كتاب

جماعة عمان تدخل عقدها الثاني

 

اهنئ زملائي أعضاء جماعة عمان لحوارات المستقبل وعلى رأسهم الاستاذ بلال حسن التل بمناسبة دخول جماعتنا عقدها الثاني. تلك الجماعة التي اثبتت حضورها القوي على الساحة الأردنية على كافة الأصعدة وفي كل المجالات.

هذه الجماعة التي اهتمت بالوطن والمواطن والأرض والتراث والثقافة والرياضة والصحة والعلم والعلماء.

هذه الجماعة التي احبت الوطن وانتمت لترابه عملا وقولا وحباً وانتماء واعتزازا بالوطن وقيادته الهاشمية الحكيمة المتمثلة بجلالة الملك عبدالله الثاني وجلالة الملكة رانيا وسمو ولي العهد الحسين بن عبدالله…

التغيير احدى سنن الله تعالى في خلقه، وبموجبه تدخل البشرية في أطوار مختلفة من الافكار والحضارات، ولذلك فان لكل جيل افكاره وثقافته ورؤيته للكون المستقاة من واقع علوم عصره ومنجزاته الحضارية.

وكما قال الله تعالى في محكم كتابه «يقلب الليل والنهار» فاننا نتقلب بالتغيير المستمر، فما هو ثابت اليوم ونراه صحيحا قد يكون لدى الجيل اللاحق خطأ ولا يناسب طبيعة عصرهم وتحديات مشكلاته، حتى في النظريات العلمية والطبية تأتي نظرية لتفند سابقتها، او تطور او تعلو عليها فتكون لها الغلبة.

ولنتخيل لو اننا لم نقلب الارض بالحرث فهل لها عندما نضع لها البذور ان تنبت شجرها؟ يمكن بصعوبة بالغة، وان كان معظم الزرع يموت ولا يكتمل نموه. وهكذا البشرية لابد لها من الدخول في أطوار من التغيير المناسب لعصرها حتى تؤتي جهود اجيالها ثمار علمها واخلاقها وحضارتها.

من هنا وجدتني في أشد الانجذاب الى «جماعة عمان لحوارات المستقبل» بوصفها حركة تغيير مجتمعي تسعى لغربلة المفاهيم السائدة والاستفادة مما هو ايجابي منها، وطرح المفاهيم السلبية الخاصة بالاتكالية والانهزامية والانعزالية بعيدا، تحقيقا لتعديل السلوك الفردي والمجتمعي وفقا لطاقات العمل الجاد والمهارات والخبرات الحديثة، والحوار والتوافق على القواسم المشتركة التي تجمعنا ولا تفرقنا في الولاء للوطن وحمايته بالعلم والعمل والفكر المشترك.

استوقفني سعي جماعة عمان لحوارات المستقبل، الى اعادة الوعي الوطني والقومي و السردية الوطنية وفقا لمعطيات عصرنا، ووفقا لاعمال العقل في شتى معطيات حياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

من هنا تأتي اهمية الاهداف التي وضعتها «جماعة عمان» الرامية الي المساهمة في بناء الانسان المتوازن نفسياً ووجدانياً, وهذا لن يتحقق بمعزل عن اكسابه للمهارات العصرية التي تحقق ثقته بنفسه وبقدرته على الانتاج وعلى الالتزام بقيم مجتمعه.

وضعت «جماعة المستقبل» يدها بمشرط الجراح علي أسباب الخلل الذي اصاب المجتمع متمثلا في تراجع الاهتمام بالمؤسسات المعنية ببناء الانسان فكريا ووجدانيا وما ترتب على ذلك من خلل موازٍ قاد الافراد الى السلوك السلبي، وهذا صحيح، فلما كانت هذه المؤسسات في السابق نشطة وتقوم بدورها التثقيفي والتعليمي والتهذيبي كان سلوك الافراد متحضرا ونفسيتهم متسقة مع نفسها ومع المجتمع بلا تنافر او عنف وتسوده روح الجماعة بلا أنانية.

