تشهد الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة قطاع غزة، واحدة من أشد الأزمات الإنسانية والأخلاقية في العصر الحديث، حيث يُستعمل منع المساعدات الإنسانية أداة للضغط السياسي والعسكري، وسط انتهاكات صارخة للقانون الدولي وتدهور مروع في الأوضاع المعيشية، فتكشف هذه الأزمة عن تداخل معقد بين الأبعاد السياسية والقانونية والإنسانية التي تظهر فداحة الجرائم التي ترتكبها دولة الاحتلال الاسرائيلي في هذا المجال.
في الجانب السياسي أصبح منع المساعدات الإنسانية ورقة ضغط غير اخلاقية تستخدمها قوات الاحتلال الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، فمنذ اكتوبر ٢٠٢٣ فرضت إسرائيل حصاراً شاملاً على دخول الإمدادات إلى غزة، مشترطة إطلاق سراح المحتجزين لدى حماس، لكن بعد تحذيرات المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف من «أزمة إنسانية لا تُحتمل» ورغم التصريحات التي اطلقها بعض المسؤولين الاسرائيليين بأن قرار الاحتلال يوم امس المتعلق بالسماح بدخول محدود للمساعدات جاء نتيجة لضغوط أوروبية وامريكية إلا ان هذا الاجراء يبقى مشكوكا في صحة تنفيذه على ارض ال?اقع بشكل فعلي من خلال السماح للمساعدات الدخول إلى غزة بسهولة ويسر.
فمن الناحية القانونية تنتهك إسرائيل بشكل منهجي التزاماتها كقوة احتلال بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، التي تلزمها بتأمين الغذاء والرعاية الطبية للسكان المدنيين، حين يعد منع دخول الشاحنات المحملة بالدواء والغذاء، وتدمير البنية التحتية الحيوية مثل المستشفيات والمخابز، انتهاكا للقانون الإنساني الدولي، كما أكدت محكمة العدل الدولية في جلسات استماع عقدت مؤخرا.
وفي ذات السياق طالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 2024 برأي استشاري من المحكمة حول التزامات إسرائيل، حيث وصفت أفعالها بـ«التطهير العرقي» و«استخدام الجوع كسلاح حرب»، ومع ذلك، استمرّت إسرائيل في تجاهل هذه الدعوات، مدعومة بحماية أمريكية.
امًا في الجانب الإنساني فإن ما يحدث في غزة يعتبر كارثة إنسانية غير مسبوقة، فوفقاً لتقارير الأمم المتحدة، يعاني 91% من سكان غزة من انعدام الأمن الغذائي، بينما يواجه 71 ألف طفل خطر الموت بسبب سوء التغذية الحاد، كما أدى توقف المخابز ونفاد الوقود إلى انهيار كامل في توزيع الغذاء، فيما تعجز منظمة الصحة العالمية عن علاج آلاف الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية.
كما أدى تدمير القطاع الصحي إلى تفشي الأمراض، حيث تعمل 17 مستشفى فقط بشكل جزئي من أصل 36، وأفادت وزارة الصحة في غزة بوفاة عشرات الأطفال بسبب الجوع منذ بداية الحصار، بينما تحذر اليونيسف من «انهيار كامل للخدمات الأساسية».
المحزن في الأمر ان أزمة غزة تكشف عن فشل النظام الدولي في حماية المدنيين، حيث تستخدم المساعدات الإنسانية كأداة سياسية، وهو الأمر الذي يتطلب تحركا دوليا عاجلا وجادا لفتح المعابر دون قيود، ومحاسبة إسرائيل على جرائمها وانتهاكاتها، ودعم وكالات الإغاثة مثل الأونروا، التي تواجه تقويضا ممنهجا من قبل الاحتلال، كما يجب على المجتمع الدولي تجاوز الصمت والانحياز للشعب الفلسطيني، فالكارثة الإنسانية في غزة لم تعد مجرد نتيجة لصراع محلي او إقليمي بل هي اختبار لإنسانية العالم أجمع الذي يرى نهارا جهارا فداحة الجرائم الإسرائي?ية التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني دون أن يحرك ساكنا او يتخذ إجراء يحدث اثرا ايجابيا في حياة الفلسطينيين.