رغم تصاعد القلق البيئي وتنامي حجم النفايات في الأردن، لا تزال ثقافة إعادة التدوير في بداياتها، وسط تحديات متشابكة تبدأ من ضعف الوعي المجتمعي، وتصل إلى شبه غياب للتشريعات المحفزة والبنى التحتية الكافية.
ومع ذلك، تتواصل المبادرات الحكومية والخاصة، وإن ببطء، لدفع هذا القطاع نحو أداء أكثر فاعلية واستدامة.
واقع ضعيف ومحاولات متواضعة
يصف المدير التنفيذي لشركة "الإمتياز لإدارة المرافق"، إياد فريد المشني، واقع إعادة التدوير في الأردن بأنه "ضعيف نسبيًا"، على الرغم من جهود حكومية متواصلة خلال السنوات الأربع الماضية لنشر الوعي البيئي.
ويؤكد المشني أن معظم المواطنين لا يدركون بعد خطورة النفايات الصلبة والخطرة والإلكترونية على المدى القريب والبعيد، خصوصًا في ما يتعلق بتأثيراتها على المناخ والبصمة الكربونية.
ويضيف أن نقص التمويل يشكل عائقًا كبيرًا أمام إنشاء مصانع لإعادة التدوير، وأن الشركات العاملة في هذا المجال تواجه مشاكل مزمنة تتعلق بضعف فرز النفايات من المصدر، وعدم توفر الحاويات المناسبة في المنازل والمؤسسات.
حلول مقترحة: شراكات وتمويل وتشريعات
يشدد المشني على ضرورة تشكيل شراكات حقيقية بين القطاعين العام والخاص، وإطلاق حملات توعوية منظمة في المدارس والمجتمعات، إلى جانب تقديم منح دعم مباشرة للشركات التي تنشط في إعادة التدوير. كما دعا إلى تسهيل إجراءات تصدير النفايات، وإنشاء مصانع لإعادة تدوير الزجاج، الذي يتراكم دون جدوى حاليًا.
إحصائيات مقلقة واستثمار غائب
تشير بيانات البنك الدولي إلى أن نسبة المواد القابلة لإعادة التدوير التي يتم جمعها في الأردن لا تتجاوز 10% إلى 15% من إجمالي النفايات البلدية، والتي تصل إلى نحو 3 ملايين طن سنويًا. كما يعاني القطاع من اعتماد مفرط على تمويل خارجي أو مؤقت، مما يجعل أغلب المبادرات قصيرة الأجل ومحدودة الأثر.
ويعزز هذه التقديرات ما أشار إليه برنامج الأمم المتحدة للبيئة من أن الأردن يُنتج نحو 100 ألف طن من النفايات الإلكترونية سنويًا، مع توقّع زيادة سنوية تتراوح بين 5% و10%. ورغم ذلك، لا توجد مرافق كافية لمعالجة هذه الكميات، ما يؤدي إلى التخلص منها بطرق ضارة تشمل الحرق والدفن، مع ما ينتج عن ذلك من تسرب لمواد سامة إلى التربة والمياه.
جهود رسمية وخطط وطنية
تبنت الحكومة الأردنية عدة خطوات لتحسين إدارة النفايات، من أبرزها الخطة الوطنية للتوعية البيئية وخطة إدارة النفايات 2022–2026، التي أقرها مجلس الوزراء.
وتشمل الخطة توزيع حاويات فرز في المدارس والمنازل، وتنظيم حملات توعوية، وإنشاء آليات لجمع وفرز النفايات بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص، بما يسهم في التحول نحو اقتصاد أخضر.
كما أطلقت أمانة عمان الكبرى مبادرات متعددة لتعزيز فرز النفايات من المصدر، شملت توفير حاويات خاصة لجمع الورق والبلاستيك، وتنظيم حملات توعية في المدارس والمجتمعات المحلية.
المجتمع المدني.. الحضور الطوعي والمحدود
ترى مؤسسة مبادرة "JoRecycle"، فجر حتاملة، أن العديد من شركات إعادة التدوير العاملة في السوق "شكلية" ولا تدار باحتراف، مشيرة إلى أن أسعار المواد المعاد تدويرها لا تغطي التكاليف التشغيلية.
وتدعو حتاملة إلى تبنّي نهج مجتمعي شامل يعتمد ثقافة التدوير كأسلوب حياة، وسنّ قوانين تلزم المصانع باستخدام المواد المعاد تدويرها، ومنع استيراد المواد الخام التي تتوفر بدائلها محليًا.
تعكس المعطيات السابقة حجم الفجوة بين الطموحات البيئية في الأردن والواقع التشغيلي لقطاع إعادة التدوير.
فبين ضعف البنية التحتية وغياب الحوافز والتشريعات، تقف هذه الصناعة الناشئة عند مفترق طرق: إما أن تستثمر الدولة والقطاع الخاص في تطويرها، أو تبقى مجرد شعارات في خطط غير منفذة.
وربما يكون المدخل الأساسي للتغيير الحقيقي هو تحويل ثقافة إعادة التدوير من مسؤولية نُخَب بيئية أو مبادرات تطوعية، إلى سلوك مجتمعي عام تدعمه الدولة وتشجعه الشركات بقوة القانون والربح.