لم تعد عيادات التجميل في الأردن تقتصر على النساء، فثمة تحول لافت يشهده هذا القطاع مع تزايد إقبال الشباب الذكور على مجموعة واسعة من الإجراءات التجميلية، بدءًا من زراعة الشعر وحقن البوتكس، وصولاً إلى جلسات الليزر وعلاجات الندوب.
وفقًا لإحصاءات الجمعية العالمية لجراحة التجميل (ISAPS)، فإن 14% من الخاضعين للإجراءات التجميلية عالميًا هم من الشباب الذكور، وهي نسبة تعكس تحوّلًا اجتماعيًا وثقافيًا في نظرة الرجال إلى أجسادهم ومظهرهم الخارجي.
في الأردن، تتصدر عمليات تجميل الأنف، شد البطن، إزالة آثار حب الشباب، وزراعة الشعر قائمة أكثر الإجراءات شيوعًا بين الشباب، مدفوعة برغبة في تحسين المظهر الخارجي واستعادة الثقة بالنفس، وفي أحيان أخرى نتيجة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي.
دوافع نفسية واجتماعية
يؤكد الدكتور تيسير شواش، طبيب نفسي ومعالج سلوكي معرفي، أن لجوء الشباب الذكور إلى التجميل لا ينفصل عن دوافع نفسية معقدة، أبرزها تدني احترام الذات واضطرابات صورة الجسد، مثل القلق من الصلع أو شكل الأنف أو بروز دهون البطن.
ويحذر شواش من اضطراب "تشوه صورة الجسد"، الذي يصيب بعض الحالات ويدفعهم إلى السعي لتعديلات متكررة على مناطق لا يراها الآخرون "معيبة"، وهو اضطراب مصنف ضمن طيف الوسواس القهري. ويقول: "الجراحة التجميلية لا تحل المشكلة في هذه الحالات، بل قد تؤدي إلى تفاقم القلق والانشغال بجزء جديد من الجسد".
إلى جانب ذلك، هناك دوافع اجتماعية متزايدة، مثل تقليد المشاهير، والرغبة في الظهور بمظهر متكامل، خاصة في ظل هيمنة "ثقافة الصورة" على المنصات الرقمية. ويضيف شواش أن الشباب اليوم عرضة لمقارنات دائمة بفلاتر معدلة ومعايير جمالية غير واقعية.
أطباء التجميل: التغير ملموس
من جهتها، تؤكد الدكتورة هدى القضاة، أخصائية التجميل، أن السنوات الأخيرة شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الرجال الذين يقصدون العيادات، لا سيما من الفئة العمرية بين 25 و35 عامًا. وتقول: "البوتوكس، الفيلر، وعلاج الهالات السوداء هي بين أكثر الإجراءات طلبًا، إلى جانب العلاجات الجلدية المتقدمة لآثار حب الشباب".
وتشير القضاة إلى أن دوافع الرجال تتراوح بين الرغبة في الظهور بمظهر أفضل استعدادًا للزواج، وتحسين الثقة بالنفس، أو حتى تلبية متطلبات سوق العمل والمظهر المهني اللائق.
ورغم أن بعض الحالات تظهر سلوكًا تكراريًا أو رغبة مفرطة بالتغيير، تؤكد القضاة أن هذه الحالات ما تزال محدودة، وغالبًا ما تتم إحالتها للتقييم النفسي قبل المضي في أي إجراء تجميلي.
شهادات وتجارب
الشاب الأردني أحمد خالد خضع لإجراء "قطع الألياف" لعلاج آثار حب الشباب، ويقول إن التجربة كانت دافعًا كبيرًا لاستعادة ثقته بنفسه، بعدما أثرت الندوب سلبًا على مظهره وحياته الاجتماعية.
أما الشاب سامر (28 عامًا)، فقد أجرى عملية زراعة شعر بعد معاناة مع الصلع المبكر، معتبرًا أن "الخطوة كانت ضرورية من أجل تحسين مظهره العام وشعوره بالراحة النفسية".
ويحكي الشاب رامي عن خضوعه لجلسات ليزر للوجه، مشيرًا إلى أنه كان يعاني من آثار الحبوب والتصبغات، وأن النتائج "كانت أفضل مما توقعت"، على حد قوله.
ويشدد الأطباء على ضرورة توعية الشباب حول مخاطر وإيجابيات الإجراءات التجميلية قبل الإقدام عليها. ويُوصى بـإجراء تقييم نفسي دقيق في حالات الاشتباه بوجود اضطرابات متعلقة بصورة الجسد أو الوسواس القهري. كما يُنصح الجراحون بعدم التعامل مع العمليات التجميلية كحلول سريعة للاضطرابات النفسية، بل كجزء من منظومة علاجية متكاملة.
في النهاية، ما يفعله الرجال في عيادات التجميل اليوم يتجاوز حدود "الكمال الشكلي"، ليكشف عن تحولات ثقافية ونفسية عميقة تستحق النقاش والتأمل.
