محليات > العاصمة

السياحة العلاجية.. إمكانيات طبيعية وتحديات لوجستية

 

يعتبر الأردن وجهة معروفة للسياحة العلاجية كونه يضم مصادر فريدة للمياه المعدنية والحارة في مناطق البحر الميت وحمامات ماعين والحمة وحمامات عفرا وغيرها من المواقع.

حمامات عفرا الواقعة في محافظة الطفيلة واحدة من أهم الوجهات السياحية الاستشفائية في المملكة، وتستقطب هذه المنطقة آلاف الزوار سنوياً من داخل الأردن وخارجه، بفضل مياهها المعدنية الحارة التي تتمتع بخصائص علاجية نادرة، وتتدفق المياه من أكثر من خمسة عشر ينبوعاً بدرجة حرارة تتراوح بين 45 و48 درجة مئوية، لتشكل شلالات وبحيرات صغيرة غنية بالمعادن مثل الكالسيوم، والصوديوم، وكلوريد الكبريتات، وغاز ثاني أكسيد الكربون، وكبريتيد الهيدروجين، والرادون.

وتتميز هذه المياه بتركيز عالٍ من عنصر الرادون بنسبة 18.3 نانوكوري لكل لتر، مما يجعلها تُعرف باسم المياه الرادونية، حيث تساعد هذه العناصر في علاج العديد من الأمراض مثل الروماتيزم، وآلام المفاصل، والتهابات العضلات، واضطرابات الدورة الدموية، وفقر الدم، وبعض حالات العقم، وتعود شهرة حمامات عفرا إلى استخدامها منذ العصر الروماني، حيث كان الأثرياء يقصدونها للاستشفاء، مما يعكس أهميتها التاريخية والعلاجية.

وتصل كمية المياه المتدفقة في وادي عفرا إلى حوالي متر مكعب كل ثانيتين، مما يجعلها من أقوى الينابيع تدفقاً في الأردن، ويمتد الوادي على طول 15 كيلومتراً، ويقع على بعد 26 إلى 30 كيلومتراً شمال مدينة الطفيلة، وتحيط به جبال ذات نقوش صخرية طبيعية تضفي جمالاً استثنائياً على المكان، وتضم المنطقة مركزاً للخدمات السياحية يحتوي على عيادات طبية، وبرك للاستحمام، وثمانية شاليهات مجهزة، ووحدات صحية، ومصاطب للاستراحة، وتتوفر أماكن مخصصة للشواء مزودة بأربعين منقلاً حديدياً متنقلاً للحفاظ على نظافة الموقع، فيما تم تزويد الشا?يهات بمياه حارة مباشرة من الينابيع، مع إضافة معرشات بمساحة 650 متراً مربعاً لتوفير الظل للزوار.

ورغم هذه المزايا؛ تواجه حمامات عفرا تحديات لوجستية كبيرة تعيق تطويرها كوجهة سياحية عالمية، حيث يعاني الموقع من ضعف شديد في خدمات الاتصالات والإنترنت، مما يصعب التواصل ويحد من تجربة الزوار.

ويقول مصدر في إحدى شركات الاتصالات الخاصة، طلب عدم ذكر اسمه، إن التضاريس الجبلية المحيطة بالمنطقة تشكل عائقاً تقنياً أمام توسيع شبكات الاتصال، لكنه أكد أن هناك خططاً مستقبلية لتحسين التغطية في المناطق السياحية النائية.

ويضاف إلى تلك التحديات غياب وسائل النقل العام إلى الموقع، مما يجبر الزوار على استخدام مركبات خاصة، ويزيد من صعوبة الوصول، خاصة للأشخاص الذين لا يملكون سيارات، فيما يواجه الزوار أيضاً طريقاً وعراً يمتد لمسافة 30 متراً عرضه، لكن الجزء المعبد منه لا يتجاوز سبعة أمتار، مما يسبب ازدحاماً وصعوبة في الحركة عند التقاء المركبات، كما يفتقر الطريق إلى الإنارة الليلية والشواخص الإرشادية على التقاطعات الرئيسية، بين مدينة الطفيلة ومدينة الكرك، وطريق البحر الميت، والبتراء، والطريق الصحراوي، مما يزيد من صعوبة الوصول للزوا? الجدد.

ويؤكد مدير أشغال محافظة الطفيلة المهندس عمار الحجاج على أن الطريق المؤدي إلى حمامات عفرا يخضع حالياً لخطط توسعة مستقبلية لتلبية احتياجات الموقع السياحي، مشيراً إلى أن الوضع الحالي للطريق يخدم الغرض رغم وجود بعض التصدعات، ليعكس هذا الوضع الحاجة إلى جهود حكومية متكاملة لتحسين البنية التحتية المحيطة بالموقع.