ولكننا عندما نجرح بمشرط الجراح لنعرف موطن الداء، فعلينا الا نجلد حتى الموت والا تساوينا بمن زرع الاحباط والتشاؤم في اوساطنا، فادراكنا للمساوئ فقط سبيل للبحث عن العلاج والتعافي من امراض مجتمعنا ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الشعارات الرنانة بالوطنية والقومية دون ان يكون لها عمل متحقق على الارض يؤكد صدق هذه الشعارات الا في الحدود الدنيا.

ومن هنا تأتي اهمية الحوار الفعال والمشترك بين أطياف المجتمع في مناطق المركز والاطراف على حد سواء، والتفكير الجماعي بمعزل عن أية نزعة أنانية أو فردية لبحث مشكلات مجتمعنا والتعاون معا في ايجاد علاج ناجع وعملي لها يسهل تطبيقه على أرض الواقع بعيدا ان أية شعارات ليس لها محلا من الاعراب.

قد تكون الفردية مهمة عندما تكون مشبعة بروح الاحساس بالمسؤولية تجاه المجتمع ككل ومنها تبث روح الجماعة، فيد الله مع المجموعة،عندما تتعاون على البر والتقوى ولا تتعاون على الاثم والعدوان، والتعاون المجتمعي هنا يفتح الابواب لترسيخ قيم المشاركة والحرية المسئولة وغرس الوعي بحاجة المجتمع لقبول الاخر ونشر ثقافة التعدد الفكري وقيم العدل ومحاربة فساد المحسوبية والواسطة.

كما ان دور جماعة عمان في المبادرات الاجتماعية والسياسية والثقافية الحساسة والمعاصرة جعل منها مرجعا وطنيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا هاما

خاصة في مبادرة الحفاظ على اللغة العربية التي اطلقتها الجماعة بإيمان وثبات في هذه المعركة الحاسمة لتكون اللغة العربية هي الحاضرة والمسيطرة والحاضنة لتراثنا وأمجادنا ومستقبلنا

ان حرص «جماعة عمان» على ابراز أهمية المحافظة على العمق العربي للوطن الأردني، تجسير العلاقات العربية، وتذكير الأردنيين بهويتهم التاريخية الحضارية، وتنوعها في إطار الوحدة، يؤكد وعيهم بأهمية الحفاظ على الهوية الاردنية، ويمثل القاعدة التي يبني عليها اية توجهات فكرية وحضارية جديدة تسعى الجماعة الى تكريسها ومنها تعزيز مبدأ النزاهة والشفافية وفقا لمعطيات دولة القانون التي تعطي كل صاحب حقه.

ولما كانت حاجتنا ملحة نحو تطوير المجتمع علميا ليواكب تحديات العصر، فان ذلك لن يتحقق بمعزل عن بناء نظام تعليمي وتربوي متميز، كما ذهبت الى ذلك «جماعة عمان» لتعزيز البحث والتفكير العلمي وتوظيفة لخدمة المجتمع وإيجاد الحلول لمشكلاته.

والتأسيس لهذه المنظومة التعليميمة والتربوية لا بد وان تنطلق منذ الطفولة المبكرة للأفراد مرورا بمراحل التعليم والتثقيف المختلفة ومن ينابيع عربية واجنبية.

وما يسعدني حرصنا في جماعة عمان على الدعوة لتبني الاهتمام باللغة العربية لتصبح لغة للعلوم والمعارف، من خلال كتابة علمائنا وباحثينا علومهم وبحوثهم بلغتهم العربية الأم.

وأشكر جماعة عمان، على حرصهم على هذه القضية، لاننا فعلا عندما تعاملنا مع اللغات الاخرى وكأننا قد كتبنا شهادة وفاة للغة الضاد وعشنا تغريبا عن قيمنا واخلاقنا ايضا، ومن ثم فان الدعوة لاحياء اللغة العربية على هذه الشاكلة فهو احياء لانفسنا وقيمنا وعروبتنا وهويتنا الاردنية والقومية. ومن اكثر ما حمسني لجماعتنا هو اعتزازنا في اردنيتنا والمحافظة على الارث الاردني الحضاري والثقافي والتأكيد على الهوية الوطنية والانتماء والفداء للوطن.