دعوات لخطة وطنية للمشاركة في مشاريع إعادة الإعمار
تحولات استثنائية تنتظر منطقة الشرق الأوسط، بعد زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمنطقة، وإعلانه رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، في وقت بدأ الحديث عن ملفات تنموية واقتصادية وإعادة إعمار المدن والمؤسسات في سوريا.
الأردن الذي يقع في قلب المنطقة وهو الأكثر استقرارا، كممر استراتيجي آمن، وبلد جاذب للاستثمارات، لديه قدرة عالية على أن يكون حلقة ربط اقتصادية وتنموية وخدمية بين دول المنطقة، يراقب هذه التحولات الجيوسياسية والاقتصادية باهتمام كبير، خصوصا وانه واجه تحديات جمة على مدى ١٢ عاما مضت، بعد أن تحولت حدوده الشمالية الطويلة إلى منطقة غير آمنة وملاذا للميليشيات المسلحة وتجار المخدرات.
من هنا، ومن منطلق العلاقات التاريخية مع سوريا، والتي كانت نشطة تجاريا وإقتصاديا، قبل انطلاق احداث، 2011
على أساس المنفعة المتبادلة، يستعد الأردن لإعادة تفعيل وتنشيط العلاقات مع الشقيقة سوريا، والتي ينظر اليها كعمق استراتيجي متكامل، لإعادة ضبط التوازن الإقليمي من منطلق تنموي لا من مطلق صراعات أو نزاعات مسلحة.
وبالنظر الى التحديات الجمة التي واجهتها المملكة سواء على صعيد تدفق اللاجئين السوريين (1.3 مليون لاجئ)، أو على صعيد تهريب الأسلحة والمخدرات، بكافة الوسائل، تكمن مسألة استقرار وتنمية سوريا مسألة أساسية بالنسبة للأردن، والذي عانى الأمرين على مدى سنوات عدة، في عهد النظام السابق، فكانت الأزمات المتكررة والأزمات الدبلوماسية،وتوتر العلاقات أبرز ما تمخضت عنه مرحلة ما قبل تغيير النظام هناك.
العين الحاج توفيق: إعادة الأعمار فور رفع العقوبات
اليوم، تبدو الأمور أكثر تفاؤلا وحاجة لإعادة بناء وهندسة المنطقة، بعد أن مرت بحالة فوضى وحروب متداخلة، لجهة إعادة الإعمار والتعاون والمشاركة والاستفادة من الموقع الجغرافي الذي يتوسط العالم، بدلا من النزاعات العسكرية وسباق التسلح، والقتل الدائم للأبرياء المدنيين في هذا الإقليم.
لكن رغم كل ذلك، تثار تساؤلات جمة حول الدور الأردني في المرحلة المقبلة، خصوصا بعد عودة الإستقرار والهدوء إلى سوريا، وتوجه القيادة السورية بقيادة الرئيس احمد الشرع نحو إعادة اعمار سوريا والتركيز على التنمية والعدالة ومشاركة جميع القوى في هذا المشروع التنموي الضخم؟
يقول رئيس غرفة تجارة الأردن العين توفيق الحاج خليل، في حال تطبيق قرار الرئيس الامريكي أمس، ستكون هذه بداية حياة جديدة للاقتصاد السوري وانطلاق خطة إعمار في سوريا، فالأردن سيشارك في إعادة إعمار سوريا بحكم العلاقات التاريخية العميقة والقرب الجغرافي والتداخل الاجتماعي.
وفي حال تطبيق القرار ستعود الحياة إلى اقتصاد سوريا، ولكل الدول المحيطة بها، والأردن لديه الكثير لتقديمه الأشقاء في سوريا، خصوصا في مجال إعادة الاعمار وبناء المؤسسات والتحول الرقمي وتقديم الخبرات وخلاصة التجارب، وتأهيل الكوادر البشرية وتدريبها، مشيرا الى ان الأهم هو القطاع المصرفي حيث يتمتع الاردن بخبرات طويلة وتجربة تكنولوجية ناجحة، لإعادة بناء الجهاز المصرفي السوري على أسس حديثة ومتطورة، بالتعاون مع البنك المركزي الأردني.
