واجهت محافظة الطفيلة خلال الاسبوع الماضي تصاعداً ملحوظاً في انتشار الأفاعي داخل الأحياء السكنية، حيث رصد المواطنون هذه الزواحف في منازلهم وعلى الطرق الموازية لهم، مما أثار قلقاً واسعاً خصوصا بعد ارتفاع درجات الحرارة التي تدفع الأفاعي للبحث عن أماكن ظليلة ورطبة داخل المناطق المأهولة، فيما تمكن مواطنون من الإمساك ببعض هذه الأفاعي، وتولت فرق الدفاع المدني التعامل مع حالات أخرى، وسط إرشادات متزايدة تدعو إلى الحذر عند مواجهة هذه الكائنات الخطرة.
وبحسب المعلومات الإحصائية؛ فإنه يوجد في الأردن حوالي 37 نوعاً من الأفاعي، سبعة منها شديدة السمية، وثلاثة أنواع قليلة السمية، وتتميز الأفاعي السامة برأس مثلث، وحراشف رأسية صغيرة يصعب عدها بالعين المجردة، وذيل قصير، وبؤبؤ عين يشبه عين القط، مع أنياب أمامية متحركة قادرة على حقن السم بسرعة.
وتظهر الأفعى الفلسطينية كأخطر الأنواع المنتشرة بشكل محدود في الطفيلة، حيث تمتاز بسم قوي وقدرة على تسلق الأشجار والجدران، مما يزيد من احتمالية دخولها المنازل، فيما يصل طولها إلى 130 سم، وتتميز بجسم ممتلئ وألوان مختلطة بين البني والرمادي الباهت، فيما تتميز الأفعى النشارة بلون بني محمر وبقع بيضاء هندسية على ظهرها، وتنشط ليلاً، ويبلغ طولها حوالي 80 سم، والأفعى المقرنة صغيرة الحجم، ذات رأس عريض وعنق دقيق، وتظهر عليها أشرطة بنية وبقع بيضاء، بينما تمتاز الأفعى المقرنة الكاذبة بنتوء يشبه القرون فوق العينين، وتظهر بألوان سوداء غامقة في الصحراء الشرقية أو رملية في المناطق الجنوبية.
أما البرجيل المصري، ورغم سميته العالية، إلا أنه يسبب إصابات قليلة بسبب قصر أنيابه، بينما تُعد أفعى الحفارة من الأخطر، إذ تؤثر سمومها على الجهاز التنفسي، وتسبب آلاماً شديدة، وخدراً، وتآكل الأنسجة، وقد تؤدي إلى الوفاة إذا لم تُعالج فوراً.
وسجلت الطفيلة خلال السنوات الخمس الماضية عدداً من حالات لدغات الأفاعي، دون توفر إحصائيات رسمية دقيقة، مما يعكس الحاجة الملحة إلى توثيق هذه الحوادث بشكل أفضل، ويعتمد العلاج حالياً على مصل متوفر في وزارة الصحة، يُعرف بالمصل الهندي، وهو أجسام مضادة تُحقن عضلياً أو وريدياً لتحييد السم، لكنه لا يغطي جميع أنواع اللدغات، خاصة تلك الناتجة عن الأفعى الفلسطينية أو الحفارة.
وأفاد مصدر موثوق في وزارة الصحة إلى «الرأي» أن الوزارة تعمل على تسجيل أمصال جديدة تتناسب مع الأنواع السامة المنتشرة في الأردن، وتخضع هذه الأمصال لمعايير علمية صارمة لضمان سلامتها وفعاليتها، والمصل الحالي يحقق نتائج جيدة في معظم الحالات، لكنه قد لا يكون كافياً لبعض الأنواع شديدة السمية، مما يستدعي تسريع استيراد أمصال متخصصة.
