في التاسع عشر من أيار من كل عام، يحتفل العالم بـاليوم العالمي لطبيب الأسرة، وهو مناسبة لتكريم هؤلاء الأطباء الذين يلعبون دورًا محوريًا في الأنظمة الصحية حول العالم، اذ يُعد طبيب الأسرة حجر الزاوية في الرعاية الصحية الأولية، حيث يكون أول نقطة اتصال بين المريض والنظام الصحي، ويقدم رعاية صحية شاملة ومستمرة للأفراد والعائلات عبر مختلف مراحل الحياة.
شعار هذا العام هو «بناء المرونة العقلية في عالم متغير» مع التأكيد على الدور المحوري لطبيب الأسرة في دعم الصحة النفسية والقدرة على الصمود.
طبيب الأسرة ليس مجرد مقدم خدمة علاجية فقط، بل هو طبيب شامل يتعامل مع مجموعة واسعة من الحالات الصحية بالمفهوم الشمولي للرعاية الصحية، من الأمراض الحادة إلى المزمنة، ومن الوقاية إلى العلاج والتأهيل، يتميز عمله بـالمتابعة المستمرة للمرضى، مما يضمن تشخيصًا دقيقًا وعلاجًا فعالًا ويتم هذا التعامل مع مختلف الفئات العمرية، من الأطفال إلى كبار السن، ويقدم رعاية متكاملة لمرضاه تشمل الجوانب الجسدية والنفسية والاجتماعية.
وفقا لمنظمة الصحة العالمية يتخرج سنويا حوالي 700 طبيب أسرة في اقليم شرق المتوسط، في حين تقدر حاجة الاقليم بحوالي 21 الف طبيب أسرة جديد كل عام لكي يتحقق المعيار العالمي المتمثل بتوفير ثلاثة أطباء أسرة لكل 10 آلاف نَسَمة، أما حاجة الاردن اليوم، فتقدر بثلاثة آلاف طبيب أسرة، متوفر منهم أقل من 500 طبيب اسرة في كل القطاعات الصحية في المملكة، ولسد الفجوة في الأعداد المطلوبة من أطباء الأسرة يبدو أننا بحاجة ماسة–أمس قبل اليوم–لتبني نهج طب الأسرة، وذلك في ظل محدودية أعداد الخريجين في هذا الاختصاص، إذ لا يتجاوز عددهم?الـ 40-50 طبيب أسرة سنويا من كل القطاعات، فقد أصبحت الحاجة ماسة لإطلاق دبلوم مهني لنهج طب/ صحة الأسرة، مما يوفر التدريب لآلاف من الاطباء العامين والكوادر الصحية التي تساند طبيب الأسرة في عمله اليومي ضمن عمل الفريق، حيث يعمل طبيب الأسرة كمنسق وكقائد للفريق الطبي الذي يعاين الحالة بشكل شمولي ومتعدد الأوجه.
يؤدي طبيب الأسرة دورًا رئيسيًا في الطب الوقائي، من خلال التطعيمات والكشف الدوري، مهتما ايضا بكافة جوانب التوعية بأسلوب الحياة الصحي (التغذية، الرياضة، الإقلاع عن التدخين وغيرها)، يركز في ممارسته اليومية على الكشف المبكر عن الأمراض غير السارية (المزمنة) مثل السكري وارتفاع ضغط الدم.
يعمل طبيب الأسرة كـحلقة وصل بين المريض والمتخصصين، حيث يحيل الحالات المعقدة إلى الأخصائيين عند الحاجة ويتابع نتائج التحاليل والأشعة ويضمن تكامل الرعاية، ويبرز دور طبيب الأسرة من خلال تقليل العبء على المستشفيات بفضل الكشف المبكر والمتابعة، وبذلك يتم تجنب المضاعفات التي تستدعي دخول المستشفى، وله دور كبير في تخفيف الضغط على أقسام الطوارئ بتقديم الرعاية الأولية في المراكز الصحية والعيادات، ما يؤدي الى خفض تكاليف الخدمات الصحية لانه بالتأكيد الرعاية الصحية الأولية أقل تكلفة من العلاج في المستشفيات، فمن خلال هذا?الدور يتم توافر مبالغ طائلة على الحكومات والأفراد.
يعرف طبيب الأسرة بيئة المريض وعاداته وثقافته وممارساته اليومية، مما يساعده على تقديم نصائح مخصصة وهذا يصب في اطار تعزيز الصحة المجتمعية.
رغم الأهمية الكبيرة لدوره، الا انه ما زال في القطاع العام وتحديدا في وزارة الصحة، يواجه طبيب الأسرة عدة تحديات، منها: الإرهاق ونقص الكوادر، كثرة عدد المرضى مقارنة بعدد الأطباء، ساعات العمل الطويلة والضغوط النفسية.
كيف يمكن دعم طبيب الأسرة لتعزيز دوره؟ يجب اتخاذ إجراءات شاملة وجذرية مثل: تحسين ظروف العمل، زيادة عدد الأطباء وتوزيعهم بشكل عادل، توفير التدريب والتطوير المهني المستمر، تعزيز التوعية المجتمعية من خلال حملات تثقيفية عن أهمية الرعاية الصحية الأولية، تشجيع المواطنين على المتابعة الدورية وزيادة الميزانيات المخصصة للرعاية الصحية الأولية.
خلاصة القول؛ في اليوم العالمي لطبيب الأسرة، نحتفي بهؤلاء الأبطال الذين يقفون في الصفوف الأمامية للرعاية الصحية الاولية وندرك أن دورهم يتجاوز العلاج إلى الوقاية، التوعية والتنسيق بين الخدمات الصحية، مما يجعلهم عنصرًا أساسيًا في أي نظام صحي ناجح، فهم بحاجة إلى مزيد من الدعم والاعتراف لمواصلة رسالتهم السامية.
رسالة مني وبالانابة عن المئات من زملائي أطباء الاسرة الى أخي وصديقي معالي وزير الصحة: لنعمل معًا على تعزيز مكانة طبيب الأسرة، لأنه ببساطة حارس صحتنا الأول! وهو خير من يترجم قول «الوقاية خير من العلاج» الى أفعال لان هذه الجملة تختصر فلسفة طبيب الأسرة، الذي يعمل ليكون سندًا للمجتمع في رحلته نحو حياة أكثر صحة وعافية.
اما خاتمة القول، الرعاية الصحية الاولية هي الاساس لاي نظام صحي قوي ومرن وطبيب الاسرة هو ركيزتها ولا يمكن الوصول الى التغطية الصحية الشاملة دون تعزيز الرعاية الصحية الاولية وتمكين طب الاسرة.
* أمين عام المجلس الصحي العالي السابق