ويضيف الحاج توفيق، نحن في القطاع الخاص الأردني نرحب بقرار برفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا لإنهاء معاناة الأشقاء السوريين، موضحا انه مع رفع العقوبات عن القطاع المصرفي وإعادة تفعيل عمل ٣ بنوك أردنية وتنفيذ العمليات البنكية العالمية، سيؤدي ذلك الى دفع العمليات الاقتصادية والاستيراد والتصدير والاستثمار وتسهيل إعادة الاعمار.
ويضيف الحاج توفيق، إعادة الاعمار ستبدأ فورا مع رفع العقوبات عن سوريا، هناك ارتياح كبير وسعادة للأخوة السوريين على انتهاء المحنة التي طالت.
النائب البشير: لا استقرار إقليمياً دون شراكة بنّاءة بين عمّان ودمشق
العلاقة بين الأردن وسوريا لطالما شكّلت نموذجًا فريدًا في تعقيداتها وتشابكاتها، ليس فقط بحكم الجغرافيا والتاريخ، بل أيضًا بسبب حجم التأثير المتبادل بين البلدين على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية. وفي ظل التحديات المتصاعدة إقليميًا، لم يعد من الممكن تجاهل حقيقة أننا في «مركب واحد»، وأن استقرار سوريا لم يعد مصلحة سورية فقط، بل مصلحة أردنية أيضًا، تقول رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، النائب دينا البشير.
وتضيف البشير، يأتي القرار الأخير للرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الذي أُعلن عنه خلال لقائه في الخليج، برفع العقوبات عن سوريا، ليشكل نقطة تحوّل في مسار العلاقات الإقليمية، ويفتح الباب أمام فرص تعاون جديدة، طالما طالب بها الأردن باعتبارها ضرورة لحماية أمنه واستقراره وتنميته.
أمنيًا، شكّل الانفلات في الجنوب السوري مصدر تهديد حقيقي للأردن خلال السنوات الماضية، مع تصاعد عمليات تهريب المخدرات والأسلحة عبر الحدود. ومع هذا القرار، تبرز فرصة حقيقية أمام الدولة السورية لتعزيز سيطرتها على أراضيها، وهو ما يُمهّد لتنسيق أمني مشترك فعّال يحدّ من هذه المخاطر، ويخدم أمن البلدين.
اقتصاديًا، فإن رفع العقوبات يوفّر مدخلًا مهمًا لتعافي الاقتصاد السوري، وانفتاحه على شراكات إقليمية، وهو ما يمنح الأردن فرصة ليكون ممرًا رئيسيًا لإعادة الإعمار. حركة السلع، والمعدات، والمساعدات، إضافة إلى تدفّق السيولة وتمويل المشاريع الكبرى داخل سوريا، كلّها عوامل من شأنها أن تُنشّط الاقتصاد الأردني وتخلق فرص عمل جديدة في مجالات النقل، والخدمات، واللوجستيات.
وفي ملف المياه والطاقة، توضح البشير، فإن هذا التطور يفتح المجال لإحياء اتفاقيات ومشاريع استراتيجية كانت معلقة لسنوات، ويُعزز من قدرة الأردن وسوريا على مواجهة تحديات التغير المناخي وأزمات المياه والطاقة التي تتفاقم في المنطقة.
أما اجتماعيًا، فإن استقرار سوريا وبدء مشاريع التنمية فيها يُعدّ خطوة أساسية نحو العودة الطوعية للاجئين، مما يُخفف الضغط عن المجتمعات الأردنية المستضيفة التي تعاني من ضغط على البنية التحتية والخدمات وفرص العمل. كما أن تحسّن الظروف المعيشية داخل سوريا سيقلل من دوافع الهجرة غير الشرعية، ويُحد من التوترات الاجتماعية المرتبطة بالعمالة غير المنظمة.
وتضيف البشير، إن قرار رفع العقوبات لا يُقرأ فقط في سياقه الأمريكي، بل في ضوء المتغيرات الإقليمية التي تتطلب رؤى أكثر واقعية. وقد عبّر الأردن مرارًا عن قناعته بأن التعامل مع سوريا بمنطق العقوبات أثبت فشله، وأن المصلحة الوطنية الأردنية تتطلب إعادة فتح قنوات التعاون والتنسيق مع دمشق، خدمة لاستقرار الإقليم وتنمية الشعوب.
