كتاب

جولة ترامب الخليجية.. نماذج مختلفة للعلاقات والأدوار

 

 

كرّست جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لدول المملكة العربيّة السعوديّة وقطر والامارات العربيّة المتحدة، نماذج متعددة للعلاقات الأميركيّة الخليجيّة.

زيارته إلى السعودية شهدت تطورًا سياسيًا بارزًا في العلاقة مع سوريا، وفي قطر عزّز ترامب دور الدوحة كوسيطٍ إقليمي ولا سيما مع إيران.

وفي الإمارات طغى الجانب الاقتصادي من خلال التعاون والاستثمار، لاسيما في مجالات الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى جوانب أخرى تكنولوجيّة.

فكيف تترجم هذهِ الأدوار والنماذج؟!

الرئيس ترامب التقى بالرئيس السوري أحمد الشرع في العاصمة السعوديّة الرياض، في خطوة وصفت بأنّها جزء من محاولة دمج سوريا في مشروع الاستقرار الإقليمي.

ثلاثٌ وثلاثون دقيقة أمضاها ترامب مع الشرع، وكان هذا اللقاء هو الأول بين رئيسي الولايات المتحدة وسوريا منذ خمسةٍ وعشرين عاماً.

وجاء إعلان الرئيس ترامب بأنّ الولايات المتحدة سترفع كل العقوبات عن سوريا؛ لكنّ هل هذا كل شيء أم هناك شروط أميركيّة؟!

الرئيس ترامب حدد خمسة مطالب موجّهة للشرع تتمثل في؛ التطبيع مع إسرائيل من خلال التوقيع على الاتفاقيات الإبراهيميّة، وإخراج المقاتلين الأجانب من سوريا، وترحيل عناصر الفصائل الفلسطينيّة المسلّحة، ومنع عودة تنظيم داعش في سوريا، وتحمّل مسؤولية مراكز احتجاز عناصر تنظيم داعش في شمال شرق سوريا؛ إذ أنّ هذهِ المراكز ما تزال تحت مسؤولية قوات 'قسد'.

الشرع الذي أكّد التزامه باتفاقية فك الاشتباك مع إسرائيل المبرمة في العام ألفٍ وتسعمئة وأربعٍة وسبعين، أعرب عن أمله بأن تكون سوريا بمثابة حلقة وصل مهمة في تسهيل التجارة بين الشرق والغرب، ودعا الشركات الأميركيّة للاستثمار في مجال النفط والغاز السوريين، كما عرض الشرع التعاون في مجال مكافحة الارهاب.

فهل يُمهد هذا اللقاء إلى تقاربٍ أميركي سوري أوسع؟! أم أنّ سوريا محطةٌ في صفقةٍ إقليمية أكبر؟!

انتهى اللقاء بأوصاف ترامب التي أطلقها تجاه الشرع باعتبار أنه 'عظيم وجذاب ومقاتل'، وهو الأمر الذي يدفع التساؤل حوّل ما الذي دفع الرئيس ترامب التخلي عن حذره تجاه دمشق وتجاه الشرع تحديداً؟

تصريحات ترامب وتخليه عن حذره يعود لدور المملكة العربية السعودية في التدخل بهذا الشأن، لصالح سوريا لتعود لمكانتها الطبيعيّة في المجتمع الدولي وثقته في ولي العهد السعودي، وصداقته مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جعله يبتعد تماماً عن الحذر الذي كان في المراحل الماضية، وكذلك الوعود التي أعطيت له بأنّ سوريا ستعود عكس ما كانت عليه في السابق، وستكون ضد التطرف والارهاب.

يضاف إلى ذلك توجّهات الشرع التي ظهرت من خلال ما قد أطلقتها الحكومة السوريّة مؤخراً؛ حوّل المستقبل الجديد الذي ينتظر العلاقات في المنطقة، وفي إشارة إلى إسرائيل ووجود تفاهمات مستقبليّة؛ إذ تعد هذهِ المساءل مشجّعة إلى الرئيس ترامب مع وجود رغبة لديه بضمان أمن واستقرار المنطقة، بحكم أنه آتٍ إليها من أجل الاقتصاد والاستثمار والتنميّة، وهو ما جعله يذهب بمثل هذهِ الاتجاهات، وحفزه أن يخطو نحو الخطوات الإيجابية؛ لعله يكوّن نجاحات اقتصاديّة واستثماريه ويضمن استقرار المنطقة.