وأكد مصدر في الدفاع المدني أن فرق الإنقاذ تلقت عدداً متزايداً من البلاغات حول رصد الأفاعي في الأحياء السكنية بالطفيلة خلال الصيف الحالي، مما يوحب على المواطنين تجنب التعامل مع الأفاعي بأنفسهم نظراً لخطورة ذلك، خاصة مع وجود أنواع سامة قد تسبب مضاعفات قاتلة، وينبغي الاتصال الفوري بالدفاع المدني عند رؤية أي أفعى، مع الابتعاد عنها وتجنب إثارة ردود فعلها، حيث أن الفرق المختصة مجهزة بالأدوات اللازمة للتعامل مع هذه الحالات بأمان، والوقاية تبدأ بإغلاق الفتحات في المنازل وتنظيف الحدائق لتقليل أماكن اختباء الأفاعي.
ويعكس واقع المواطنين في الطفيلة حجم التحدي، حيث يروي محمود الرفوع، أحد سكان المحافظة، أنه عثر على أفعى داخل فناء منزله، فقام بقتلها دون تردد، لكنه لم يكن يعلم ما إذا كانت سامة، ولم يكن على دراية بالطريقة الصحيحة للتعامل معها، وخوفه من تعرض أطفاله للخطر دفعه لاتخاذ هذا القرار السريع، لكنه يتمنى توفر وعي أكبر بكيفية التصرف في مثل هذه المواقف.
ويروي عبدالله المسيعديين تجربة مشابهة، حيث وجد أفعى مختبئة بين الأغراض في مخزن منزله، فقرر قتلها فوراً، لكنه شعر بالقلق بعد الحادثة بسبب نقص المعلومات حول أنواع الأفاعي ومخاطرها، متمنياً توفر إرشادات واضحة من الجهات المختصة.
ويقدم الطبيب محمود السعودي إرشادات واضحة للتعامل مع لدغات الأفاعي، حيث يجب تهدئة المصاب فوراً، وتجنب تحريكه لمنع انتشار السم في الجسم، وغسل مكان اللدغة بالماء البارد والصابون، ثم نقله إلى أقرب مستشفى بأسرع وقت، حيث يمكن ان تظهر أعراض مثل التورم، والغثيان، والدوار، ونزيف اللثة، وتكسر الصفائح الدموية، مما يستدعي تقديم بلازما أو صفائح دموية في بعض الحالات، مؤكدا على أن إعطاء المصل بسرعة يقلل من المضاعفات، لأن التأخير لأكثر من 6-12 ساعة قد يتطلب مضاعفة الجرعة، وقد لا يستجيب المصاب للعلاج، مما يؤدي إلى عواقب وخيمة، في الوقت الذي يحذر فيه من محاولة امتصاص السم أو قطع مكان اللدغة من القريبين للشخص المصاب، لأن ذلك يزيد من الضرر.
وتشير المعلومات إلى أن 15% فقط من الأفاعي في الأردن سامة، لكن سمومها تحتوي على بروتينات تؤثر على الجهاز العصبي أو القلبي أو الدورة الدموية، مما يتطلب تدخلاً طبياً فورياً.
وأفاد مصدر رسمي أن لجنة طارئة شُكلت لتسريع تسجيل مصل جديد يغطي لدغات الأفاعي شديدة السمية، مع الإقرار بأن المصل الحالي لا يلبي احتياجات جميع الحالات، فيما يعمل متطوعون في الطفيلة على تأمين أمصال من دول مجاورة، حيث أنقذت هذه الجهود عدداً من المصابين بحالات حرجة.
وأكد مصدر موثوق أن هذه الأمصال ذات فعالية عالية، لكنها بحاجة إلى تسجيل رسمي لتكون جزءاً من النظام الصحي، ليبقى نشر الوعي بين المواطنين حول مخاطر الأفاعي وكيفية التعامل معها، إلى جانب تسريع إجراءات توفير أمصال شاملة، التحدي الأكبر لمواجهة هذا الخطر المتزايد.