فالمعادلة باتت أكثر وضوحًا: لا ازدهار حقيقي في الأردن دون بيئة إقليمية مستقرة، ولا استقرار إقليمي دون شراكة بنّاءة بين عمّان ودمشق.
الدويري: ورشة بناء متكاملة
وفي السياق الإقتصادي تبدو الفرص المتاحة كثيرة ومبشرة، فالأردن كان قبل الحرب في سوريا، ممرا بالأتجاهين عبر خط نقل بري نشط إلى سوريا وتركيا وأوروبا، كما كان ممراً للشاحنات السورية والتركيز المتجهة نحو الخليج العربي، بالتالي يمكن بناء منظومة تعاون اقتصادي يشمل مستقبلا خطوط نقل الغاز والطاقة عبر دول المنطقة.
علاوة على ذلك، تحتاج سوريا الى ورشة بناء متكاملة سواء على صعيد إعادة إعمار المدن المدمرة، ام بناء المؤسسات الحكومية والخدمية، بعد ان تعرضت للتدمير من قبل النظام السوري السابق، وهناك رغبة إقليمية ودولية بتمويل إعادة الإعمار من خلال شراكات ثنائية أو تعاون إقليمي ودولي، لتحقيق الإستقرار وإعادة اللاجئين السورين في دول المنطقة العالم، يصل عددهم إلى أكثر من 10 ملايين لاجئ، في الأردن وتركيا ولبنان ودول أوروبا.
ومعروف تاريخيا، أن الإقتصاد الأردني والسوري متشابكين، ويتأثران ببعضهما البعض، بالتالي إن انتعاش الوضع الإقتصادي في سوريا ينعكس فورا على الإقتصاد الأردني، من هنا يقول نقيب المقاولين الأردنيين، المهندس فؤاد الدويري، أن أي خطوات باتجاه رفع أو تخفيف العقوبات الاقتصادية عن سوريا من شأنها أن تُسهم بشكل مباشر في تحفيز الاقتصاد الأردني، وخصوصًا في قطاع المقاولات والقطاعات المسانده له.
ويضيف الدويري في تصريح الى «الرأي» إن قطاع المقاولات الأردني يتطلع إلى عودة النشاط الاقتصادي في سوريا، لا سيما في مجالات إعادة الإعمار والبنية التحتية، وهو ما يشكل فرصة حقيقية للشركات الأردنية التي تمتلك الخبرة والقدرات الفنية للمساهمة في هذه المشاريع.
ويضيف الدويري أن عودة الحركة التجارية والاستثمارية بين البلدين الشقيقين ستُسهم في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، وتوفير فرص عمل، وتنشيط الصناعات المرتبطة بالمقاولات مثل الإسمنت والحديد والنقل.
ويدعو الدويري إلى وضع خطة وطنية للاستعداد للمشاركة في مشاريع إعادة الإعمار، وتسهيل حركة المقاولين والمواد بين الأردن وسوريا، بما يضمن استفادة حقيقية للقطاع ويعزز التعاون الاقتصادي الإقليمي.
عموما، الخطوة الأولى نحو تغيير الواقع بالمنطقة، تبدأ من ساعة بدء رفع العقوبات فعليا عن سوريا، وبوجود رغبة للاعبين الأساسيين في الساحة السورية نحو تحقيق الاستقرار والتنمية المنشودة، لتحويل سوريا من أرض للصراعات إلى واحة استقرار ونماء.
نجاح هذا المشروع يتوقّف على عاملين أساسيين: إرادة سياسية سورية صادقة منفتحة على الجميع، وشبكة إقليمية- دولية مسؤولة ترى في سوريا فرصة للتّعافي، لا ساحة للصراع المفتوح.
ما الذي يعنيه رفع العقوبات عن سوريا للأردن وللمنطقة..؟؟
11:16 14-5-2025
آخر تعديل :
الأربعاء