الشرع نجح في إيصال انطباعات إيجابية مغايرة عن الصورة السابقة المرسومة له لدى الأميركيين، وهي صورة بالكفالة السعودية، وهو الأمر الذي اتضح عندما أعلن الرئيس ترامب بأنّ قراره تجاه رفع العقوبات جاء بطلب من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

الاتحاد الأوروبي سبق وأعلن أنّه يتجه أيضًا لرفع العقوبات عن سوريا، لاسيما بعد استقبال الشرع في قصر الاليزيه قبل نحو أسبوعين.

فهل انتهى عهد التحفظات الأوروبية والأميركية عليه؟ وهل لبّت إدارة الشرع كل مطالب الغرب؟ وهل سيلبي الشرع شروط الرئيس ترامب؟

مما لا شك أنّ منطقة الشرق الأوسط اليوم تشهد تحالفات غير تقليديّة ذكيّة، لأنّ التحديات تحتّم قيام سياسات واستراتيجيّات وتحالفات جديدة، خدمةً لأهداف جديدة، وفقاً لنظام المصالح وخدمة الشعوب.

كل ما قام به الرئيس ترامب شكّل مفاجأة لكل الأوساط الأميركية بما فيه الوكالات الفيدراليّة.

إذا كان رفع العقوبات خطوة في الاتجاه الصحيح، فإنّ ذلك لا يفي بالغرض، إن لم تستقر الأوضاع في سوريا، وتنتهي الحروب في المنطقة، حتى ينمو الاقتصاد السوري؛ لأنّ العقوبات وحدها لا يمكن اعتبارها عصا سحريّة، وهنا يتعيّن على السوريين والمجتمع الدولي احتضان دمشق حتى تسير بالاتجاه الصحيح.

المطالب الأميركية الخمسة جاءت تكميليّة لقرار رفع العقوبات من قبل إدارة ترامب، وهي ليست شروطاً مُسبقة، لقرار رفع العقوبات؛ لأنّ رفع العقوبات قرار اتخذ لكنّه يحتاج إلى تنفيذ إجراءات تنفيذيّة ومطالب تكميليّة لتثبيت حُسن النوايا، ومن ثم إجراء مفاوضات بين البلدين.

بعض العقوبات ستستغرق مزيداً من الوقت حتى تلغى وربما يتم تجميدها ريثما تتخذ الإجراءات القانونيّة لإلغائها، خصوصاً وأنّ بعضها يمتد إلى عقود من الزمن، وبعضها يحتاج إلى موافقة الكونغرس الأميركي مثل قانون قيصر، وبعضها يحتاج فقط إلى توقيع الرئيس ترامب، وهو أمر إجرائي.

الأهم أنّ هذه المطالب كانت منسوجة من قبل أميركا وقامت بإيصالها إلى الجانب السوري خلال الأسابيع الماضية قُبيل زيارة ترامب لمنطقة الشرق الأوسط، وقامت الحكومة السورية بالعمل عليها بشكل مُسبق، لما لها من دور في تماسك الجبهة الداخلية، ورسم صورة إيجابية عن المجتمع السوري لدى المجتمع الدولي.

لاشك أن واشنطن لديها تصور واضح تجاه سوريا؛ والإدارة الأميركية تؤمن بأنّ السياسات لا تبنى على التاريخ وإنما على المستقبل، لذلك فالنقاط التي حددها ترامب هي نقاط مستقبليّة، ولا علاقة لها بالجوانب التاريخيّة.

مما لا شك به أن لقاء ترامب والشرع وجهاً لوجه في الرياض، وما حدث كان اختراقاً غير مسبوق في ملف العلاقات السوريّة الأميركية، اعتماداً على الثقل السعودي.

فهل ستكون بداية لتعاون أوسع نطاقاً في مجالات أخرى؟!

في السياسة لا عدو دائم!

وقرار رفع العقوبات عن سوريا يمهد لخطوات عدة على طريق إنهاء عقود من التوتر انتابت العلاقة بين واشنطن ودمشق، وإعطاء دور جديد لعهد عنوانه الشراكة والتعاون.