وتظهر شكاوى أخرى من نقص خدمات إدارة النفايات، حيث لا تقدم بلدية الطفيلة الكبرى خدمة نقل النفايات من الموقع، مما يشكل عبئاً على إدارة الموقع، ويضاف إلى ذلك عدم دقة خرائط جوجل في توجيه الزوار، خاصة على الطريق الواصل بين مدينة الكرك وحمامات عفرا، مما يتطلب تحديثاً تقنياً لتحسين تجربة الزوار.

ويبرز دور القطاع الخاص في إدارة وتطوير الموقع، حيث أُحيل عطاء تشغيل حمامات عفرا في كانون الأاول من عام 2021 إلى جمعية أبناء ضانا للخدمات الاستثمارية السياحية بقيمة 114 ألف دينار لمدة خمس سنوات، ويقول رئيس الجمعية عامر الخوالدة إن هذا الاستثمار يعكس ثقة الجهات الرسمية بقدرة القطاع الخاص على إدارة المواقع السياحية الحيوية، مشيراً إلى أن الجمعية عملت على إعادة تأهيل الموقع بعد توقف دام أربع سنوات، من خلال صيانة البرك، وتزويد الشاليهات بالمياه الحارة، وتنظيف الموقع، وزراعة الأشجار، وإضافة مرافق جديدة، ورغم هذه?الجهود؛ يواجه الموقع تحديات تتطلب دعماً حكومياً أكبر لضمان استمراريته، فيما تسعى الجمعية إلى تسويق الموقع بفعالية لاستقطاب المزيد من الزوار، خاصة من الدول العربية والأجنبية.

ويحكي السائح السعودي فهد الوخيان عن تجربته في زيارة حمامات عفرا، مؤكداً أن المياه الحارة ساهمت في تخفيف آلام ظهره بشكل ملحوظ، وأعجبته الطبيعة الخلابة المحيطة بالموقع، لكنه أبدى استياءه من وعورة الطريق وضعف خدمات الاتصال، داعياً إلى تحسين البنية التحتية لتسهيل الوصول وتعزيز تجربة الزوار، وتعكس تجربته مزيجاً من الإعجاب بالإمكانيات الطبيعية والعلاجية للموقع، والحاجة إلى تحسين الخدمات اللوجستية.

وتظهر الأرقام أن رسوم الدخول إلى حمامات عفرا تتسم بالتكلفة المنخفضة، حيث تبلغ ديناراً واحداً للمواطن الأردني خلال النهار من الثامنة صباحاً حتى الثامنة مساءً، ودينارين للفترة المسائية حتى منتصف الليل، وثلاثة دنانير بعد منتصف الليل، بينما تبلغ تكلفة الدخول للزوار العرب خمسة دنانير، وللأجانب 7.5 دينار، ويحصل الأطفال دون سن العاشرة على خصم بنسبة 50%، مما يجعل الموقع في متناول شريحة واسعة من الزوار، وتساهم هذه الأسعار الرمزية في استقطاب العائلات والأفراد الباحثين عن الاستشفاء بتكلفة معقولة.

وتمتاز محافظة الطفيلة بموقعها على خارطة السياحة العلاجية الأردنية، حيث تعد حمامات عفرا جزءاً من شبكة مواقع استشفائية تشمل البحر الميت، وحمامات ماعين، والحمة الأردنية، وتتميز هذه المواقع بتوفر المياه المعدنية الحارة والطين البركاني، مما يجعل الأردن وجهة إقليمية وعالمية للسياحة العلاجية، حيث تشير الدراسات إلى أن الأردن يستقطب حوالي 300 ألف سائح طبي سنوياً، بفضل مستشفياتها الحديثة، وكوادرها الطبية المؤهلة، وأسعارها التنافسية، فيما تساهم حمامات عفرا في هذا الإطار من خلال تقديم علاج طبيعي يعتمد على الموارد البي?ية، مما يجعلها وجهة مثالية للباحثين عن الشفاء والاسترخاء.

وتعكس حمامات عفرا إمكانيات كبيرة لتكون ركيزة اقتصادية في محافظة الطفيلة، حيث يساهم تطويرها في توفير فرص عمل، وتحريك الاقتصاد المحلي، ومكافحة الفقر والبطالة، إلا أن هذه الرؤية تتطلب تعاوناً بين القطاعين العام والخاص لتحسين البنية التحتية، وتوفير الخدمات اللوجستية، وتسويق الموقع على نطاق أوسع، ليبقى هذا الموقع شاهداً على قدرة الطبيعة في تقديم العلاج والراحة، مع حاجة ماسة إلى دعم حكومي واستثماري لتحقيق إمكاناته الكاملة.