في ضوء التحديات المتسارعة التي يشهدها النظام الصحي العالمي أعلن البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية عن الحاجة إلى أكثر من 10 ملايين عامل صحي إضافي بحلول عام 2030 وذلك لتغطية النقص الحاد في الخدمات الصحية خاصة في المناطق منخفضة ومتوسطة الدخل.
ورغم امتلاك الأردن لقاعدة قوية من الكفاءات الطبية المتميزة، إلا أن المشاركة الأردنية في سد هذا العجز لا تزال متواضعة لأسباب تتعلق بضعف المأسسة، وقصور السياسات، وغياب الرؤية الاستراتيجية لتسويق هذه الكفاءات خارج الحدود، وفق مدير الخدمات الطبية الملكية السابق وعضو اللجنة الاستشارية في مجلس السياسات الوطني الدكتور عادل الوهادنة.
وتشير التقارير العالمية إلى أن سوق العمل الصحي العالمي يشهد توسعا غير مسبوق، حيث من المتوقع أن يزداد عدد السكان ممن هم فوق 60 عاما بنسبة 34% بين 2020 و2030، مما سيرفع الطلب على الرعاية الصحية المزمنة والطويلة الأمد.
وأكد الدكتور الوهادنة ل«$» أن هذه المعطيات تؤكد أن الأردن يمتلك نافذة زمنية محدودة، لاقتحام هذه الأسواق من خلال كفاءاته المدربة والمعترف بها أكاديميا ومهنيا.
وأضاف انه عند مقارنة أداء الأردن مع دول تمتلك بنية تحتية صحية وتعليمية مشابهة، نلاحظ فروقات جوهرية في النتائج، فمثلا استطاعت دولة صغيرة في الإقليم إرسال أكثر من 1,200 طبيب خلال عام واحد فقط إلى خمس دول إفريقية، نتيجة تنسيق مباشر بين وزارات الصحة والخارجية ومجالس التخصصات الطبية.
ورغم ذلك، فإنه لا توجد أرقام رسمية منشورة حتى اللحظة وفق الوهادنة، من الجهات الأردنية المختصة، توضح عدد الأطباء الأردنيين العاملين في إفريقيا أو جنوب شرق آسيا، ما يعكس ضعف التوثيق والتحليل الاستراتيجي لهذا المورد الوطني.
وأكد أن التجربة الأردنية تظهر أن تسويق الطبيب الأردني في الأسواق الدولية، لا يزال محصورا في اجتهادات فردية ومعارف شخصية، ووسطاء تجاريين أو مكاتب توظيف خارجية، وغياب الدور الفاعل للملحقيات الصحية أو للسفارات في الترويج المؤسسي للكفاءات.
واعتبر الوهادنة أن ذلك يقود إلى إشكالات، كتفاوت العقود وظروف العمل، و غياب الدعم القانوني والمهني للطبيب الأردني في الخارج، وضعف تتبع الأداء أو دراسة الأثر الاقتصادي لتحركات الأطباء الأردنيين.
وأوضح أن مستشفيات في آسيا الوسطى تمنح حوافز تصل إلى 15,000 دولار سنويا للطبيب الأجنبي، ومع ذلك تم التعاقد مع كفاءات من دول مجاورة للأردن، كذلك الدول التي نجحت في اقتحام هذه الأسواق وظّفت الملحقيات الصحية كأذرع استخبارات مهنية ترصد الاحتياجات، وتوفر التأهيل المناسب للكفاءات قبل إرسالها، وهو ما تفتقده التجربة الأردنية.
وفيما يتعلق برؤية استراتيجية لتحويل الأردن إلى مصدر إقليمي للكفاءات الطبية المؤهلة دوليا، نوه الوهادنة إلى أهمية مأسسة الجهد عبر إنشاء وحدة وطنية لتسويق الكفاءات الصحية، تعنى بجمع البيانات، تحليل الاتجاهات، وتنسيق الجهود مع السفارات، إعادة توصيف دور السفارات الأردنية والملحقيات الصحية لتكون أدوات استقصاء وتنسيق مهني نشط في الأسواق المستهدفة.
وطالب أيضا بتأهيل الأطباء الأردنيين باللغات والمعايير الدولية في التخصصات المطلوبة في كل منطقة (فرنسية لإفريقيا، ألمانية لأوروبا الوسطى، إلخ)، وتبني دبلوماسية صحية نشطة لتوقيع مذكرات تفاهم مع وزارات الصحة والهيئات الطبية الدولية، لتخصيص حصة للأطباء الأردنيين ضمن عقود التعاون الثنائية.
ودعا إلى الانتقال من التنظير إلى التنفيذ، ومن الفردية إلى المأسسة، حتى لا تتحول الكفاءات الأردنية إلى رصيد مستنزف، بدلا من أن تكون رأسمالا وطنيا منتجا ومصدرا للنمو.
تسويق الكفاءات الطبية.. فرصة وطنية مؤجلة
12:51 18-5-2025
آخر تعديل :
الأحد