هل تساءلت يوماً لماذا يذهب بعض الطلبة الى المدرسة بحماسة بينما يتثاقل آخرون او لا يأتون أصلاً؟.
في كل صباح، مشهد متكرر: طلاب يدخلون الصفوف بعيون متألقة، وآخرون يختفون من سجل الحضور، ورغم اننا غالباً ما نلوم الطالب، نحمّله عبء الغياب، فهل فكرنا بأن المشكلة قد لا تكون فيه، بل فينا؟
ربما الغياب ليس مشكلة بحد ذاته، بل رسالة. انذار بان المدرسة لم تعد مكاناً جاذباً. فماذا لو كانت بيئتنا التعليمية طاردة، لا تمنح الطالب ما يحتاجه من أمان، انتماء، وتحفيز؟ الغياب إذاً، ليس قدرا بل سؤال ينتظر جواباً: ماذا نفتقد في مدارسنا؟..
ما البيئة التي يحلم بها الطالب؟..
هل يمكن ان تكون المدرسة اكثر من مجرد مكان لتلقي الدروس؟
البيئة الجاذبة لا تعني الكمال، بل الانسانية. انها المكان الذي يُحتضن فيه الطالب، لا يُحاصر. حيث يُنظر اليه لا كرقم في جدول، بل ككائن له قصة، واحتياجات، وطموحات.
بيئة تحتوي على معلمين يؤمنون بالطلبة، يحفزونهم لا يخشون الخطأ، ومساحات تعلم مرنة تتيح الحوار والتجريب، لا التلقين فقط، كذلك، انشطة غير صفية ترتبط بهوايات الطالب وتكسر روتين الجداول، مع دعم نفسي حقيقي يُراعي ظروف الحياة خارج اسوار المدرسة.
هل للبيئة التعليمية اثر فعلي على الغياب؟ هل هناك علاقة بين بيئة المدرسة والغياب؟.
بحسب دراسة اجرتها وزارة التربية والتعليم الاردنية عام 2021 بعنوان «دوافع التسرب المدرسي في المدارس الحكومية»، تبين ان من ابرز اسباب الغياب الشعور بعدم الراحة النفسية، وانعدام الحوافز داخل المدرسة.
كما بيّنت دراسة صادرة عن المركز الوطني لتطوير المناهج في الاردن (2020) أن البيئات الصفية الداعمة التي تحترم الطالب وتوفر له فرصاً للتفاعل، تسهم في تحسين معدلات الحضور والانخراط الاكاديمي.
وفي تقارير صادرة عن اليونسكو حول البيئة التعليمية في الأردن، طُرحت البيئة الجاذبة كعامل اساسي في تقليل نسب التسرب، ورفع مستويات التحصيل.
من يحمل مفاتيح التغيير؟..
من المسؤول عن خلق بيئة مدرسية تجذب الطالب لا تُبعده؟..
القيادة المدرسية هي البوصلة: عليها ان تصنع السياسات التي تُشجع على الاحترام، التنوع، والابتكار، المعلمون هم القلب: ببناء علاقات انسانية قائمة على الحب والاهتمام، قبل ان تكون تعليمية.
الاسرة ايضا شريك محوري: بتعزيز صورة المدرسة كحاضنة لا كعضوية. وأخيراً، المجتمع المحلي: عليه ان يكون جزءاً من المعادلة، لا مجرد متفرج، من خلال دعم البرامج التعليمية وربط الطالب بعالمه خارج المدرسة.
هل ما زلنا نعتقد ان الغياب مجرد تقصير؟.
كل طالب غائب هو قصة لم تُكتب بعد. هو صوت خافت لم يُسمع. وبدل ان نسأل: «لماذا لم يأتِ؟». لنقل: «كيف نعيده؟».
فالغياب ليس تحدياً بل حل، بل فرصة لاعادة التفكير، والاعتراف بأن التعليم لا يتم بالمناهج وحدها، بل بالحب، والرحمة، والبيئة التي تقول لكل طالب: «نراك.. ونؤمن بك».