» والتشكيك والترهيب في النقاشات، خاصة في القضايا السياسية والثقافية والاجتماعية.
وختم: ورغم هذه الملاحظات، رأى النمري أن المجلس سجل نجاحاً بارزاً في عبور المرحلة العصيبة التي مرت بها البلاد في ظل الحرب على غزة، حيث مارس دوراً وطنياً داعماً لجلالة الملك والحكومة في مواجهة الضغوط الإقليمية، ما ساهم في حماية الاستقرار الداخلي.
الدعجة: الابتعاد عن العمل الفردي
قال النائب السابق د. هايل ودعان الدعجة إن المجلس الحالي جاء ضمن إطار منظومة التحديث السياسي التي تمثل مشروعا إصلاحيا وطنيا، ركّز بشكل أساسي على تفعيل الأداء الحزبي والبرلماني، تجسيدًا لأهمية المشاركة الشعبية في صناعة القرار وإدارة الشأن العام.
وأضاف ان الهدف من هذه المنظومة هو نقل الأداء النيابي إلى مستوى حزبي برامجي مؤسسي، عبر 3 محطات برلمانية، وصولًا إلى تشكيل حكومات حزبية، وهو ما بدأت الدولة بوضع أسسه من خلال إقرار قانوني الأحزاب والانتخاب.
وأشار إلى أن هذا المسار الإصلاحي وضع مجلس النواب أمام تحدٍ كبير، يتمثل في إثبات قدرته على ترجمة هذه التوجهات إلى واقع ملموس، عبر تعزيز العمل الحزبي تحت القبة، والابتعاد عن الأداء الفردي الذي هيمن على المجالس السابقة وأفقدها قدرتها على تلبية الطموحات الوطنية.
وأعرب أن أداء المجلس خلال دورته العادية الأولى، مؤكدًا أنه لم يكن بمستوى المنشود، إذ بقي حبيس الأداء الفردي، وغير قادر على تشكيل كتل برلمانية حزبية ذات رؤية واضحة أو برامج انتخابية، حتى على مستوى الخطابات تحت القبة، حيث لم تُسجل كلمات تُلقى باسم كتل حزبية، ولم تُقدَّم مقترحات تشريعية تعالج قضايا وطنية كبرى.
وانتقد الدعجة اكتفاء المجلس بالدور التقليدي المتمثل في مناقشة التشريعات المحالة من الحكومة، دون أن يلامس أهم القضايا التي تؤرق الشارع الأردني، وعلى رأسها الوضع الاقتصادي، وما يتفرع عنه من قضايا البطالة، والفقر، والتعليم، والصحة، والمديونية، وارتفاع الأسعار.
وأكد أن غياب التركيز على هذه الملفات انعكس سلبًا على مشاركة المواطنين السياسية، خاصة في ظل شعور عام بأن الأولوية اقتصادية بحتة.
ويبقى تقييم الأداء النيابي، خصوصاً في سياق التحول نحو الحياة الحزبية، محل جدل بين المختصين والمراقبين، لكن ما يبدو واضحاً هو أن الفاعلية الحقيقية لم تُترجم بعد إلى تشريعات ملموسة تمس قضايا الناس، ولا إلى أداء جماعي يعكس تطور العمل الحزبي، وبين التحديات الأمنية والسياسية من جهة، وضعف التأثير التشريعي والرقابي من جهة أخرى، يبقى الرهان على المستقبل.